صمود وانتصار

مذبحة الحجاج اليمنيين في تنومة..النظام السعودي لا يزال يرتدي القناع التكفيري الدموي

الصمود|| تقارير||

لا يزال صدى مجزرة “تنومة” يوجع القلوب، على الرغم من مرور أكثر من مئة عام على ارتكابها، غير أن النظام السعودي الذي أدمن على سفك دماء اليمنيين يتوقع منه كل شيء.

شهد العام 1342 هجرية الموافق 1923 ميلادية، مجزرة مروعة بحق آلاف الحجيج اليمنيين على أيدي جيش آل سعود، عرفت فيما بعد بـ «مجزرة تنومة».. وتنومة بلدة في عسير تنومة ووادي سدوان بعسير، حيث كان الحجاج اليمنيين زهاء ثلاثة آلاف، وهم عزل من السلاح، وكلهم مهللون بالإحرام للحج، فصدف أن التقت سرية جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد «ابن أخ الملك عبدالعزيز»، بالحجاج اليمنيين وهم في طريقهم إلى مكة، فسايرهم الجنود بعد أن أعطوهم الأمان؛ ولما وصل الفريقان إلى وادي تنومة، وجنود السرية في الجهة العليا بينما اليمنيون في الجهة الدنيا، انقض الجنود على الحجاج بأسلحتهم فأبادوهم، فلم ينج منهم إلا عدد قليل، وقتل أكثر من ٢٩٠٠ حاج.

ويبين الدكتور محمد عوض الخطيب في كتابه (صفحات من تاريخ الجزيرة العربية الحديث) أن من بين الضحايا الحاج حسين القريطي، والد الشيخ المقرئ محمد القريطي -رحمه الله- الذي ولد في نفس العام ولم يمنعه يتمه من تخليد نفسه بعلمه وصوته الذي ترنم به الذكر الحكيم على طريقته الخاصة حتى اعتبره أهل اليمن «عطر شهر رمضان».

وذكر القاضي يحيى بن محمد الإرياني، والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني، أن الجنود السعوديين كانوا يتنادون فيما بينهم بقولهم: “اقتلوا المشركين”.

ويشير الكاتب والباحث الدكتور حمود عبدالله الأهنومي، في الفصل الثاني من كتابه (مجزرة الحجاج الكبرى) إلى أن مذبحة حجاج اليمن في تنومة وسدوان على يد عصابات ابن سعود، عن مجزرة تنومة والزمان والمكان والأسباب.

ويقول الأهنومي: “إن روايات المؤرخين تعددت في تحديد زمان المجزرة، حيث بعض المصادر قالت إنها وقعت في عام 1340هـ، ولكن المصادر المعايشة للحدث والقريبة من تفاصيل المجزرة وعلى رأس تلك المصادر سيرة الإمام يحيى حميد الدين أنها وقعت يوم الأحد 17ذي القعدة 1341هـ، الساعة الخامسة بالتوقيت الغروبي، أي الموافق ١ يوليو 1923م، وهذا بحسب تعليقة كتبها أمير الحج السيد العلامة محمد بن عبدالله شرف الدين، إضافة إلى توقيت ورد في مخطوط البحث المفيد بل بتفصيل أكثر، حيث ذكر أنهم تعرضوا للمذبحة وبعضهم كان قد انتهى من شد رحله بعد الغداء، وبعضهم في حال شد الرحل، وبعضهم كان لا زال في حال الغداء”.

وبخصوص مكان المجزرة، يوضح الباحث وبحسب المصادر أنه في تنومة من بني شهر في منطقة عسير، الذي ورد في سيرة الإمام يحيى ووثيقة العلامة قاسم العزي بأن الحجاج كانوا قد نزلوا على ثلاث فرق، الفرقة الأولى نزلت في تنومة وعدادها في بني شهر وفرقة في سدوان الأعلى وفرقة في سدوان الأسفل وسدوان معدود في بني الأسمر.

ويؤكد الباحث الدكتور الأهنومي، أن هناك أسبابًا كثيرةً دفعت النجديين إلى ارتكاب أكبر مجزرة بحق المسافرين والحجاج المسالمين بسبق تعمد وإصرار، لأسباب سياسية وعقائدية، ومادية وعسكرية.

لقد وصلت الرسالة النجدية الوهـابية مزينة بالأشلاء والرؤوس المقطوفة إلى كـل بيت يمني، وكان مفاد تلك الرسالة أن القتل أفضل طريقة محببة لدى النجديين في علاقتهم باليمنيين، وأنه خير وسيلة في التعارف معهم من أول يوم، وأن عليهم أن يستعدوا لمثل ذلك السلوك المتوحش في أقرب فرصة، أو فليكونوا على حذر، وللأسف عاد آل سعود لمثلها منذ عام ٢٠١٥م م بأشد وأسوأ مما كانوا.

تغييب ممنهج:

وعلى الرغم من هذه الجريمة المتوحشة المخالفة للأعراف والتقاليد والأديان السماوية، إلا أن نظام الخائن عفاش تعمد إخفاءها، ولم يتم تناقلها بين الناس.

وإلى جانب التعتيم الإعلامي كان هناك تعتيم وتواطؤ في الإهمال المتعمد في المناهج الدراسية والجامعية من خلال عدم ذكر وقائع الجريمة الوحشية في حق الحجاج في تنومة، وما هي أسبابها والأهداف من وراء ارتكابها وبغرض تعريف الشعب اليمني بأعدائه، وكذلك لم تتم تسمية أية مصالح أو منشآت حكومية بهذا الاسم؛ أسوةً بأسماء الشهداء، حيث كان الهدف الأساسي من كـل هذا هو طمس معالم الجريمة الوحشية التي ارتكبها النظام السعودي ولأغراض كثيرة منها تحسين سمعة هذا النظام الإجرامي وأخرى من ضمنها التهيئة الفكرية والثقافية لنشر الغزو الفكري التضليلي التي دعا لها النظام السعودي عبر أجندات قام بتنفيذها أتباعهم من المرتزقة.

ويعتبر وكيل وزارة المالية، الخبير الاقتصادي الدكتور يحيى السقاف، الذكرى المئوية لمجزرة تنومة محطةً يستلهم منها الشعب اليمني الدروس والعبر؛ لمعرفة ما يكنه النظام السعودي عليهم من حقد وخبث؛ وهو ما يستدعي تعزيز التلاحم والاصطفاف الشعبي لمواجهة العدوان الأمريكي السعودي الذي يرتكب أبشع الجرائم بحق اليمن أرضاً وإنساناً.

ويقول السقاف: إن “النظام السعودي اتخذ جملة من الأساليب منها استخدام النفوذ السياسي والاقتصادي للتأثير على كتابة التاريخ والضغط على الدول أو المؤرخين والباحثين والكتاب بعدم التعاطي مع أي موضوع يتعلق بهذا الشأن إلا بما يتوافق مع رغباتهم ومصالحهم، حيث تبدي السعودية اليوم انزعـاجاً كبيراً تجاه الوعي المجتمعي الذي وصل إليه الشعب اليمني بمعرفة مجزرة تنومة وأبعادها وخلفياتها ومدى ما تعرض له شعبنا من ظلم واعتداء تكرر ارتكابه في سنوات العدوان والحصار”.

ويؤكـد أن “المجزرة الوحشية التي ارتكبتها السعودية في حق أجدادنا مثلت عدواناً سافراً وإجراماً مفرطاً بحق الشعب اليمني خالف كـل القوانين السماوية والوضعية والأعراف الدولية، ولا غرابة في أن تنفذ هذه الأسرة الدموية تلك الجرائم والمجازر بناءً على ما يملي عليهم مذهبهم التكفيري، والذي فاقم جرائمهم اليوم في البلاد من قتل وبطش وتعذيب وانتهاكات لا حصر لها، حيث وحكام هذا النظام هم أعداء العروبة والإسلام والحضارة والتاريخ وأن قتلهم للحجاج هو كتفجيرهم للمساجد والمقدسات فهم لا يقدرون حرمة دين ولا دم”.

ويتفق الباحث عبد الله بن عامر مع ما يطرحه الدكتور السقاف، ويقول في تغريدة له عبر صفحته على “تويتر”: “إن لم يكن باستطاعة اليمنيين حتى مجـرد التفكير في إحياء مجزرة تنومة، رغم أن ذلك قد يبدو أمراً عادياً؛ لأننا أمام حدث لا يمكن تجاهله أو تناسيه؛ حتى لو كانت العلاقات طبيعية، لكن للأسف كانت السلطات المتعاقبة تفرط في التبعية لدرجة محاولة طمس ودفن هذه المجزرة إرضاءً للمجرم وتقرباً منه”.