صمود وانتصار

فرنسا تحترق بنار العنصرية .. حرائق وفوضى وشبح حرب أهلية

الصمود||تقارير|| محمد الجبلي

نهب مخزن سلاح في مرسيليا – 6 آلاف حريق ونشر 40 ألف شرطي واعتقال أكثر من ألف مواطن

أعمال نهب وسرقة للبنوك والمتاجر والشرطة تصف المحتجين بـ الوحوش الضارية

اليسار الفرنسي يتهم الشرطة بإشعال حرب أهلية وفرض حالة طوارئ وإيقاف وسائل النقل

الشاب نائل يطيح ببرج إيفل ويحرق فرنسا

قنبلة لم تنفجر بعد.. ما زالت في مرحلة التفاعل الداخلي، شظاياها قد تصل إلى عموم أوروبا في حال انفجرت وتفجرت، تعود إلى ما قبل نابليون والحربين العالميتين الأولى والثانية، إنها تتطور مع الوقت بتراكم الزمن والاحتقان المتفاعل.

يسمونها ببلاد الثورات، إلا أن كل ثورة تلعن ما قبلها.. هذا هو تاريخ فرنسا.

وصفت بالدولة السامية لحقوق الإنسان، لكنها أكثر عنصرية تجاه الإنسان.

الفوضى الهائلة التي تشهدها عاصمة الإباحية الغربية “فرنسا” في ظاهرها إنسانية ضد مقتل شاب من أصل جزائري على يد ضابط شرطة، لكنها في الحقيقة نتيجة تراكم غضب واحتقان في الداخل الفرنسي، هذه الحادثة جمعت أصحاب السترات الصفراء واليمين المتطرف الذي هو أصلا ضد فرنسة الأجانب، إلا أن الفرصة لا تعوض، كذلك العمال والنقابات العمالية التي نظمت تظاهرات وإضرابات عامة للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية هي أيضاً حاضرة في الساحة، إضافة إلى موظفي الدولة الذين خرجوا بتظاهرات في عموم فرنسا رفضاً لقانون التقاعد الذي أقره ماكرون بالقوة.. هم أيضاً مشاركون.. إلى كل هذا انضم المهاجرون وذوو الأصول الأفريقية.. بمعنى أن هناك قوة حقيقية وواسعة تناضل من أجل إسقاط النظام، إلا أنها غير متحدة ولا منظمة، في اعتقادي أنه في حال توسع الشغب قد تتهيكل كل هذه القوى المعارضة وتسقط الحكومة، لا أستبعد أن هناك إيادي أمريكية وألمانية في تغذية الفوضى، فماكرون قبل فترة دعا ولأول مرة إلى الاستقلالية عن الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن مشاكل فرنسا مع ألمانيا متجذرة وتاريخية ونفس الحال مع إيطاليا وبريطانيا..

تتشدق فرنسا وتحب أن يصفها الناس بأنها النموذج العصري للتعايش الإنساني، لكن الأحداث التي نشهدها اليوم تؤكد زيف كل العناوين العنصرية، نظام قائم لا يمكن للسلاح النووي نزع هذه العنصرية من المجتمع والدماغ الفرنسي، كما أن فرنسا دولة غارقة في دماء الشعوب التي احتلتها، وهي من ضمن الدول الأولى التي مارست تجارة العبيد…

– بعد هذه المقدمة التي أوجزتها من خلال متابعتي للوضع سندخل إلى التفاصيل وماذا حدث ويحدث في فرنسا خلال أربعة أيام متتالية من العنف والدخول إلى ليلة ساخنة جديدة.

– بدأت الموجة العنيفة عندما أقدم شرطي على قتل شاب يُدعى نائل من أصول جزائرية بسبب مخالفة مرورية.
وبعد هذه الحادثة شهدت المدن الفرنسية حالة تمرد وغضب وعصيان عارمين، الشرطة أجبرت القاتل على الاعتذار، إلا أن الاحتجاجات توسعت. وزير داخلية فرنسا جيرالد دارمانان أعلن عن انتشار الأمن في البلاد وتعبئة 45 ألف عنصر من الشرطة والدرك .
وسمحت الحكومة الفرنسية للدرك بإنزال عربات مصفّحة إلى الشوارع في إطار سعيها لاحتواء الشغب والتخريب.

وذكرت قناة «بي.أف.أم تيفي» التلفزيونية بأن رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، أعلنت عن نشر مدرعات لقوات الشرطة في الشوارع الفرنسية للسيطرة على الوضع.

وقال وزير الداخلية الفرنسي بأن جميع الخيارات متاحة، للسيطرة على أعمال الشغب في البلاد.

مع كل ذلك اتسع نطاق الاحتجاجات وتنتشر أعمال التخريب والحرائق في مدن متعددة في فرنسا، والتي طالت بعض المرافق الحيوية.

وانتشر في المدن الفرنسية ظاهرة نهب وسرقة المتاجر في ظل انعدام الاستقرار الأمني واستمرار الاحتجاجات والمواجهات مع الشرطة..
ولوحظت 20 حافلة نقل عام محترقة ومتفحمة، في محطة للنقل العام في منطقة إيل دو فرانس المركزية، وهي جزء من حصيلة أعمال الشغب والتخريب المتصاعدة في فرنسا.

وأظهرت مقاطع فيديو من مختلف المدن الفرنسية، استمرار المواجهات بين الشرطة والمحتجين، وأظهرت تكسير الممتلكات العامة وإحراق عدد من المباني الحكومية.

وحتى كتابة التقرير هناك فوضى عارمة تجتاح المدن الفرنسية وأعمال سلب ونهب للبنوك والمحلات التجارية، وإحراق وتحطيم المرافق العامة ومهاجمة المؤسسات، مع توسع حالة الشغب، وخروج الوضع عن السيطرة.

من جهتها قالت قناة BFMTV التلفزيونية، إنه تم إضرام النيران في أكثر من 1300 سيارة و234 مبنى في فرنسا خلال الليلة الماضية أثناء أعمال الشغب التي اندلعت بعد مقتل فتى على يد الشرطة. وهاجم المحتجون وأحرقوا 31 مركزا لوزارة الداخلية و16 مركزا للشرطة البلدية و 11 ثكنة لقوات الدرك..

– وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أمس السبت، أن الشرطة اعتقلت 1311 شخصا في أرجاء البلاد خلال أعمال شغب تواصلت لليلة الرابعة على التوالي، وقالت الوزارة في حصيلة لا تزال مؤقتة إن «79 شرطيا ودركيا أصيبوا بجروح» خلال أعمال الشغب، وإن 79 موقعا للشرطة تعرض للهجوم خلال الليل، فضلا عن مئات المباني. كما تم استدعاء خدمة الإطفاء لأكثر من 6000 حريق في جميع أنحاء البلاد. وأضرمت النيران في المتاجر والمركبات في ضاحية نانتير بباريس، التي أطلق شرطي النار فيها على نائل، وقتله أثناء توقيف مروري يوم الثلاثاء – مع قلق السكان من تصاعد الاضطرابات.

وفرض عدد من المدن حول باريس حظر تجول كلي أو جزئي أثناء الليل، في حين توقع تقرير استخباراتي للشرطة تم تسريبه إلى وسائل الإعلام الفرنسية حدوث «عنف واسع النطاق خلال الليالي القادمة». حتى كتابة التقرير.

وما زاد الطين بلة هو بيان الشرطة العنصري الذي وصف المحتجين بالوحوش الضارية.

 

– بيان الشرطة المتوحش
قالت نقابات الشرطة في بيان إنه و«في مواجهة هذه الجحافل الوحشية، لم يعد طلب الهدوء كافيا، عليك أن تفرضه!».
وأردفت قائلة: «الآن ليس وقت العمل النقابي، ولكنه وقت الكفاح ضد هؤلاء الضارين.. الاستسلام وإرضاؤهم من خلال إلقاء الأسلحة ليست حلولا نظرا لخطورة الموقف.. يجب وضع كل السبل لاستعادة سيادة القانون في أسرع وقت ممكن».
وشكك البيان من قدرة السلطة على السيطرة إذا قال «نعلم بالفعل أننا سوف نعيش مرة أخرى هذه الفوضى التي نعاني منها منذ عقود».
واختتم البيان بالقول إن «الشرطة اليوم في معركة لأننا في حالة حرب.. غدا سنكون في المقاومة وعلى الحكومة أن تدرك ذلك».

 

– اليسار الفرنسي «الشرطة تدعو لحرب أهلية«
زعيم اليسار الفرنسي، جان لوك ميلونشون، يقول «يجب على النقابات التي تدعو إلى الحرب الأهلية أن تتعلم الصمت».
وأضاف «لقد رأينا السلوك القاتل الذي يؤدي إليه هذا النوع من الكلام.. يجب أن تسيطر السلطة السياسية على الشرطة.. من يريد الهدوء لا يصب الزيت على النار!».

– أسرة الشاب القتيل بدورها أصدرت بيانا خيب آمال الساخطين الذي تم تناقله منذ قليل عبر شبكة «تويتر»، وجاء فيه «أن العائلة» تطلب من جميع الصحفيين عدم الحضور إلى موقع الجنازة أو في أي وقت من أوقات يوم الدفن، وذلك احتراما لخيارها.. وشكرا لكم على الالتزام بذلك واحترام هذا الخيار».

بيان العائلة لم يخفف من اتساع نطاق العنف كما تصورت السلطات الفرنسية، بل زاد الوضع خطورة، فالأنظار اتجهت لحادثة ضحيتها شاب عشريني توفي بعد ظهر الجمعة في شمال غرب فرنسا بعد إصابته بجروح إثر «سقوطه» ليلة الخميس إلى الجمعة من أعلى سطح متجر.
وقال مصدر في الشرطة لوكالة «فرانس برس» إن الشاب سقط من أعلى سطح سوبر ماركت خلال عملية نهب، إلا أن مكتب المدعي العام في رُوان قال إن هذا المتجر لم يتعرض لهجوم من قبل مثيري الشغب خلال هذه الوقائع، وهو ما راكم الشغب والفوضى والاقتراب من الخطوط الحمراء.

 

– ففي آخر ما نقلته وسائل الإعلام، ذكرت وكالة رويترز بأن المحتجين سيطروا على مجمع عسكري ونهبوا مخزنا للأسلحة وسط مدينة مارسيليا، ثاني أكبر المدن الفرنسية، وناشد عمدة مرسيليا الحكومة الفرنسية بإرسال تعزيزات أمنية إضافية على وجه السرعة بعد تعرض مستودع أسلحة للنهب.. وأفادت وسائل الإعلام أن الشرطة اعتقلت 80 شخصاً في المدينة.

 

– رئيسة الوزراء إليزابيث بورن دعت جميع الوزراء إلى العودة إلى باريس وترك أعمالهم
كما أصدرت الداخلية الفرنسية قراراً بإيقاف عمل وسائل النقل العام، من حافلات، وقطارات، بعد التاسعة مساء، في عموم البلاد.. قبل إعلان حالة الطوارئ.

قناة France 3 التلفزيونية، أفادت بأن التحقيق يجري في ظروف الاشتباكات بين المحتجين، وأنصار اليمين المتطرف التي وقعت الليلة الماضية في بلدة أنجيه غرب البلاد.
وأشارت القناة إلى أنه «تم فتح عدة قضايا جنائية بشأن حقيقة حيازة أسلحة بشكل غير قانوني بعد اشتباكات دارت بين المتظاهرين وجماعة اليمين المتطرف».
وقد تدخل وزير العدل الفرنسي إريك دوبوند موريتي، وهدد بنفسه بمحاسبة المحتجين قائلاً « أقول للمحرضين في مواقع التواصل الاجتماعي إننا سنصل إليكم» .

 

– أين الرئيس الفرنسي مما يحدث..؟
في يوم الحادثة مساء تناقلت وسائل الإعلام مقاطع فيديو للرئيس الفرنسي ماكرون وهو يرقص ويعزف الموسيقى بكامل السرور، ما أثار مشاعر الاستفزاز لدى الشارع الذي يغتلي.
التطورات المتسارعة أجبرت ماكرون على إلغاء الزيارة الرسمية المجدولة إلى ألمانيا والخروج بكلمة للجمهور لكنها قوبلت بسخرية. إذ ألقى باللوم على ألعاب الفيديو، حيث قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن ألعاب الفيديو ومواقع التواصل الاجتماعي وراء أعمال العنف من قبل المراهقين في شوارع البلاد، حيث إنهم يقلدون ألعاب المغامرات الإلكترونية.
وأضاف ماكرون إن شبكات التواصل الاجتماعي تلعب «دورا مهما» في تأجيج الاضطرابات المستمرة، منها موقعا «سناب شات» و«التيك توك» كأمثلة.
وأضاف ماكرون: «لقد رأينا تجمعات عنيفة تم تنظيمها لكنها نوع من التقليد للعنف»، متهما مثيري الشغب الأصغر سنا بالخروج من الواقع و«عيش ألعاب الفيديو».
ودعا الرئيس الفرنسي شركات التكنولوجيا لحذف المحتويات العنيفة وتزويد السلطات بهوية المتظاهرين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي.

 

– الجزائر الذي ينتمي إليها الشاب القتيل نائل، أعربت عن صدمتها واستيائها من حادث القتل الذي تعرض له الفتى نائل على يد أحد أفراد الشرطة الفرنسية واعتبرتها وحشية ومأساوية، مؤكدة أنها تتابع باهتمام بالغ تطورات القضية… وهذا أول تعليق رسمي.
فرنسا لم تعد كما كانت جنة الأحلام، الوضع الاقتصادي يتراجع بذات المستوى الذي تتراجع فيه القوة الشرائية والدخل المعيشي.

 

– للمرة الأولى.. الدين العام الفرنسي يتخطى عتبة الثلاثة تريليونات يورو.
يقول الخبير الاقتصادي ألكسندر نارازوف: “هناك احتمال قوي أنه خلال الموجة القادمة من الأزمة الاقتصادية سيكون هناك مزيج من الاحتجاجات الاجتماعية (السترات الصفراء)، واحتجاجات الأقليات العرقية”.
بلسان المنظمات “فرنسا رمز العنصرية”
وكانت منظمة المدافعين عن الحقوق، أصدرت تقريراً عن الممارسات العنصرية في فرنسا، وذكرت إن الشباب الذين يُنظر إليهم على أنهم من السود أو من أصل شمال أفريقي أكثر عرضة بنسبة 20 مرة لعمليات التحقق من الهوية من قبل الشرطة مقارنة بباقي السكان، واعتبرته شكلاً من أشكال التمييز المنهجي من قبل الشرطة.
وفي التقرير الذي نشرته بي بي سي أشار إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أدانت في عام 1999، فرنسا، التي يفترض أنها مهد حقوق الإنسان، بسبب التعذيب، بعد الاعتداء الجنسي على شاب من أصل شمال أفريقي من قبل الشرطة. وفي عام 2012، قالت هيومن رايتس ووتش إن «نظام التحقق من الهوية مفتوح للانتهاكات من قبل الشرطة الفرنسية، وتنطوي هذه الانتهاكات أحيانا على الإساءة الجسدية واللفظية».
وأدى مقتل نائل إلى ظهور مظالم بشأن التنميط العنصري وعنف الشرطة.. ففي العام الماضي، قُتل 13 شخصا بالرصاص أثناء توقيف مروري في فرنسا، وكان حادث قتل نائل هو الثالث حتى الآن خلال هذا العام، وتظهر أرقام من وكالة رويترز أن غالبية الضحايا من السود أو من أصول عربية.
وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن الاضطرابات الحالية في فرنسا تمثل فرصة للبلاد «لمعالجة القضايا العميقة للعنصرية في تطبيق القانون».
وأظهرت دراسة العام الماضي، أن إطلاق النار من قبل الشرطة في فرنسا بطريقة قاتلة على سائقي المركبات المتحركة قد تضاعف خمسة أضعاف منذ تطبيق القانون.
ومن بين 39 شخصاً قتلوا على يد الشرطة في العام 2022، كان 13 منهم سائقو سيارات تم إطلاق النار عليهم على أساس أنهم لم يمتثلوا للأوامر، كما جاء في التقرير.

 

– فرنسا دولة عنصرية، العناوين التي تدخل من خلالها إلى الوضع الداخلي للشعوب ها هي زائفة، كشفتها فوضى عارمة، التحذيرات من الحرب الأهلية ليست استهلاكا إعلاميا، فالمجتمع الفرنسي بذاته عنصري في ما بينه البين، فكيف سيقبل بالتخلي عن العنصرية تجاه الأجانب.
وحتى لا ننسى.. فرنسا رفضت حتى اليوم الاعتذار للجزائر عن كل الجرائم التي ارتكبتها خلال الاستعمار، بل اعتبرتها بكل وقاحة، دفاعا عن المصلحة وإنقاذا.

أخيراً.. سواء تمكنت السلطات من السيطرة على الوضع أم زاد اتساعاً، فإن المؤشرات تشير إلى مرحلة جديدة ستعصف بكل القارة العجوز.
لا مبالغة إن قلنا إن أمريكا نسخة مصغرة عن فرنسا..

ربما أن نائل سيطيح ببرج إيفل.. من يدري؟