بيادق اللعبة الأمريكية في اليمن..والصراع على الوهم
الصمود|| تقارير||
هؤلاء عملاؤنا لا أصدقاؤنا
يؤكد الكاتب والباحث والأكاديمي الفلسطيني زياد منى في مقال له نشرته الإخبارية اللبنانية أن مشايخ الإمارات الخليجية التي أسستها بريطانيا عندما قررت الأخيرة سحب قواتها من الخليج أصابهم الحزن والبَوَار والغم والفزع والإحباط والاكتئاب وصاروا ينتفون شعرهم ويشقون قمصانهم ويلقون بالتراب على رؤوسهم ويضربون بأكفهم صدورهم، وفتحوا مجالس عزاء ليعلنوا فيها مجدداً ولاءهم الأبدي للسيد الإنكليزي، مطالبين إياه بالبقاء رافضين «الاستقلال». بل إنهم عرضوا تمويل كلفة استعبادهم كي تحتفظ بهم عبيداً، لكن لندن لم تكن لتتخلى عن ثروات الخليج، ولذلك استمرت في ممارسة سيادتها عليها عبر ما يُعرف بالاستعمار غير الرسمي (informal empire) ما هدأ قليلاً من روع عبيد القرن العشرين/ الحادي والعشرين.
وهذا يذكرني بقول أحد مسؤولي وزارة الخارجية الألمانية لي رداً على تعليقي له بأنهم في الغرب يتحالفون ويصادقون قوى التخلف التي تناقض كلّ ما يدّعون أنهم يمثلونه من حداثة وعلمانية، فقد أجابني بصراحة غير معهودة: هؤلاء ليسوا أصدقاءنا ولا حلفاءنا. إنهم عملاؤنا وعليهم تنفيذ أوامرنا، وعندما يتلكؤون، نزيحهم ونأتي بغيرهم. لنتذكر كيف أمرت بريطانيا زايد بن نهيان بطرد أخيه شخبوط، وكيف أنها فعلت الأمر ذاته مع قابوس بن سعيد الذي أطاح بوالده، وأيضاً بشيخ قطر (الأمير الوالد) الذي أطاح بدوره بوالده الذي أطاح بدوره بالجد وبابنه البكر، وإزاحة الشيخ صقر في الشارقة، والقائمة تطول.
الكاتب دايفيد ويرينغ، وهو باحث إنكليزي خرّيج جامعتي لندن وأنغليا رَسكِن اصدر كتابا حمل عنوان «الخليج الإنكليزي: ثروة مشيخات الخليج البريطانية» يلخّص مضمون مؤلفه الذي يحوي 23 جدولاً ومصوراً بالقول: إن الفصل الأول «إرث الإمبراطورية» يوضح كيف ولدت العلاقة الأنغلو-المشيخية وتطورت لاحقاً من خلال صعود القوة الإمبريالية (قل: الاستعمارية – ز م) البريطانية في الشرق الأوسط وهبوطها وظهور النفط كمورد استراتيجي رئيس وتأسيس نظام الدولة الإقليمي تحت السيطرة الإمبراطورية (أي: الاستعمارية) والتحدي الذي تفرضه القوى الوطنية المحلية والقوة الصاعدة للولايات المتحدة والتحول الكبير في العلاقات بين المملكة المتحدة والخليج. كما يؤكد الكاتب ضرورة فهم كون نفط وغاز الخليج أولاً كمصدر للطاقة الجيواستراتيجية وثانياً كمصدر للطاقة وثالثاً كموقع لتراكم رأس المال لشركات الطاقة في العالم، ورابعاً كمولد للعائدات الضخمة (البترودولار) للدول المنتجة التي يعاد تدويرها في الاقتصاد العالمي لصالح القوى الرأسمالية الكبرى مثل المملكة المتحدة. كما يوضح أهمية ثروات المشيخات لبريطانيا، ما يدفعها إلى مساعدة شيوخها في مواصلة أساليب حكمهم العائدة إلى العصور الحجرية.
الفصل الثاني (النفط والغاز: الجائزة الاستراتيجية والتجارية) يتناول بالبحث الصفات الثلاث الأولى ويدرس أهمية الخليج في استهلاك الطاقة في المملكة المتحدة والقيمة الجيوستراتيجية الأوسع للهيدروكربونات الخليجية لها وللولايات المتحدة.
يوضح الفصل الثالث (النيوليبراية البريطانية ورأسمالية الخليج: مكملان لبعضهما) كيفية تطور اقتصادات كل من المملكة المتحدة والخليج بطريقة تكمل كلاً منهما، مع حاجة بريطانيا إلى اجتذاب التدفقات المالية وتأمين أسواق تصدير مربحة تضاهيها فوائض رأس المال الكبيرة في دول الخليج والطلب المحلي المتزايد.
الفصل الرابع (مدى أهمية ثروة الخليج للرأسمالية البريطانية) يوضح تفاصيل الأبعاد المختلفة للتجارة والاستثمار الأنغلو-العربية اليوم ويحاول التأكد بدقة من مدى أهمية الثروة الخليجية للرأسمالية البريطانية إذ لا يهمها بالمعنى الاقتصادي الضيق.
يشرح الفصل الخامس (تسليح الاستبداد) يشرح دور عقود الأسلحة الكبرى التي يمولها البترودولار في دعم الصناعة العسكرية في المملكة المتحدة.
يلقي الفصل السادس (الانتفاضات العربية وحرب اليمن) نظرة فاحصة على كيفية عمل هذه الروابط العسكرية في الممارسة العملية من خلال دراسة اثنتين من أهم الحلقات في تاريخ العلاقات بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وهي الانتفاضات العربية والحرب على اليمن، مبيناً كيف تحركت لدعم حلفائها المحليين بما في ذلك زيادة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري الأوثق في الحالات التي تعرضوا فيها للتهديدات من الدعوات الشعبية للديمقراطية وعندما شاركوا في الصراع الذي تدهور إلى كارثة إنسانية.
اليمن المغبون تاريخياً
- يشير الباحث في مركز مالكوم كير أحمد ناجي أن عداء النظام السعودي لليمن تاريخي وتستغل السلطات السعودية عوائد النفط وثراءها الفاحش في مهمة اضعاف اليمن ” ثمة مظلومية يمنية تاريخية تجاه السعودية ما زالت سرديتها الشعبية حاضرة. لقد فقد اليمن عسير ونجران وجيزان منذ قرن تقريبًا. وعلى الرغم من اتفاق الحدود الموقّع بين اليمن والسعودية في العام 2000، ما زالت قضية الحدود تثير حنق اليمنيين اليوم.” ويضيف ” عمدت الرياض إلى عسكرة المناطق على جانبَي الحدود السعودية اليمنية، وفرضت قيودًا على دخول السلع اليمنية إلى الأراضي السعودية، واتخذت تدابير للتضييق على المواطنين اليمنيين في السعودية، فعطّلت بالتالي الحياة المجتمعية والاقتصادية في المناطق الحدودية، خصوصًا في المناطق الجنوبية الغربية. وأحدثت محاولة فصل المناطق الحدودية اليمنية عن الداخل اليمني الكثير من الأزمات للمجتمعات الحدودية.”
يبرر النظام السعودي عداءه تجاه الشعب اليمني بقوله إنه يهدف لحماية أمن المملكة وبالتالي فاستقرار المملكة كما يراه النظام السعودي هو في تدمير اليمن وإضعافه وليس في دعم التنمية والاستقرار والحقيقة أن هذا المبرر مبالغ فيه فإذا ركزنا على الموقع الاستراتيجي لليمن وطبيعة الحياة السياسية التي كانت قائمة منذ ما بعد ثورة 26 سبتمبر وما قبلها نجد النظام السعودي ليس سوى منفذ لأوامر أسياده فبعد قيام الثورة كانت اليمن الشمالي تتجه ضمن محيطها العربي وتشارك في الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني إلى جانب مصر وسوريا والعراق وفي ذلك الوقت كانت علاقة مصر مع السعودية متوترة زاد توترها تدخل مصر عسكريا إلى جانب الجمهوريين في اليمن وهذا كان يقلق الصهاينة والأمريكان ورعاة وعد بلفور فتم إيكال الملف اليمني للنظام السعودي للسيطرة على اليمن وإنهاك قدراته ليصبح غير قادر على أن يكون له دور فاعل في دعم القضية الفلسطينية أو الاندماج في وحدة عربية كانت قد بدأت بين مصر وسوريا ولذلك بدأت اللجنة الخاصة التابعة للمخابرات السعودية باحتواء مشائخ قبليين وضباط ومختلف الشخصيات المؤثرة في اليمن من خلال تخصيص مرتبات شهرية لهم ثم عمدت لاغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي ثم تلى ذلك الغزو الوهابي لليمن الذي هيمن على المؤسسات الدينية والتعليمية والأكاديمية والتربوية وأصبحت مهيأة لخدمة النظام السعودي وأسياده وهو ما مكن النظام السعودي من وضع يده على الملف اليمني الشمالي فسيطر على أجزاء واسعة من الأراضي اليمنية إضافة إلى الأراضي التي سبق السيطرة عليها كنجران وعسير وجيزان ووصل الأمر إلى أن النظام السعودي منع النظام اليمني التابع له أصلاً من التنقيب عن النفط في الجوف أو المناطق الحدودية.. كما عمد لإثارة الحروب القبلية والثأرات وترك المجال للقوى السياسية للنهب والفيد فانتشر الفساد والرشاوى وتدهورت الحياة المعيشية للشعب اليمني في شمال البلاد.. أما في جنوب اليمن فقد كانت القوى السياسية قد أعلنت جمهورية اليمن الديمقراطية ونظام اشتراكي يميل إلى الاتحاد السوفيتي وهذا بالذات كان يشكل قلقاً كبيراً لأمريكا وبريطانيا والغرب فالفكر الاشتراكي لا يؤمن بالأنظمة الملكية ولأن اليمن يمتلك موقعاً استراتيجيا هاماً سيشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأمريكية ولبيادقها في المنطقة في حال تمكن من الحصول على دعم عسكري سوفيتي أو استطاع أن ينهض تنموياً واقتصادياً سيكون مقلقاً للوجود الأمريكي والبريطاني في المنطقة وبالتالي شكلت الوحدة فرصة للنظام السعودي للإجهاز على القوى السياسية الاشتراكية من خلال دعم حليفهم علي عبد الله صالح وكذلك تحريك الجماعات الوهابية التكفيرية التي كفرت كل أبناء الجنوب وصدرت الفتاوى التي اعتبرتهم مشركين وشيوعيين ملحدين..
العدوان الأمريكي السعودي على اليمن ..رهانات خاسرة
كان نجاح ثورة الشعب اليمني في الواحد والعشرين المناهضة لأمريكا وبهتاف الجماهير اليمنية الموت لأمريكا الموت لإسرائيل سبباً لظهور القلق الصهيوني وعبر عنها قادة الكيان من خوفهم من سيطرة أنصار الله على اليمن والمنافذ البحرية وكذلك تأكدهم من أن الهيمنة على اليمن أصبحت مستحيلة مع أي سلطة تقودها جماعة أنصار الله فتم كالعادة إيعاز الأمر لعبيد الانجليز وبالذات النظام السعودي والنظام الاماراتي وبقية مشيخات الخليج ومن هنا تم إعلان عاصفة الحزم من واشنطن وتم وضع النظام السعودي في الواجهة لتحمل وزر الحرب وتبعاتها ويمارس حقده تجاه الشعب اليمني كما يحلو له فتحته أصبحت تتحرك الطائرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية وأعلن الجميع عدوانهم في الخامس والعشرين من مارس 2015م في حرب عدوانية إجرامية وحصار جوي وبري وبحري وشارك العالم كله تقريبا فمن لم يشارك في الحرب المباشرة شارك في بيع الأسلحة ومن لم يشارك في بيع الأسلحة وفر لهم الدعم اللوجستي والرصد المعلوماتي المخابراتي ومن لم يقدم لهم دعماً لوجستياً قدم لهم الدعم السياسي والإعلامي وأضعف الدول صمتت أمام مجازرهم ووحشيتهم..
ورغم بشاعة الجرائم وأحقاد المجرمين وما خلفته القنابل الأمريكية والبريطانية من دمار هائل وما تركه الحصار والحرب من كارثة إنسانية لا مثيل لها على وجه الأرض إلا أن كل الأهداف التي رسمها البريطاني والأمريكي من وراء العدوان فشلت وكل الرهانات التي راهنوا عليها تلاشت فالشعب اليمني برجاله صمد صموداً أسطورياً لامثيل وتمكن من إفشال عبيد الإنجليز أن يحققوا أحلام أسيادهم..
المكاسب الأمريكية والبريطانية .. وصراع البيادق
بيد أن الحرب على اليمن وإن كانت في الظاهر شكلت هزيمة عسكرية أمريكية وبريطانية بل هزيمة لقوى الاستكبار في هذا العالم بكله فإنه من الوجه الثاني شكلت سوقاً كبيرة للسلاح الأمريكي والبريطاني وبقية الدول الغربية وأنفقت مشيخات الخليج وبالذات الإماراتي والسعودي مليارات الدولارات إن لم تكن تريليونات الدولارات على شراء الأسلحة ومحاولات مستميتة لشراء أي نصر ولو بكل ثرواتهم ولكنهم حتى الآن فشلوا وسيفشلون بإذن الله ..
الغريب في الأمر إن بيادق الإنجليز بدأت تتصارع فيما بينها وأقصد بذلك النظام السعودي والإماراتي فبعد فشل تحقيق أي إنجاز لهم في اليمن برزت مطامعهم الحقيقية أنهم يريدون الاستحواذ على السواحل اليمنية والموانئ والجزر والمنافذ فالإماراتي يريد الهيمنة على الجنوب اليمني بكل جزره وموانئه والسعودي يريد أن يكون الملف اليمني كله بيده فهو يرى نفسه أنه من ينفق على الحرب أكثر وأنه المسؤول عن الملف اليمني ولذلك عمد النظامان على إنشاء جماعات ومليشيات أصبحت تتصارع فيما بينها كل جماعة تريد تحقيق إنجاز لمن يمولها..
إن الصراع بين الأدوات والبيادق الأمريكية على خريطة اليمن يؤكد ما أكدناه أنهما مجرد منفذين لا أقل ولا أكثر وأن من خطط للحرب ووضع الأهداف هو الأمريكي والبريطاني ولذا نجد التحركات الأمريكية خلال الهدنة واضحة ومكثفة تارة في حضرموت وتارة في سقطرى وتارة في السعودية وتارة في الإمارات وتارة أخرى في شبوة والمهرة ونشاط مكثف هدفه مواصلة الحرب وتغطية الديون الأمريكية من عوائد بيع الأسلحة وتأجير الطائرات والطيارين والمستشارين..
في الختام وكما أكد قائد الثورة السيد عبد الملك منذ أيام العدوان الأولى أن الحرب على اليمن هي أمريكية وهو ما تؤكده المستجدات والأحداث والشواهد بعد أكثر من 8 سنوات من الحرب أن عدو اليمن الأول والرئيسي هما أمريكا وبريطانيا وأن النظام السعودي ومعه النظام الاماراتي وبقية الخونة والمأجورين مجرد عبيد ينفذون ما يملى عليهم..