صمود وانتصار

ثمانية أعوام من الصمود السياسي والعسكري اليمني.. تجليات لا تنتهي

الصمود|| تقارير||

ونحن نُحيي الذكرى الثامنة لصمودنا الوطنيّ في السادس والعشرين من مارس عامنا الحالي 2023م، نستطيع أن نقرأ اختلاف المشهد اليمني عما كان عليه في ذات التاريخ من العام 2015م، إذ ما كان ضرباً من الخيال في الساعات الأولى من العدوان على اليمن أصبح حقيقة يقرّ بها العدوّ قبل الحليف والصديق.

ثمانية أعوام من العدوان على اليمن لم تكن قادرة على تغيير الوضع السياسي والعسكري في صنعاء، بل أن المشهد لدى دول العدوان وأدواته المحلية يحكي لنا ضعف وتوهان فاقا الوصف، ولغة الأرقام بكل تفاصيلها تكشف أن وصف الخسارة والهزيمة التي يعيشها العدو ليست سوى غيض من فيض الحقيقة والواقع، لكن المراوغة المفضوحة التي تجيدها ما تُسمّى بدول “التحالف” ومن ورائهم داعميهم من حلف ” الصهيونية الأمريكية” خلال المرحلة الأخيرة ,سعت إلى التغطية على خسارتهم الكبيرة في اليمن.

هذا الواقع بكل تفاصيله وإن بدا واضحا اليوم ونحن على مشارف العام التاسع، إلا أنه لم يكن كذلك مع بداية العدوان ، وفي تفاصيل المشهد اليمني اليوم، هناك العديد من التجليات التي لن يكتمل فهمها وإدراكها دون العودة إلى المشهد في السابق.

تشتت الأعداء:


لم يعد خافياً على أحد حجم الخلافات ما بين حلفاء الأمس المملكة السعودية والإمارات، فيما يخص حاضر ومستقبل اليمن إلى جانب عدد من الملفات الإقليمية الأخرى، وحسب العديد من القراءات والتحليلات المطلعة فإن الخلاف الأبرز يتمحور حول اليمن، وفي هذا السياق تشير صحيفة “وول ستريت جورنال”، في قراءة لها “أن أبو ظبي تخشى تهميشها من المناقشات حول مستقبل هذا البلد في الوقت الذي تواصل السعودية محادثات المباشرة مع الحوثيين بشأن إنهاء الحرب”.

وحسب الصحيفة فإن السعودية وعلى لسان مسؤوليها “اعتبروا أن الإماراتيين يعملون ضد أهداف الرياض الرئيسية المتمثلة في تأمين حدود المملكة مع اليمن ووقف هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ التي يشنها الحوثيون”، هذه التصريحات في الواقع ليست سوى غيض من فيض الصراع القائم ما بين الطرفين، وهو واقع يخالف ما كان عليه الوضع في ما مضى وتحديداً عند إعلان السفير السعودي السابق في واشنطن “عادل الجبير” شن بلاده عملية عسكرية واسعة ضمن تحالف موسع من الدول (وفي المقدمة دولة الإمارات) تحت مبرر الدفاع عن ما يسمى بـ”الشرعية”.

في ذلك الوقت اعتقد الكثير “وبتأثير من الهالة الإعلامية التابعة لدول التحالف “أن طريق السعودية والإمارات سالك نحو حسم “الحرب” عسكرياً خلال أسابيع أو أشهر على أبعد تقدير، لا سيما بعد التقارير عن تدمير أغلب الأهداف العسكرية الرئيسية التابعة للسلطات في صنعاء جراء الغارات المكثفة خلال الأيام الأولى للعدوان.

لكن مجريات “الحرب” خالفت أغلب التوقعات، بما فيها أن “الحرب” لن تطول سوى بضعة أشهر، فالمعارك على الأرض كانت تشير إلى أن ما يسمى بالتحالف “السعودي الإماراتي” ورعاتهم من ” الصهيونية الأمريكية” لم يستطع تحقيق نتيجة عسكرية ملموسة، بل أن مجريات المعركة تذهب إلى تقدم قوات صنعاء عسكرياً في عدد من الجبهات الداخلية وعلى الحدود الشمالية مع السعودية.

الفشل العسكري للحلفاء ذهب بكل طرف في البحث عما يعوض ذلك الإخفاق، من خلال السعي نحو تحقيق أهدافه الخاصة، وإن كان ذلك على حساب الطرف الآخر، وما حالة الاشتباك فيما يسمى “مجلس القيادة الرئاسي” إلا برهان كاشف على حجم الصراع ما بين الرياض وأبو ظبي، وتعاظم الصراع ما بينهما مع الواقع الجديد الذي بدأ يتشكل في اليمن، والبعيد كل البعد عما كان يراد تنفيذه في بداية العدوان.

الصمود اليمني وقلب المعادلة:

لن يكون مبالغاً القول أن أحداث اليمن بحربها وسلامها انعكست بصورة مباشرة على مسار الحكم داخل المملكة السعودية، ويتضح ذلك التأثير عندما نشاهد أن النظام في المملكة وبعد ثمانية أعوام من عدوانه الظالم على اليمن يبحث عن حفظ ماء الوجه من خلال التسويق للسلام وأن السعودية تسعى إلى تحقيق الاستقرار في اليمن.

وقبل الحديث عن تفاصيل المشهد اليوم لا بد من العودة إلى الوراء والتذكير بما كان عليه الوضع في مارس 2015، حيث كانت التصريحات عن تحقيق الإنجازات العسكرية المبهرة في “حرب” اليمن هي المفضلة لدى محمد بن سلمان، اعتقادا منه أنها تعزز فرص بقائه في ولاية العهد وممهدة لوصوله للعرش، واعتبرت تلك التصريحات بمثابة رسائل للداخل أكثر منها للخارج، خاصة مع تصاعد حدة الصراع بين أصحاب النفود داخل الأسرة الحاكمة.

يضاف إلى ما سبق، أن إعلان العدوان من العاصمة الأمريكية واشنطن والتدخل المباشر من قبل التحالف السعودي الإماراتي، على السلطة في العاصمة اليمنية صنعاء سبقته جملة من المتغيرات المفصلية، في مقدمتها: سقوط السلطة الحاكمة في اليمن لصالح طرف يمني ليس من ضمن حلفاء وعملاء الرياض، هذا المتغير تحديدا وضع الرياض أمام صدمة استراتيجية “غير مسبوقة” في تاريخ علاقتها مع اليمن.

لم تكد الرياض تفيق من هول الصدمة الأولى، إلا وأتبعتها حكومة صنعاء بإعلان صريح “أن المستقبل في إدارة شؤون الدولة على المستويين الداخلي والخارجي سوف يخالف ما كان عليه الوضع في المراحل السابقة، لا سيما في مسار العلاقات الخارجية مع دول الجوار والعالم”.

في هذا السياق، يرى العديد من المراقبين للشأن الداخلي السعودي، أن الفشل العسكري والسياسي من قبل السعودية وحلفائها في كسر إرادة اليمنيين ساهم إلى حدٍّ كبير في تزايد حدة الصراع داخل أسرة “آل سعود”، وما زاد الطين بلة اتساع نطاق الإدانات والانتقادات الدولية للمملكة عن دورها في العدوان على اليمن، بل واتهام محمد بن سلمان بالمسؤولية المباشرة في الكارثة الانسانية التي يعيشها البلد المنكوب، التي دمرت وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين جراء القصف العشوائي فضلا عن سياسة الحصار الشاملة “بحريا وجويا وبريا” والبعيدة عن أبسط أخلاقيات “الحرب” الذي يدعيها “آل سعود”.

تزايدت الضغوط على المسؤول الأول في العدوان على اليمن ,ولم يكن لوريث العرش المحتمل أن يتجاوز تلك التداعيات في بُعدها الداخلي خاصة مع احتدام الصراع مع منافسيه المحتملين على الملك، ولم يتورع ابن سلمان بالبطش بمنافسيه، وهذا الأمر تحديدا ما يفسر حملة الاعتقالات الممنهجة تجاه معارضيه لإظهار نفسه بالشخص المسيطر.

العدوّ يقرّ بفشله وخسارته:

الصمود اليمني خلال السنوات الماضية دفع نظام الرياض للبحث عن الحلول الممكنة وتجاوز الضغوط المتزايدة، ولم يكن أمام بن سلمان مع حصاده المرّ سوى البحث عن مخرج من العدوان على اليمن، لا سيما بعد أن أبدى الشعب اليمني ثباتاً أسطورياً، بمعنى آخر، ما يتم التسويق له من خلال الدبلوماسية والإعلام السعوديين فيما يخص السلام يهدف في المقام الأول إلى تجاوز التداعيات الكارثية على المملكة جراء عدوانها الهمجي على اليمن منذ ثمان سنوات.

ما يجب أن يقال في هذا اليوم، أن تفاصيل الصمود اليمني ما كان له أن يتجلى بهذه الصورة المبهرة، وفي مختلف المجالات “السياسية والعسكرية والاقتصادية والزراعية”، إلا نتيجة مباشرة وتعبيراً صادقاً عن عدالة القضية اليمنية، ومن التجليات المُلفتة لذلك الصمود أن العدو الذي سعى إلى تدميرك ومحاولات إخضاعك في البدايات الأولى قد أقرّ بفشله وخسارته بعد تورطه في المستنقع اليمني.