السيد حسين الحوثي.. الفكر الجهادي والإنتماء اليمني
السيد حسين الحوثي.. الفكر الجهادي والإنتماء اليمني
الصمود../
في مثل هذا التاريخ الهجري 26 رجب 1425، استُشهد قائد أنصار الله السيد حسين بدر الدين الحوثي. فماذا في مسيرته ومشروعه النهضوي، وكشفه للمؤامرات الأميركية؟
الحديث عن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ليس بهذه السهولة، فشخصيته، التي اختزلت كل معاني الإنسانية، والشهامة، والمسؤولية، وتاريخه الجهادي الحافل، لا يمكن اختصاره ببضع كلمات.
فإذا أردنا الحديث عن نشاطه الداخلي في اليمن، بعيداً عن الدخول في تفاصيل دوره، إنسانياً واجتماعياً وتكافلياً وتوعوياً، فإنه يسجَّل للسيد حسين بدر الدين الحوثي موقف بارز فيما يتعلق بالأزمة التي تلت الوحدة اليمنية، وأدت إلى حرب صيف عام 94، فبرز حريصاً على مصلحة البلد والمحافظة على وحدته وسلامته، فكان ضمن فريق المصالحة بين حزبي المؤتمر والإصلاح من جانب، وبين الحزب الاشتراكي من جانب آخر.
وعندما وجد أن الأحداث تتجه نحو الحرب، قرر مغادرة العاصمة إلى صعدة، كموقف مبدئي يعبّر عن رفضه تلك الحرب، على الرغم من توجيهات السلطة القاضية بمنع مغادرة جميع أعضاء مجلس النواب العاصمة صنعاء، من أجل إضفاء شرعية على هذه الحرب. وقاد عدداً من المظاهرات المناوئة لتلك الحرب.
الداخل اليمني، مع ما يحمله من أحداث ومنعطفات في تلك الفترة، لم يقف حائلاً أمام رؤية السيد حسين الأوسع والأشمل ومسؤوليته تجاه الأمّة، فكان من أبرز المفكرين والثائرين، والداعين إلى مقاومة الاستكبار العالمي، والنهوض من حالة التبعية والخضوع والاستسلام، إلى المقاومة والمجابهة.
من هذا المنطلق، يُفسَّر لماذا حورب السيد حسين بدر الحوثي في حياته وبعد استشهاده، الذي يصادف اليوم ذكراه في التاريخ الهجري، 26 رجب 1425 (10 أيلول/سبتمبر 2004)؛ هذا التاريخ الذي جعله اليمنييون موعداً سنوياً لتجديد البيعة والولاء، واستنهاض الأمة، في وقت يتعرضون لحرب عبثية مفروضة عليهم منذ أعوام.
مشروعه النهضوي.. كابوس أرعب الولايات المتحدة و”إسرائيل”
“سنصرخ وإن كان البعض منا داخل أحزاب متعددة، سنصرخ إينما كنا نحن لا نزال يمنيين ولا نزال فوق ذلك مسلمين، أليس هذا الزمان هو زمن الحقائق ويتجلى فيه كل شيء؟ لا يجوز أن نسكت، بل يجب أن نكون سبّاقين، وأن نطلب من الآخرين أن يصرخوا في كل اجتماع”.
من مواقف الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي
“الموت لأميركا، الموت لإسرائيل”، هي الصرخة المدوّية التي أطلقها الشهيد القائد في أطراف اليمن النائية، في 17 كانون الثاني/يناير 2002، في وقت تعيش المنطقة ظرفاً حسّاساً ومنعطفاً خطيراً، تمثّلا بالاستهداف الأميركي لها، تحت عنوان “محاربة الإرهاب”.
وعليه، فأن ينطلق موقف حكيم ومدروس يحمل هذا الكمّ من التحدي ومقاومة الظلم، بعد 4 أشهر فقط من أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، فهو، في حد ذاته، يشكّل حالة منفردة، وشكلاً جديداً من أدوات المقاومة، وصرخة موجّهة ضدّ الإستكبار، في وقت سادت حالة السكوت والصمت والاستسلام أمام التحرك الأميركي لاحتلال أفغانستان.
فإطلاق الشعار، في التوقيت والأبعاد، كان تعبيراً عن صوت الأمة، والتصدي للهجمة الشرسة ضدّها، وتحصين الساحة الداخلية لأبنائها من الاختراق الأميركي الشامل (فكرياً، ثقافياً، سياسياً، عسكرياً، أمنياً، اقتصادياً)، وإعلان التعبئة العامة في وجه التحركات الأميركية، ورفع مستوى الوعي واليقظة، والانتفاض على حالة الخضوع.
والشعار لم يكن وحده، فلقد أتى ضمن نشاط واسع، تثقيفياً وتوعوياً، اتّجه إلى مواقف وخطوات عملية مرسومة ومحددة، تضمَّنتها الثقافة الإسلامية، وأيضاً رافقه موقفٌ آخر هو المقاطعة للبضائع الأميركية والإسرائيلية، بسبب ما تمثّله من سلاح فعّال في مواجهة قوى الاستكبار، واستهداف عماد قوتها وإمكاناتها الاقتصادية.
تحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي في مشروعه النهضوي، القائم على مقاومة الاستكبار، انطلاقاً من الاعتبار الديني والمسؤولية أمام الله والأمة، ووعيه بطبيعة التحرك الأميركي – الإسرائيلي. فكانت محاضراته التوعوية، التي حذّرت من المخططات الأميركية في المنطقة، كابوس رعب للولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما لم تُخفِه وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، اللذان عبّرا عن قلقهما من تحركات السيد حسين بدر الدين الحوثي .
كما أن الرئيس اليمني الأسبق، حينها، علي عبد الله صالح، طلب إلى الشهيد القائد التوقف عن إطلاق “الصرخة”، وقالها بكل وضوح بأنّ “الأمريكان أزعجهم هذا الشعار”، وهو ما رفضه السيد حسين، ليشن على صعدة 6 حروب ظالمة (عام 2004 حتى عام 2009)، وصولاً إلى الحرب الكبرى التي يشهدها اليمن منذ عام 2015، بهدف إجهاض هذه الثورة الشاملة، فكرياً وثقافياً، والتي بنى أعمدتها الشهيدُ القائد.
كشفه للمؤامرات
كما ذكّرنا سابقاً، عُرف السيد حسين بدر الدين الحوثي في مواقفه المعادية للاستكبار، بحيث حذّر اليمنيين، منذ عشرات الأعوام، من أطماع الولايات المتحدة في اليمن، وهو ما بدأ يبرز، على نحو جليّ، خلال أعوام الحرب على اليمن، والتي أعلنتها السعودية من واشنطن قبل نحو 8 أعوام.
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، نذكر هنا ما نشرته دائرة التوجيه المعنوي اليمنية قبل عامين، من وثائق سرية ومكالمتين هاتفيتين بين الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح ومدير وكالة الـCIA الأميركية جورج تينيت، تكشف الأطماع الأميركية في اليمن، وتورط النظام السابق في خيانة البلد.
وفي السياق، كُشف عن تقرير لوزارة الخارجية الأميركية، صادر بتاريخ 30 أيار/مايو 1998، يتحدّث عن إنشاء قاعدة بحرية أميركية لقوات “المارينز” في منطقة البريقة في محافظة عدن.
أدرك السيد حسين بدر الدين الحوثي المخططات الأميركية في اليمن، وحذّر منها، وخصوصاً بعد حادثة المدمرة الأميركية، كول، في عدن، عام 2000، والتي كانت بمثابة الذريعة من أجل التدخل الأميركي في البلاد، بعد أن كان هناك وجود سابق في الممرات الملاحية الدولية وباب المندب.
عزّزت الولايات المتحدة الأميركية تدخلها في مختلف الجوانب في اليمن، وخصوصاً في المجالات الأمنية والعسكرية، وفرضت سياساتها وأجندتها، إلى أن وصلت إلى ذروة نفوذها في اليمن خلال الفترة من بعد عام 2011 حتى أيلول/سبتمبر 2014، بحيث كان السفير الأميركي هو الحاكم الفعلي للبلاد في صنعاء.
استخدمت واشنطن ورقة تنظيم “القاعدة” في السيطرة على المحافظات اليمنية واستهداف الجيش، فلقد كان التنظيم الإرهابي يحصل على كميات الأسلحة، التي يستهدف عبرها الترسانة العسكرية للجيش اليمني، عن طريق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهذا ما كشفته مخازن الأسلحة داخل مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي في محافظة البيضاء وسط اليمن، والتي تم تحريرها من جانب الجيش اليمني واللجان الشعبية.
أمّا فيما يتعلق بأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، فكان السيد حسين بدر الدين الحوثي على درجة عالية من اليقظة، فحذّر مما تَحوكه الولايات المتحدة للمنطقة بأكملها، فكان الاحتلال الأميركي لأفغانستان عام 2001، وللعراق عام 2003، وصولاً إلى استخدام تنظيم “داعش” في شن حرب على لبنان وسوريا والعراق.
فلسطين في فكره
عند الحديث عن السيد حسين بدر الدين الحوثي، تبرز فلسطين القضية في فكره الثوري. فتحرير فلسطين في فكر الشهيد القائد يمثّل محور النهوض والصحوة، والوعي لطبيعة العدو وأدواته وأساليبه.
لقد بيّن في دروسه ومحاضراته خطورة التطبيع مع “إسرائيل”، وحذّر من المؤامرات الغربية التي تحاك بمساعدة بعض الأنظمة العربية، من أجل النيل من القضية الفلسطينية وتصفيتها. وبعد مرور أعوام على انطلاق تحذيراتها، نرى كيف هرولت عدة دول عربية من أجل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، على حساب الشعب الفلسطيني ومقاومته.
وعدّ إحياء يوم القدس ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والأميركية واجباً، ورأى أنّ المخرجَ لهذه الأُمَّـة والحلَّ ليسا الرهان على الحكومات، وإنما الاتجاه إلى الشعوب نفسها، وهو ما يثبته الشعب الفلسطيني يومياً، والشعوب العربية، عبر رفضها اتفاقيات التطبيع الموقّعة. كما أنّ أحداث مونديال قطر الأخيرة، وكيف رفضت الجماهير العربية الحديث إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، تثبت ذلك.
ويؤكّد الشهيد القائد أنّ “إسرائيل” لا يمكن التصالح والمصالحة معها، لانّها ناكثة للعهود، وعدّ أن إسقاط المشروع الغربي في المنطقة يعني بالضرورة إسقاط “إسرائيل”، والعكس صحيح.
الدور الأميركي في اغتياله
في الـ 19 من حزيران/يونيو 2004، بدأ الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح شن الحرب الأولى على صعدة، والتي استهدفت الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي، بمشاركة الطيران والدبابات والمدفعية وعشرات الألوية العسكرية.
ووفقاً لوثائق سرية حصلت عليها وزارة الأمن والاستخبارات اليمينة، بعد ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014، ووُجدت في مبنى الأمن القومي السابق في صنعاء، تمّت تحضيرات الحرب في واشنطن بين الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش وعلي عبد الله صالح، في أثناء زيارة لافتة قام بها الأخير لواشنطن، والتقى خلالها الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني، ووزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد والمسؤولين في الـ CIA والـ FBI.
وبعد عودته بستة أيام في 13 حزيران/يونيو من عام 2004، بدأ شن الحرب على الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي، في “الحرب الأولى على صعدة”. وبعد شهرين من شن الحرب، وصل قائدان عسكريان أميركيان كبيران إلى العاصمة صنعاء بهدف مساعدة النظام على حسم المعركة.
وفي 10 أيلول/سبتمبر 2004، تمكنت القوات، التي حاصرت السيد حسين الحوثي في جرف سلمان في مران في محافظة صعدة، من الوصول إليه، وقامت بقتله.
وتكشف الوثائق أنّه، في اليوم نفسه، وجه قائد القوات المركزية الأميركية، جون أبو زيد، الشكر إلى علي عبد الله صالح على تمكنه من قتل السيد حسين الحوثي، وتهنئته بما قال إنه “انتصار”.
وعلى رغم استشهاده، حرقاً بالقنابل مع مجموعة من الجرحى في جبل مران، بعد حرب دامت أكثر من ثمانين يوماً عام 2004، منع خلالها دخول الماء، والغذاء، والدواء، واستخدم فيها الأسلحة المحرمة دولياً، فإن التحالف السعودي عاود استهداف مقامه في الأشهر الأولى للحرب على اليمن عام 2015.
وفي ذكرى استشهاده، تبرز أهمّية ما نبّه إليه الشهيد القائد، بالنظر إلى ما تتعرّض له المنطقة من مشاريع أميركية فتنوية، ومحاولات الولايات المتحدة الأميركية الحثيثة من أجل النيل من المقاومة. وليست الحرب التي يعيشها اليمنيون اليوم إلّا امتداداً للحرب الظالمة التي شُنّت على السيد حسين بدر الدين الحوثي، قبل 19 عاماً.
” اصرخوا وستكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة، التي بالتأكيد – بإذن الله – ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل في أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم – إن شاء الله – في مناطق أخرى” .
عبارة قالها السيد القائد قبل استشهاده بعامين، وها نحن اليوم نرى مفاعيلها في كل مناسبة وموقف وجبهة، فالصرخة في وجه المستكبر أضحت واقعاً تنطلق منه الشعوب الحرّة في مختلف أصقاع العالم.
*المصدر: الميادين نت