التحركات الأمريكية في المنطقة.. خطط إستراتيجية للسيطرة على الأمــة
التحركات الأمريكية في المنطقة.. خطط إستراتيجية للسيطرة على الأمــة
الصمود../
تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية منذ زمن بعيد في الساحة الدولية والإقليمية؛ بهدف الهيمنة والانفراد بقيادة العالم، مستخدمةً الكثير من الوسائل والأدوات لإخضاع الدول أو الحكومات المعارضة لها.
وأمام هذا التوغل، تحرك الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي؛ للتحذير من المشروع الأمريكي في المنطقة، وخطورة السكوت عليه، داعياً الجميعَ للنهوض، والصرخةِ في وجه المستكبرين، مستشرفاً المستقبل في حال خضعت الدول والحكومات لواشنطن، حَيثُ استطاع الشهيدُ القائدُ أن يقرأَ طبيعةَ التحَرّكات الأمريكية في الدول العربية والإسلامية، وإحكام قبضتها على الأنظمة الحاكمة فيها، وابتكار الذرائع “الإرهاب” وتنظيم ما يسمى “بالقاعدة”؛ لاحتلال تلك الدول والهيمنة عليها.
ولأن الجَمِيعَ فضل الخنوع والصمت لأمريكا؛ فقد حورب المشروع القرآني، واستعانت واشنطن بأدواتها العميلة في صنعاء، فاستشهد القائدُ في مظلومية شبيهة بكربلاء، غير أن احتفالَ الاستكبار بإطفاء وهج هذا المشروع، لم يستمر طويلاً، حين تولى القيادةُ السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –حفظه الله- والذي سار على درب أخيه الشهيد حسين بدر الدين، رافعاً من شأن هذا المشروع، ومحطِّماً كُـلَّ القيود التي تحاولُ تكبيلَه.
يقول قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي – سلام الله عليه-: “إن الهجمةَ الأمريكيةَ التي اتَّجهت بشكلٍ غيرِ مسبوق ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت لها أهدافٌ تمثِّل خطورةً بالغةً على الشعوب الإسلامية، والكثير من أبناء أمتنا غافلٌ عن حقيقة هذه الأهداف، وكان يصدّقُ العناوينُ والتبريراتُ الأمريكية التي تتحَرّك من خلالها أمريكا و”إسرائيل” في الساحة؛ فيرى في تلك الأحداث أحداثاً عابرةً وجزئيةً ومحدودةً ولأهداف محدودة”.
ويواصل: “مثلاً، عندما كان العنوان الهجوم على أفغانستان، البعض كان يرى أن المسألة لا تتجاوز هذا العنوان، ثم حينما أتى عنوان الهجوم على العراق، البعض -كذلك- رأى أن المسألةَ لا تتعدَّى العراق.
بينما الأهدافُ الحقيقيةُ التي صُنِعت من خلالها أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي استهدافُ أمتنا بشكلٍ كامل، والسيطرةُ التامة على منطقتنا الإسلامية، وفي المقدمة منها المنطقة العربية بشكلٍ تام، والسيطرةُ على أبناء الأُمَّــة بشكلٍ كاملٍ أَيْـضاً، والاستراتيجية التي اعتمدت عليها أمريكا وَإسرائيل في هذه الهجمة هي: الهجمةُ التي يترافقُ معها تكبيلٌ لهذه الأُمَّــة عن أي تحَرّك مضاد، والهدفُ أن تتم عمليةُ السيطرة على الأُمَّــة، وعلى أرضها، وعلى مقدراتها، وعلى بشرها وحجرها وشجرها وكل مقدراتها بأقل كلفة، ومن دون تبعات كبيرة، ومن دون كلفة كبيرة”.
مؤامرة سبتمبر:
الكثيرُ من التقارير والدراسات تؤكّـد أن المساعيَ الأمريكية للسيطرة على الدول العربية والإسلامية برزت منذ ما قبل حادث 11 سبتمبر 2001م، الذي نفّذته القوى الصهيونية الصليبية بتخطيطٍ دقيقٍ جعل العالَمَ كُلَّه تُغمى عليه حقيقةُ حادث تفجيرات سبتمبر، والذي استغلته أمريكا حسبَ المخطّط، محتسبةً للمخاوف الوهمية التي تظاهرت بها بأنها محدقةٌ بأخطار حقيقية؛ مِن أجلِها، وإثرَ ذلك ضَعُفَت قدراتُها العسكرية أكثرَ من ذي قبل بدرجات كثيرة، حتى فاقت ميزانيتُها العسكرية الميزانيةَ العسكريةَ لدى جميع القوى الكبرى بخمس مرات، وتذرعت لذلك بأنها تحاوِلُ بسطَ الأمن والاستقرار والديمُقراطية في العالم، على حين أنها كما يؤكّـدُ الواقعُ ظلت ضالعةً بنحو مباشر في معظم الحروب الكبيرة التي شهدها العالم حتى اليوم.
لقد توغل اللوبي الصهيوني في المؤسّسات الأمريكية، وسيطر على قراراتِ الإدارة الأمريكية الموصولةِ بشن الحروب والمؤامرات على الشعوب الإسلامية وعلى العالم، هو من نسجِ مؤامرة تفجيرات 11/9 وحاولت تحميلَ مسؤوليتِها، بعد تنفيذها، الدولَ العربيةَ النفطيةَ منها السعوديّة، وناقش ذلك في البرلمان الأمريكي للحصولِ على موافقة المشروع الاستعماري للدول العربية والتحكم في ثرواتها، مؤكّـدةً أن التفجيراتِ منفَّذَةٌ عن الروح الاستعمارية الماكرة، حَيثُ استهدفت فرضَ استعمار شامل على البلاد العربية بنطاق أوسع وقوةٍ أكثرَ ونشاطٍ أدهى، شمل العملياتِ العسكريةَ الهائلة المتواصلة، وإبادة الإنسان العربي والإسلامي الجماعية، وتدمير البنية التحتية في البلاد العربية والإسلاميّة، واستنزاف خيراتها وثرواتها، وتحويلها إلى مفلسة تضطرُّ أن تعيشَ تبعيةً اقتصاديةً تستتبعُ تبعيّةً سياسية واجتماعية وثقافية لا مَحَالَةَ.
وفعلاً، فقد استولت على منابع النفط في عدد من البلاد العربية بما فيها العراق وليبيا وَمهّدت الطريقَ لدمار كُـلٍّ من سوريا واليمن، وتذرّعت بتلك التفجيرات إلى وصف جميع المسلمين المتديِّنين في العالم بالإرهاب، وأوجدت منظمات متشدّدة ونسبتها إلى المسلمين لإيجاد مبرّرات للإبادة الجماعية للإنسان العربي والمسلم، وزرعت البلادَ العربيّةَ والإسلاميّةَ بالقلاقل والاضطرابات، وأثارت فيها الحربَ الأهلية التي لا تكادُ تنتهي بأية حِيلةٍ حكيمةٍ.
ومنذ ذلك الحين، وبازدواجيةِ معاييرَ، وعقليةِ الحرب الباردة، ومن ثَمَّ المباشرة، شنت الولايات المتحدة الحربَ على ما يُسمَّى بـ “الإرهاب”، في جميع أنحاء العالم العربي تحت ذريعتَي “الأمن الوطني” و”الدفاع عن الحرية”، وقسمت الدول العربية والإسلامية إلى معسكرات مختلفة، بل وأنشأت حكوماتٍ وأنظمةً موالية لها، تحت ستار مكافحة الإرهاب؛ ولهذا أصبحت عملياتُ ما يسمى “بمكافحة الإرهاب” التي تقودُها الولاياتُ المتحدةُ محورَ الأمن الوطني والسياسة الخارجية لأمريكا، وأدَاةً للحفاظ على هيمنتها وتعزيز ما يسمى بالديمقراطية والقيم الأمريكية في الخارج؛ ما أَدَّى إلى إلحاق الأذى بالعديد من المدنيين، وتفاقم قضية اللاجئين، وإغراق المناطق المتضررة في حالة من الفوضى، وزيادة التهديدات الأمنية.
وبصرف النظر عما يسمى بعمليات “مكافحة الإرهاب”؛ فقد انتهكت الولايات المتحدة بشكل صارخ حقوق الإنسان والحريات في الدول الأُخرى، كما يتضح من الفضائح المروَّعة للانتهاكات التي ارتكبها الجيشُ الأمريكي ضد السجناء في أفغانستان والعراق.
أنظمة مكشوفة:
وإذا ما ألقينا نظرةً على وضع الدول العربية والإسلامية، نجد أن أمريكا الاستعمارية ذات المطامع التوسعية تتحكم في أنظمة تلك الدول عسكريًّا واستراتيجياً وسياسيًّا واقتصاديًّا، وفي كُـلّ شؤونها؛ ولهذا فَـإنَّ تلك الأنظمة لا تقدر على اتِّخاذ أي قرار؛ لأَنَّ أمريكا هي الحاكم، وتقوم باستنزاف خيرات الدول، هو أحد الأهداف الرئيسة لدى أمريكا الاستعمارية التي تود أن تصبِحَ الشعوبُ العربية والإسلامية وأنظمتها، خاضعةً لها، تعيشُ تبعيةً ذليلةً لها.
ولهذا جعلت أمريكا الأنظمة العربية العميلة مكشوفة وفاقدة للغطاء السياسي والعسكري الذي يوفر لها الحماية، ومعرضـــة للضغط الدولي الأمريكي الغربي؛ لإحداث تبدلات جوهرية في سياساتها ونمط حياتها وثقافتها، وجعل النموذج الغربي الأمريكي في الحياة السياسية هو الذي يحظى بالقبول؛ فهذا (كولن باول)، وزير الخارجية الأمريكي سابقًا، يقول في محاضرة ألقاها في مركز التراث بواشنطن في ديسمبر 2002: “إن دول الشرق الأوسط قدمت على مدى التاريخ مساهمات لا تقدَّر بثمن للعلوم والفنون، لكن اليوم توجدُ شعوبٌ كثيرةٌ هناك تفتقرُ إلى الحرية السياسية، التي تحتاجُ إليها؛ لكي تزدهر في القرن الحادي والعشرين”.
يأتي ذلك في الوقت الذي كان يروِّجُ فيه دعاةُ اليمين الأمريكي داخل بلادهم إلى فكرٍ سياسي يصوِّرُ العالَمَ العربي والإسلامي بأنه عالمٌ تسودُه أيديولوجية دينية قائمة على الإرهاب والكراهية والتعصب، وتغذيها وتحميها أنظمة طغيانية تسعى لحيازة أسلحة الدمار الشامل، وتوظف طغيانها لاضطهاد وتهديد السلام وقتل الحريات.
هذه الاستراتيجيةُ الجـــديدةُ تجعلُ أيَّ نظام سيـــاسي يتبنى سياسة المواجهة مع الولايات المتحدة، يتعرض إلى أخطار كبيرة، تصلُ إلى حَــدِّ العمل العسكري المباشر، دون أن يعوّل على قانون دولي، أَو أمم متحدة لحمايته؛ لأَنَّ واشنطن ستتجاوز أي رادع قانوني دولي، كما حصل في حرب العراق.
ومن ضمن الاستراتيجية الجديدة ما أكّـده الكاتبُ الغربي، ريتشارد فالك، في كتابه “اختَرْ وقاوِمْ إثر تفجر الثورة العربية”، الذي خرج من دراسته وتحليله للواقع بنتائجَ تختصرُ في أن الاستراتيجيةَ السياسية الهامة للغاية لدى أمريكا في الدول العربية والإسلامية، تتمثل في إنشاء، أَو تشكيل الأنظمة والحكومات الموالية لها؛ فإذا شعرت بأنها لم تعد مُوْليةً وجهَها شطرَ الغرب، أَو لم تعد قادرةً على التحكم في مقاليد أمور الدولة حسب ما تهوى؛ فَـإنَّ أمريكا لا تألو في استهدافها؛ حتى تنصِّبُ مكانَها قيادةً أُخرى أصدقَ ولاءً لها منها.
استراتيجية الهيمنة:
وعن التدخُّـلِ الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية، تقولُ تحقيقاتٌ دوليةٌ: إن واشنطن لديها تاريخٌ طويلٌ من التدخل، حَيثُ تم تسجيل العديد من تلك التدخلات بشكل لا مجال للشك فيه، من خلال السجلات الرسمية للدول المختلفة، حَيثُ تتعدد وسائل التدخل الأمريكي بين العمليات السرية والعمليات العسكرية، التي كانت تنفذها المخابرات الأمريكية عبر الأنظمة العميلة، وهذا ما حدث في العراق واليمن وسوريا.
وتؤكّـد أن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، سخّرت تفوُّقَها المطلَقَ في قطاعات العسكرية والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة؛ للتدخل كَثيراً في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية، وتنمَّرت عليها، ونهبتها، وسيطرت عليها تحت شعار “الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”، خُصُوصاً بعد الاكتشافات الكبيرة للنفط في الوطن العربي، من خلال العلاقات الدولية، والتأثير الحضاري والسياسي على الشعوب، موضحة أن اهتمامَ السياسة الأمريكية بالوطن العربي، بدأ منذ تلك الفترة على كيفية السيطرة على ثروة العرب النفطية، وعلى كيفية التحكُّم في موقعهم الاستراتيجي، وفي كيفية توظيف قدراتهم السياسية، وموروثهم الحضاري؛ خدمةً لمشروعها الاستعماري العالمي.
وفي حقبة ما بعد الحرب، اتبعت الإداراتُ الأمريكية المتعاقبةُ استراتيجياتِ الهيمنة، وانطلاقاً من مبدأ ترومان، المعروف أَيْـضاً باسم “سياسة الاحتواء”، ووُصُـولاً إلى السياسات الخارجية للإدارات الأمريكية الحديثة، بما في ذلك استراتيجية باراك أوباما المعروفة باسم “القوة الذكية”، وسياسة “أمريكا أوَّلًا” التي أعلنها دونالد ترامب، وخطة “إعادة البناء بشكل أفضل” التي وضعها جو بايدن، فَـإنَّ الهدفَ دائماً هو تأمينُ الهيمنة الأمريكية.
ووفقَ استراتيجية الهيمنة؛ عملت الولايات المتحدة على تأجيج التوترات في جميع أنحاء العالم، من خلال شن الحروب وإثارة المواجهات، وإشعال الحروب والاضطرابات في العديد من البلدان والمناطق.
ومن خلال اعتناق ما يسمى بـ”الاستثنائية الأمريكية”، أفرطت البلاد في استخدام معاييرَ مزدوجة، مع عدم مراعاة القوانين والقواعد الدولية، حَيثُ أعاقت بشدةٍ التعاوُنَ الدولي، من خلال الاستفادة من المنظمات والاتّفاقيات الدولية لملاءمة احتياجاتها، مع التخلي عما يتعارَضُ مع مصالحها؛ فمن خلال التلاعُبِ بالنظام المالي الدولي، استحوذت الولاياتُ المتحدة على ثروةٍ هائلةٍ، بينما كانت تغُضُّ الطرف عن الجشع والمضاربة؛ ما أَدَّى إلى اندلاع الأزمة المالية العالمية، وفرضت الولاياتُ المتحدة بشكل صارخ سلطةً قضائية طويلة الذراع؛ لتُشعِلَ نزاعاتٍ تجاريةً مع العديد من الدول الأُخرى، ولم تتوقف عند أي شيء لقمع أُولئك الذين تعتبرهم خصومًا، وحاولت التلاعب بالرأي العام العالمي في الوقت الذي حاولت فيه تصدير قيمها لدول أُخرى وشن غزوات ثقافية فيها.
ومن خلال تلك الهيمنة، أصبحت أمريكا أكبرَ مخرِّبٍ للقواعد الدولية والنظام الدولي، ومصدَرَ تزايد عدم اليقين وعدم الاستقرار في العالم.. لقد قوّضت الهيمنةُ وسياسةُ القوة اللتان تنتهجُهما واشنطن، النظامَ العالمي، وهدّدتا السلامَ البشري، وتسبَّبتا في عواقبَ وخيمةٍ على العالم؛ وبالتالي أصبحت تلك الهيمنة والسياسة التحدي الأكبر لتقدم المجتمع البشري والحضارة، وكذلك التنمية السلمية.
وتكمُنُ هيمنةُ الولايات المتحدة، وراءَ المجموعة الرباعية وتحالف العيون الخمس الاستخباراتي ومجموعة الـ7، وجميع التكتلات المماثلة الأُخرى، التي لا يمكن أن تمثل المجتمع الدولي بأَيِّ حال من الأحوال.
ولهذا شكلت انطلاقةُ الشهيد القائد لمواجهة مشروع الهيمنة الأمريكية على العالم فارقاً قوياً في الوقت الذي أذلت فيه أمريكا جميعَ الزعماء والحكام في المنطقة؛ فلم يتجرَّأْ أحدٌ منهم على الوقوف في وجه غطرسة أمريكا ومشاريعها الاستعمارية، والتزموا الطاعة العمياء لأمريكا، لا سِـيَّـما بعد ما أن خرج الرئيس الأمريكي الأسبق بوش، وألقى خطاباً عقب مسرحية تفجير برجَي التجارة العالمية في عام 2001م، قال فيه للعالم: “من لم يكن معنا فهو ضدَّنا”، وحينها خرج الشهيدُ القائدُ شجاعاً وقال ما معناه: “أنا ضد أمريكا”.
سياسة عدائية:
وبخصوص استراتيجية اللوبي الصهيوني الذي حرّك القرارَ الأمريكي في الحروب المدمّـرة التي شهدتها أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وغيرها من شعوب العربية والإسلامية، عبر استخدامِ الأنظمة العميلة، أَو المباشرة، وضخ الأموال؛ بغرض العداء الشامل للشعوب والسيطرة المطلقة على ثرواتها ومقدراتها.
ويقول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي: “عندما نعود إلى الحقيقة التي هي واضحة، مهما تنكر لها عملاء أمريكا وإسرائيل، أَو تجاهلها ناقصو الوعي من أبناء هذه الأُمَّــة، الحقيقة الواضحة البينة أن أُولئك هم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، وأنهم يسعَون للسيطرة على أمتنا من خلفيةٍ عدائيةٍ، وبسياسةٍ عدائية، وبممارساتٍ عدائية، ولأهدافٍ عدائية، وعداؤهم لأمتنا، وعداؤهم لنا كمسلمين، هو معتقدٌ دينيٌّ يؤمنون به، وهو أَيْـضاً ثقافةٌ معتمدةٌ لديهم، ورؤيةٌ فكريةٌ راسخةٌ عندهم، وهو أَيْـضاً استراتيجيةٌ أَسَاسيةٌ يبنون عليها مخطّطاتِهم، ويبنون عليها برامجَهم العملية التي يتحَرّكون على ضوئها في واقع أمتنا”.
وأكـد قائد الثورة، أن ذلك العداءَ بكل أشكاله وصوره معتقدٌ دينيٌّ لديهم؛ فالمحرك الأَسَاسي للاستهداف لأمتنا هو اللوبي الصهيوني اليهودي في العالم، والكيان الإسرائيلي الذي اغتصب فلسطين واغتصب أجزاءً أُخرى من بلدان أمتنا وبلداننا العربية، هو ذراعٌ من أذرعة اللوبي اليهودي الصهيوني الذي يحرك أمريكا، وبريطانيا، وهو الذي يتحَرّك بالغرب لدعم التوجّـهات والمواقف والأهداف التي يعتمدها، وهو من قبل أن يتجهَ إلى أمتنا الإسلامية بهذا المستوى من التحَرّك، وبهذه الإمْكَانات، وبهذه القدرات؛ تمكّن من الاختراق الكبير للنصارى وللعالم الغربي، ووصل إلى مستوى التحكم في السياسات الغربية والتوجّـهات الغربية إلى حَــدّ كبير، وصنع قناعات دينية لدى المجتمع الغربي.
أداة إجرامية:
وبالنسبة للمشهد العام في الهيمنة الأمريكية واحتلالها لدول عربية ولإسلامية، وبين رفض هذه الهيمنة، فَـإنَّ المتأمل في عمليات ما يسمى “بتنظيم القاعدة وداعش” الإجراميين، ومساحاتها يرى بوضوحٍ أنها تتخذُ من الدول الإسلامية مسرحاً رئيساً لهذه العمليات؛ ولهذا لقد تعرَّت القاعدة وبقية الجماعات التكفيرية وكشفت عن حقيقتها كأدَاة إجرامية من أدوات أمريكا وإسرائيل في تدمير الدول الإسلامية الرافضة للهيمنة الأمريكية، وقد رأينا ذلك في سوريا وكيف أسندت “إسرائيلُ” لوجستياً وعسكريًّا هذه الجماعات الإجرامية.. لقد مثّلت هذه الجماعات الدورَ الموكَلَ لها بكل جدارة، وأصبح تواجُدُها في أي مكان مبرِّراً للوجود العسكري الأمريكي؛ فما دامت هذه العناصر موجودةً في أي مكان في الأراضي العربية ادَّعت واشنطن أنها هي التي تتصدي لها.
حدث ذلك وما زال يحدُثُ في اليمن، عندما أصرت واشنطن على وجود القاعدة؛ مما يبرّر -كما ترى أمريكا- قيامَ واشنطن دون إذن اليمن، أَو التشاور معها، بضرب أهدافها، لكنها اليوم باتت تحتاجُ لهذه العناصر؛ لتقوم بأدوارٍ أُخرى، هي الحربُ إلى جانب المرتزِقة الأمريكيين والجيوش المستأجرة التي تزُجُّ بهم في العدوان على اليمن، ولم تعد أمريكا تتحرج من كونها وراءَ إنشاء هذه الجماعات وتمويلها وتحريكها من دولةٍ عربية أَو إسلامية إلى أُخرى، بكل سلاسة، إلا أن الطريقَ إلى فلسطين غيرُ معروف لهذه الجماعات الإجرامية؛ لأَنَّ دورَها ليس في “إسرائيل”، بل في سوريا العراق واليمن، وأينما وجدت أمريكا نشاطاً معارضاً لها في أية دولة أرسلت هذه الجماعاتِ؛ لتقومَ بالمهمة المطلوبة في التصدي لمن يناهضُها.
استثمار الأزمات:
وفيما يخُصُّ عمليةَ الاستثمار الأمريكي للأزمات التي تصنعُها في الدول العربية والإسلامية، يقولُ الخبراءُ: إن أمريكا تصنعُ الأزماتِ السياسيةَ في الدول العربية، وتجعلُ منها سوقًا مركزيةً لبيع أسلحتها؛ لأَنَّها تدرك أن من يتحكم في تجارة السلاح على مستوى العالم، يمكنه أن يحصلَ أموالاً طائلة، ويؤثرَ في صناعة القرار الدولي؛ ولذلك فَـإنَّ “واشنطن” منذ عقودٍ طويلةٍ من الزمن تحرصُ على أن تعملَ بسلسلة متوالية لجلب المال وتحقيق قوة القرار الدولي، وهذا يعتمدُ على مجموعة من الحلقات المترابطة بعضُها في البعض الآخر، يبدأ بإنتاجِ السلاح الفتَّاك والمدمّـر، وينتقلُ بعدَها للدول العربية والإسلامية، وهذا يعتمدُ على ضرورةِ خلقِ نزاعات، وصناعةِ الأزمات، بين دولٍ أَو جماعات، وفي الكثير من الأحيان تقومُ بصناعة التنظيمات القاعدة وداعش؛ فمن خلال صناعة النزاعات بين القبائل والشعوب، تحقّق الإدارة الأمريكية التالي: إيجادَ أسواق جديدة لتسويق منتجات أسلحتها المدمّـرة، والسيطرةَ على ثروات الشعوب وخيراتها؛ فبينما تكون تلك الشعوب مشغولةً بالتناحر فيما بينها، تكون الشركات الأمريكية وجدت طريقَها إلى خيرات تلك الشعوب.
ويؤكّـد الخبراء أن إبقاءَ الشعوب العربية متناحرةً وبعيدةً عن الوحدة، سياسةٌ أمريكيةٌ تمكِّنُ واشنطن من السيطرة على الثروات النفطية، وهذا ما يحدُثُ في الوطن العربي منذ عقود طويلة، حَيثُ سيطرت عليه الحروبُ العسكرية والسياسية والشقاق والتناحر؛ ما أَدَّى إلى نهب الثروات وغيرها من الموارد.
وحول السيطرة على الثروات النفطية، يؤكّـد مختصون أن أمريكا تدركُ أن السيطرةَ على النفط بمشتقاته المختلفة، لا تتم إلَّا باستمرار الحروب والنزاعات والتوتر السياسي بين الدول والشعوب؛ ولهذا تقفُ الإدارةُ الأمريكيةُ وراء الكثير منها؛ لإدراكها بأن من يتحكم في كميات النفط عنده فذاك يؤدي طبيعةً للتحكم بالتطور والتنمية الصناعية على مستوى العالم، بالإضافة إلى السيطرة على الإنتاج الزراعي، وهي الوسيلةُ الثانيةُ الأهمُّ في السيطرة على الموارد التي تغطّي من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية مناطقَ واسعة في العالم، بل وتحتكر إنتاجَه وتسويقَه، وإن كان بقوة السلاح؛ فهي تُدرِكُ أن من يتحكَّم بالقمح كذلك يتحكم بالجوع والموت.
إن معنى السيطرة على القمح يعني باختصار بأن الجائعَ لن يبحثَ عن عمل سياسي وحفاظ على مقدرات البلد من سارقيها، وإنما سيكون جُلُّ اهتمامه للبحث عن رغيف خُبز يسُدُّ به رمقَ أطفاله، وهكذا تفعل الإدارة الأمريكية؛ فهي تُنفق من القمح بالقدر الذي تحرِفُ أنظارَ الشعوب عن كُـلّ شيء باستثناء الخبز، وبالتوازي مع ذلك فَـإنَّ باقي موارد تلك الشعوب تجد طريقها إلى المخازن الأمريكية في مقابل القليل من الطحين الذي لا يسدُّ إلا القليل من الجوع.
وللتعرف على كيفيةِ تعامُلِ الإدارة الأمريكية مع دول العالم، يكفي الاطلاعُ على مقتطَفٍ من دراسة دولية ذكرت أنه “في أمريكا 1 في المِئة من الشعب يملك 40 % من الثروة القومية، وفي العالم 75 % من الثروات الطبيعية موجودةٌ في العالم الثالث، ولكن يُسيطر عليها وتستهلكها 25 % من شعوب العالم”، وفي مقدمتها طبعاً الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن الأهمَّ أن تلك السيطرةَ تتم بقوةِ السلاح والإعلامِ والتجويع.
*المسيرة| عباس القاعدي