صمود وانتصار

قيم الاعتبار ودروس الانتصار من غزوة بدر لأولي الأبصار

الصمود|| الأستاذ خالد موسى

 

التأييد الإلهي للحق في كل زمان:

 

كان انتصار الحق على الباطل في غزوة بدر آية وعبرة لذوي العقول والألباب انتصار الفئة القليلة على جيش الشرك الكبير الذي خرج بطراً ورئاء وتكبراً مغترااً بعدته و معجبا بعتاده وقوة سلاحه وإمكاناته لكن سنة الله وحكمة وتدبير ومكره فوق كل اعتبار وفوق كل قانون {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة : 249 – 251]

 

إن المعية الإلهية والعون منه تعالى هو العون الذي يقلب موازين القوى ويحدد معالم الصراع بين الحق والباطل فمهما تعاظمت قوى الكفر والطاغوت ومهما كبر مكرها وكثر حلفاؤها فمعية الله للمؤمنين هي المعية الفاصلة والمرجحة والغالبة وهذه المعاني كانت حاضرة لكل مدكر في غزوة بدر التي أنزل الله فيها آيات تتلى لتكون ذكرى خالدة ومحفوظة بخلود القرآن وحفظه مما يعني أن كل جيل وقرن وأمة ستستلهم دروس الانتصار وتأخذ معاني الاعتبار من هذه الغزوة  قال تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ * إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}.

 

إن إخبار الله تعالى عن غزوة بدر بأنها آية وأنه تعالى يؤيد بنصره بعض عباده المؤهلين والمستحقين للتأييد وأن فيما وقع من أحداث تلك الغزوة لهو عبرة لأولي الأبصار كفيل بأن يجعل كل مسلم يعيش السكينة والطمأنينة والثقة بصدق وعد الله لعباده المؤمنين وتأييده لهم ومعيته معهم ، فقوة الله هي القوة التي يركن عليها المؤمنون ويعتمدون عليها وهي القوة التي ترهب ويوقن المؤمنون بها  أن الغلبة لهم في ميدان المعركة وساحات المواجهة للفراعنة والطغاة والمفسدين في الأرض في كل زمان ومكان فهذا نبي الله هود يبين لقومه كيف يحصلون على القوة قال تعالى:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود : 52]

 

وأما قوم عاد فقد استكبروا وادعوا أنهم الأقوياء لكن الله أجابهم قائلا {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ}.

 

إن كل مستكبر سيذوق وبال أمره وسيجني عقوبة غروره وتطاوله وإفساد لأن سنن الله تعالى كما جرت على من مضى ستجري على يبقى إن تكبر وأجرم وتعدى وطغى وبغى ونسي الرب الأعلى الذي خلق فسوى.وسوف يشاهد الظالمون يوم الوقوف بين يدي الله تعالى من هو صاحب الملك والقوة والقهر:{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة : 165].وقال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر : 15 ، 16]

 

إن الثقة المطلقة بانتصار الحق وانهزام الباطل يجب أن تكون حاضرة في قلوب المؤمنين وراسخة في قاموس الموحدين وملموسة في حياتهم وتربية تنشأ عليها الأجيال المسلمة فراية الكفر ستسقط وحشودهم ستغلب وتخزى وتعاقب يوم الحساب العدل بجهنم .

 

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}

 

إن الشيطان يزين لأتباعه من الفراعنة والطغاة والمفسدين في الأرض المنكر والبطر والغرور والبطش والقتل ويحسنه في عقولهم ويحببه إلى نفوسهم ويجعل من القتل عملا مريحا وإنجازا تاريخيا ووساما يتفاخرون به وهكذا كان حال الكافرين في في غزوة بدر حيث أخبر الله عن الهيئة التي خرجوا بها لمحاربة الحق ومواجهة الرسول والرسالة قال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

 

فكان عاقبة بطرهم وغروهم الخزي والهزيمة والذل والهوان وهذه سنة الله في الخلق حتى لو كانوا من اهل الإسلام ولو كانوا من قوام الليل وصوام النهار فالعجب والغرور والخيلاء سبب للهزائم قال تعالى {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}.

 

 

 

إرادة الله ماضية في إحقاق الحق والتمكين للمستضعفين:

 

الله (فعّال لما تريد).. المتحكم في الكون والحياة والحاكم والمهيمن والفعال لما يريد هو الله رب العالمين وقد اقتضى أمره وبان تدبيره وأيقن المؤمنون بوقوع وعده الذي يخلف أو يتخلف  وهذا ما يجب أن يكون عليه اعتقاد كل مسلم أن يؤمن إيمانامطلقاأن الله تعالى فعال لما يريد ولا يجوز أن يعطى أحداً مثل هذه الصفة وهذا الاعتبار لا بلسان الحال أو المقال لأن بعض البشر ممن هجروا القرآن وابتعدوا عنه ونسوا الله تعالى وعبدوا الله على حرف يتعاملون مع بعض المتسلطين والطغاة لاسيما قوى الكفر والطاغوت كأمريكا يتعاملون معها ويثقفون أنفسهم وأجيالهم بأن مثل هذه الدولة لايمكن أن تهزم أو تذل وأن قوتها العسكرية والنووية وقدراتها التكنولوجية يمكن أن تتحكم في العالم وتسيطر عليها ولها أن تفعل ما تريد وتحتل من تريد وتهيمن على من تريد وهذا ما لايقبله مؤمن ولا يرضى به مسلم.

 

إن بعض المتأسلمين والمتدينين الذين كانوا يحملون الألقاب الدينية المقدسة ويرفعون الشعارات الإسلامية البراقة صاروا تحت أقدام أمريكا وخدامالمشروعها الصهيوني وأداة قذرة تحركهم من هنا إلى هناك وما كان هذا ليكون لولا وجود خلل في بناء الذات، ونقص في الوعي والتربية العقائدية والبنية الفكرية والتعاطي الوعود القرآنية والبشائر الربانية ببرود وضعف يقين ، إن يوم السابع عشر من شهر رمضان هو يوم الفرقان بين الإيمان والشرك والحق والباطل وبين إرادة الله التي مضت وهيمنت على كل مؤامرات ومائد أعداء الله الذين يصدون عن دين الله ويسعون لإطفاء نوره وإذلال عباده المؤمنين.

 

إن إرادة الله تعالى ماضية في إحقاق الحق وقطع دابر الكافرين مهما تأمر المتآمرون وكره المجرمون ، فهذا وعده الماضي على السابقين واللاحقين، والمؤمنون في شهر رمضان عندما يرتلون آيات القرآن ترتيلاً ويتدبرونها تدبراًا واعيا ومتأنيا يدركون كيف مضت هذه السنة؟ وكيف أنجز هذا الوعد الإلهي ؟وكيف أن الله أرى المجرمين والفراعنة وقوي الطاغوت ما يكرهون؟

 

فهذا موسى يعيش مع الله واثقابه مطمئناإلى صدق وعده ناصحالأعوان فرعون المفسدين.

 

{فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} وهذا سيدنا محمد يعده الله في أول غزوة بالنصر ويخبره بأنه أراد أن يحق الحق ويبطل الباطل {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}  [الأنفال : 7 ، 8]

 

 

 

العقول السطحية والنفوس الكارهة:

 

ما أكثر النفوس التي تميل للراحة وتعشق الدعة وتخلد إلى رغد العيش وتكره تحمل المسؤولية وتنفر من الوقوف في صف الحق وتتنصل وتختلق الأعذار عندما تحين ساعة المواجهة لقوى الطاغوت، لقد بلينا في هذا العصر بشريحة واسعة من المسلمين لا يحبذون الخروج لإعلاء راية الإسلام لاعتبارات نفسيه ولغرور في الذات وإذا خرجوا فعلى كره وتراهم يمارسون جدلاً رغم وضوح الحق والباطل.

 

ففي يمن الإيمان والحكمة يرتكب المجرمون البغاة أبشع وأقبح وأفضع الجرائم المروعة، وأقدموا على ارتكاب جرائم تتصدع لفضاعتها وهولها الجبال الرواسي بل  يهتز لها عرش الرحمن فلما تحرك أبناء اليمن لمواجهة هذا الخطر ودرء هذا الإجرام وقطع دابر الفتنة ، جادل المجادلون وكره آخرون رغم ترسخ القناعة المطلقة بأن القتلة المجرمين شر يجب أن يقاوم وسرطان يجب أن يستأصل .

 

إن هذه الشريحة من الناس وهذه النوعية من التفسيمات السلبية والمنحطة تذكرنا بموقف بعض المسلمين في غزوة بدر عندما خرجوا مع رسول الله وهم كارهون وجادلوا في الحق البين وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال : 6].

 

فالسطحية في التعاضي مع قضايا الأمة المصيرية والجدل في الحق الواضح مما يخدم الباطل ويقوي الشر ويجعل الأبرياء يساقون يومياللقتل والذبح والمجازر ، وهذا ما أكده وكان عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندما واجه البغاة والقتلة والمفسدين في الأرض الذين استنهض الأمة لقتالهم ومواجهتهم وتأديبهم وقطع دابرهم وكسر شوكتهم ، قال عليه السلام:

 

«أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلَاناً وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ [وَ] قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَ قَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ».