صمود وانتصار

الثقافات الدخيلة وخطرها على الهوية اليمنية

الثقافات الدخيلة وخطرها على الهوية اليمنية

الصمود../

تعتمد الهوية على عقائد ومفاهيم وأعراف وعادات وتقاليد وأفكار معينة، ولها معاني سامية وعميقة وانتماء بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية والمعنوية والمادية، تعمل على مساعدة الإنسان في تحديد سلوكه، حسب ارتباطه بالأرض التي ترعرع فـوق ترابهـا والمجتمع الذي ينتمي إليه، ليتميز عن غيره بالأخلاق والمواقف التي شهدها في حياته، وزرعت فيه حب الكرامة والحرية والعدالة وعلاقته مع المجتمع المحيط به، عبر تراكم تاريخي شكّل مع الزمن معالم هويته التي يتفاخر بها ويدافع عنها بكل قوته.

ولا شك أننا كيمنيين سبقنا الكثير من شعوب العالم في احترام الإنسان والعقل والأخلاق ورسخنا قيم الحرية والكرامة والمساواة وبنينا هويتنا اليمنية عن طريق تراكم للعادات والتقاليد المرتبطة بالنبل والشهامة والنجدة واحترام حقوق الفرد والجماعة، بل وعمل الفرد منذ القدم على حفظ وتنظيم الحقوق الأساسية كمقياس للكرامة الوطنية المبنية على أساس التعايش، ليتحقق مفهوم العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.

ولأن “الإيمان يمان والحكمة يمانية” كما روي عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله، فإن هوية هذا الشعب هي هوية إيمانية، مرتبطة بإيمانه ومبادئه وقيمه وأخلاقه وتشريعاته وتعليماته، والتي نبني عليها ثقافتنا وانتماءنا وأخلاقنا ومواقفنا وسيرتنا في هذه الحياة، بما يُمثّل عمود الهوية الإيمانية اليمنية والانتماء الحقيقي لها، وهذه هي أشرف وأسمى هوية.

هناك الكثير من الشعوب والأمم في مختلف بقاع الأرض تتمسك بهويتها المعتمدة على كثير من الخرافات والأباطيل وهو حاصل إلى حد اليوم، أما نحن اليمنيون فكما ذكر قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي في أحد خطاباته، أن هويتنا إيمانية ترتبط ارتباطاً مباشراً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبرسالته الخاتمة للرسالات السماوية رسالة الإسلام، فهي هوية مشرّفة وعظيمة ولها أهمية كبيرة في واقع الحياة وثمرة طيبة بقدر ارتباطنا بها، حتى تتحقق لنا نتائج مهمة في واقعنا التربوي والأخلاقي والعملي.

وخلال هذه المرحلة تبرز الحاجة الملحة للهوية الإيمانية وترسيخها في وجدان الشعب اليمني، في ظل ما يتعرض له من حرب ممنهجة تستهدف طمس هويته وتمزيق نسيجه المجتمعي.. فالبعض من الشباب على حافة السقوط بسبب تتبعه الثقافات الغربية الدخيلة والمنحطة التي تراها بعض الأسر عادية، مثل قصات الشعر ونوعية الملابس التي يرتدوها، لتصبح تلك الثقافة القبيحة سلوك يُتّبع ومنهج أساسي في حياتهم الشخصية حتى يسهل استقطابهم إلى حضن كهفهم المظلم تحت مسمى الحرية وتعليمهم كل أنواع العادات المتنافية مع قيم ديننا الإسلامي وبيئتنا المحافظة، وأصبحت تلك الأفكار الضالة وشعاراتها هي الوسيلة في الإصلاح والتحديث نحو التطور والمواكبة للعصر الحديث الذي يتماشى مع الغزو الفكري القادم من الدول الأوروبية والغرب وعلى رأسهم أمريكا واللوبي الصهيوني.

وفي تحدٍّ كبير للهوية الإيمانية الثقافية اليمنية تستميت الثقافة الدخيلة بقوة في الاستحواذ على عقول الكثير من الشباب كونهم الفئة المستهدفة، وللتأثير على الخصوصية الحضارية للأجيال القادمة، نتيجة لتأثير الإعلام الغربي والثورة التكنولوجية ودورها الكبير في انتشار تلك الثقافات من خلال ما تبثّه من سموم، كونها وسيلة جاهزة لترويج الكثير من الأفكار والممارسات الدخيلة على مجتمعنا اليمني، والمستوردة من خارج حدود الوطن والتي لا تُمثّل ثقافتنا اليمنية الأصيلة.

فمؤسساتها الاعلامية تعمل بفاعلية ونشاط دؤوب، للهيمنة على العالم الاسلامي ثقافيا، من خلال المواضيع والبرامج التي تبثها قنواتها المتعددة , وتترجمها وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ترويج الأفكار المسمومة التي تهدف إلى تغيير أنماط السلوك والعادات والقيم المجتمعية، والتي بدورها تهدم بنيان الأسرة الواحدة بما تجلبه من سلوكيات خاطئة تؤثر على العلاقات الأسرية والمجتمعية، بل وتعمل على تحجيم الثقافات الأصيلة الموروثة ووصفها بالثقافات القديمة والبالية التي لا تصلح لهذا العصر، لأنها لا تلبي متطلبات الشباب ولم تمنحهم الحرية الكاملة في أن يمارسوا جميع ما يحلمون به – حسب زعمهم- ، لتصبح فئة واسعة من أفراد المجتمع -خصوصا الشباب- تعيش في عالم افتراضي بين جنبات الأفلام والدعايات والرسائل والألعاب التي تبث سمومها وترسخ قيمها في عقولهم.

لذلك فإن خطورة هذه الأجهزة المفتوحة على ثقافات العالم أعمق وأكبر مما نظن، فالحروب أصبحت تُدار اليوم بهذه الوسائل دون الحاجة للأسلحة الفتاكة.. فعدة أشخاص يعملون على إدارة تلك الأنظمة الإلكترونية كفيلة بأن تحرّك الشعوب وتغيّر الأفكار وتشعل الحروب.

كما يلعب التمويل الذي تمنحه الدول الغربية للقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، دور كبير في تسويق الثقافات الدخيلة على المجتمعات المحافظة التي تربّى عليها الأبناء والآباء، ويعزفون خصوصا على وتر المال لتشكيل الدافع والحافز لنشر تلك الأفكار والثقافات.

ولا حلّ للمجتمع ولشبابه بشكلٍ خاص سوى العودة إلى هويتهم الإيمانية وثقافتهم اليمنية الأصيلة والتي تشكّل حاجزاً منيعاً أمام كل التحديات التي تواجههم لطمس الهوية السمحاء.

*سبأ: مركز البحوث والمعلومات