حضرموت .. بين حقائق التاريخ وإفشال مشاريع إنفصالية !
حضرموت .. بين حقائق التاريخ وإفشال مشاريع إنفصالية !
الصمود../
لقد كان هدف الحروب واضحا ومحددا في توحيد كيان الأمة – اليمن – تحت دولة واحدة وجعل ولاء هذه الأمة ليس للعشيرة والقبيلة فحسب بل لكل الوطن والقضاء على الحركات الانفصالية.
ولتصبح فيما بعد حتى وسط الجزيرة العربية وشمالها بما فيها الحجاز وبدو نجد وقبائلها جزءا اساسيا من لقب الدولة الرسمي واصبحوا بذلك ضمن الاطار السياسي للدولة اليمنية الموحدة.
شواهد التاريخ
اقدم ذكر لسبأ فقد ورد في التوراة وبصيغ مختلفة حوالي 23 مرة منذ القرن العاشر قبل الميلاد و كانت حضرموت في أقدم عهودها تابعة لدولة سبأ العظيمة .
وإعلان كرب إيل وتر نفسه ملكا على كل الأرض اليمنية من حضرموت وعدن جنوبا إلى نجران شمالا والتهايم غربا في القرن السابع قبل الميلاد .
لقد اضحي معروفا بعد فك لغة النقش المسندية وأهمها نقش النصر ما معني حضارة دولة ومجتمع اليمن القديم عشية انتقال مركز الدولة إلى مدينة صرواح وجعلها عاصمة لدولة سبأ في خطوة نظر إليها على انه علامة تحول كبير ونزوع جديد لشحذ كيان الأمة والدولة في إطار المجتمع المدني بما يتجاوز مرحلة الاحتماء تحت سقف القبيلة والعشيرة ويسمو فوق الكيانات المجزأة وتطاول نفوذ الزعامات المحلية الانفصالية الطامحة لتكوين كيانات ضعيفة وهزيلة على حساب الدولة اليمنية الموحدة القوية .
الدولة المدنية الحقوقية على عكس دولة العبودية في بلاد الرافدين خلال تلك الفترة الحضارية المتقدمة التي تعيشها دولة سبأ.
وتثبت النقوش التي خلفها المكرب السبئي كرب إيل وتر ابن ذمار علي الثاني في القرن السابع قبل الميلاد أنه قام بحملات عسكرية شملت أكثر أنحاء اليمن القديم من نجران في الشمال وحتي عدن في الجنوب -حروب وطنية.
ويعتبر نقش النصر ذات اهمية في المجال العسكري فضلا عن ان له أهميته في مجالات أخري تاريخية وهو نقش يعود لفترة ما قبل الميلاد وتحديدا القرن السابع على كونه انه يتحدث عن الحملات العسكرية التي قام بها المكرب السبئي كرب إيل وتر وعددها ثماني حملات اسفرت عن نتائج سياسية وعسكرية وأخرى اقتصادية .
يصرح نقش النصر في بدايته عن بدء دخول مملكة سبأ عصرا جديدا بتدشين مدينة صرواح عاصمة للدولة الجديدة وإعلان مكرب سبأ إيل وتر نفسه ملكا على كل الأرض اليمنية من حضرموت وعدن جنوبا إلى نجران شمالا والتهايم غربا .
ويذكر النقش أسماء المدن الكبيرة التي استولى عليها ودمرها خلال حروبه مع القوات الانفصالية .
ويذكر النقش في هذا السياق مجموعة من الإحصائيات عن عدد القتلى وكمية الغنائم والأسرى أثناء حروبه مع دولة أوسان وملكها ( مارتو) ومع العديد من الزعامات المحلية الأخرى النازعة إلى الانفصال لقد كان هدف الحروب كما يقول الباحثون العرب والأجانب كان هدفها واضحا ومحددا هما توحيد كيان الأمة تحت دولة واحدة وجعل ولاء هذه الأمة ليس للعشيرة والقبيلة فحسب بل لكل الوطن .
ولقد نجح الملك كرب إيل وتر في ذلك وأشاد دولة اليمن الكبيرة الظافرة وأقام مجتمعها المدني المحتضر الذي انتهج طريق الإبداع وسار على طريق السلام والمحبة على مدى ألف عام قبل أن يعثر تحت وطأة الغزو الحبشي الذي تمكن في النهاية بفضل تعاون العناصر الانفصالية من احتلال اليمن وإسقاط نظامه السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي الموحد لتدخل اليمن في الاحتلال والتمزق والتشطير .
مشاريع انفصالية
كانت حضرموت في أقدم عهودها تابعة لدولة سبأ العظيمة ثم حليفة لها وفي القرن الرابع قبل الميلاد خرجت حضرموت عن سبأ وكونت دولة مستقلة ونمت قوتها تدريجيا واكتسبت اهمية فائقة خاصة لكونها تملك أرض اللبان .
غير أن حضرموت لم تملك النفوذ الكافي الذي يؤهلها لتصبح دولة كبرى في اليمن والجزيرة العربية . ومرد ذلك إلى سببين رئيسيين يؤكدها .
أولهما : أنه ليس يسيرا دمج العنصر البدوي من سكانها بحكم تركيبه القبلي مع العلم انه يُكون نسبة كبيرة من سكانها يفوق نسبته في أي مكان آخر من اليمن ,
وثانيهما : أن موقع عاصمة حضرموت – شبوة – كان بعيدا عن مناطق الانتاج في اليمن. وبعد أن اختفت شخصية كرب إيل وتر السبئي القوية قامت الملكية في حضرموت وربما بدأت بما يشبه التبعية لدولة معين بحيث حكمها معا ملك واحد وكان ترابط الجارتين معين وحضرموت في مجالات التجارة وتحالفهما للوقوف في وجه دولة سبأ ذات المطامع الواسعة وبعد جيلين أو ثلاثة انفردت بحكم حضرموت أمير من اصل معيني واسس بها أسرة حكم مستقلة وكان ملك سبأ شعرم اوتر قد غزا حضرموت في اواخر القرن الثاني بعد الميلاد واعادها إلى حظيرة الدولة السبئية ولكن إلى حين .
ويبدوا ان حضرموت لم تستقل استقلالا كاملا ومما يدل على انها كانت تدور في فلك الدولة السبئية ان زوجة الملك الحضرمي كانت اخت الملك السبئي شعرم أوتر قبل غزوه لعاصمتها شبوة –
وفي القرن الاول بعد الميلاد برزت حمير كقوة ضاربة في اليمن ودخلت في صراع مع دولة سبأ وسيطرت على أراضي شاسعة تابعه لقتبان وسبأ وسمت نفسها – دولة سبأ وذي ريدان – واضع لقبها الأول ذي ريدان في المحل الثاني بعد سبأ- و جاء أول ذكر لدولة حمير في نقش عثر عليه في حضرموت ويعود إلى القرن الأول الميلادي .
ويتحدث النقش أن الحضرميين صدوا حملة حميرية على المناطق الجنوبية مما يؤكد بأن دولة حميرا آنذاك كانت قد وسعت سيطرتها حتي بلغت السواحل الجنوبية انطلاقا من اعاده توحيد اليمن الكبرى .
ومع نهاية القرن الأول الميلادي خرجت حمير منتصرة على دولة سبأ وضمها إليها واتخاذ ملوكها لقب – سبأ وذي ريدان – ودام حوالي مائة وخمسين سنة ظل ملوكها يطمحون لإعادة تحقيق وحدة اليمن أرضا وإنسانا .
وما أن انتصف القرن الثالث الميلادي حتى كانت حمير ثانية اثنتين في اليمن وكانت الثانية هي دولة حضرموت , ولم يكن نفوذها يضارع نفوذ دولة حمير ولقب ملوكها .
وفي نهاية القرن الثالث الميلادي بعد تحرير اليمن من الاحتلال الحبشي تمكنت دولة حمير في عهد ملكها شمر يهرعش 275- 300م من إعادة حضرموت إلى الوطن الأم – اليمن – وبذلك حكمت دولة حمير اليمن كله من اقصاه إلى اقصاه .
واتخذ اللقب – ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنه – وكان ذلك الشعار حقا يعني توحيد الأقاليم اليمنية في وطن واحد وبذلك دفعت حضرموت ثمن محاولة انفصالها وفقدت عاصمتها شبوة أهميتها تماما.
وحاولت حضرموت النهوض بعد أن ضمها الملك الحميري شمر يهرعش لكن الحملات الحميرية تكررت عليها واخضعتها تماما لنفوذها منذ أواسط القرن الميلادي الرابع .
اليمن الكبرى
وفي عهد الملك الحميري ابي كرب اسعد – التبع اليماني الشهير – وخلال حكمه 385- 425م بلغ امتداد الدولة الحميرية اقصاه حيث تذكر النقوش انه غزا وسط الجزيرة العربية شمالها وتروى الأخبار انه وصل يثرب – المدينة المنورة لاحقا – وبذلك حمل اللقب الملكي الرسمي الأطول – ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنه واعرابهم طودا وتهامة – وهذا يعني أن بدو شمال الجزيرة العربية بمن فيهم بدو نجد وقبائلها قد صاروا جزءا اساسيا من لقب الدولة الحميرية الرسمي إلى جانب حضرموت اليمنية واصبحوا بذلك ضمن الاطار السياسي للدولة الحميرية .
التآمر الدولي
وبذلك صارت اليمن الموحدة تحت قيادة ملوك الدولة الحميرية قوى عظمي تضاهي الامبراطورية الفارسية والامبراطورية البيزنطية آنذاك مما دفع فارس وبيزنطة للتآمر على اليمن من خلال مؤتمر الرملة الذي عقد 524م لتقاسم مناطق النفوذ بينهما تخلت فارس عن دعم الملك الحميري ذو نواس لتشن الامبراطورية البيزنطية حربها على اليمن عبر وكلائها في المنطقة وبالأخص الاحباش وبذريعة واهية – ولعلها غير حقيقة يؤكد ذلك الواقع وانعدام الوثائق والشواهد – تعرضت اليمن الموحدة للغزو الحبشي بعد عام من مؤتمر الرملة 525م لتصبح اليمن تحت الاحتلال وتنتهي أخر دولة يمنية قديمة وحدت اليمن ويصبح أول الولاة والذي تم تعينه من قبل الحبشة من أهل اليمن بعقيدته المسيحية .
وساد اليمن بعد ذلك صراعات عنيفة وغلب عنصر البداوة على كثير من مناطق اليمن وقوي في اليمن نفوذ فارس والروم آنذاك مما جر اليمن إلى انهيار حضاري كبير .
عدوان 2015م
فما حدث في التاريخ القديم من محاولات لمشاريع انفصالية مستغلين ضعف الدولة اليمنية الموحدة نجده اليوم يتمثل بعدوان 2015م على اليمن فمن ساند الغزو الحبشي قديما الامبراطورية البيزنطية لتحقيق اهدافها التوسعية في اليمن نجد اليوم وكلاء الغرب وواشنطن المتمثلة بجارة السوء – آل سعود – ودويلة الإمارات – مستعمرة بريطانيا- ينفذون سياستهم الاستعمارية في اليمن وبالذات في محاولة فصل حضرموت عن اليمن ليس هذا فحسب بل نشهد عودة السياسة الاستعمارية البريطانية خلال احتلالها لجنوب اليمن 1839- 1967م فقد مثل المحتل البريطاني وسياسته الاستعمارية نموذجا الأهداف الغزاة والمحتلين لليمن عبر التاريخ وإلى اليوم وهو التحكم بالممرات البحرية والسيطرة على السواحل والمياه الإقليمية والموانئ والجزر اليمنية فيصبح الداخل تحت رحمته بطبيعة الحال.
*26 سبتمبر نت / علي الشراعي