سياسة أمريكا الجديدة في الشرق الأوسط تعتمد على “القيادة من الخلف”
منذ وصول أوباما إلی البيت الأبيض، اتجهت العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط نحو “التحول إلی آسيا”.
وقد أکدت هذه الإدارة منذ البداية علی أهمية آسيا بالنسبة إلی المصالح الوطنية لأمريکا في جميع المجالات. ومع ذلك، فإن هذا التأكيد اللفظي علی آسيا قد أثار استياء العديد من حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، الذين کانوا يخشون أن يتم التخلي عن هذه المنطقة بعد فك الارتباط مع العراق وأفغانستان.
التطورات العربية تحدَّت نهج أوباما الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ووضعت هذه المنطقة في صدر أهداف السياسة الخارجية لأمريكا. ومع ذلك، على الرغم من أن هذه الهبّة الاجتماعية والسياسية في المنطقة، قد أثَّرت علی شركاء أمريكا الإقليميين الرئيسيين، ولكن قبل صعود تنظيم داعش الإرهابي، لم تکن المصلحة الوطنية لأمريكا في خطر أبداً، وحتى بعد ذلك أيضاً فإن تعريف داعش في الموقف الأمريكي کان يبدو غامضاً. ونتيجةً لذلك، کانت إدارة أوباما متردِّدةً في قيادة معركة شاملة ضد تنظيم کان تهديده موجَّهاً إلى المجتمعات والسكان المحليين بشکل أساسي.
“القيادة من الخلف” إستراتيجية لتقليل الخسائر البشرية والمالية
وبالتالي، على الرغم من أن الاستقرار في الشرق الأوسط يمثِّل أولويةً بالنسبة لأمريكا لفظياً، لکن إستراتيجية “القيادة من الخلف” الجديدة من قبل أمريكا، تُبيِّن أنه يجب تعزيز الحلفاء للحفاظ على الأهداف الاستراتيجية والعملياتية في المنطقة. وهكذا، فباستخدام هذا المبدأ القائل بأن الشركاء المحليين هم الذين يجب أن يحلوا القضايا المحلية، سيتم تبرير تقسيم تكلفة الحرب أيضاً، كما قال أوباما في أماكن مختلفة إنه “في النهاية، أمريكا لا يمکنها أن تحل جميع المشاكل في الشرق الأوسط. يجب علی الشعوب في الشرق الأوسط أن تحل بعض هذه المشاكل بأنفسهم”.
إحالة الصلاحيات والتكاليف إلی شركاء أمريکا الإقليميين قد تمت عبر أساليب وأشكال مختلفة. بشكل غير مباشر، وضعت أمريكا تكلفة الحرب مع داعش في العراق علی کاهل إيران. فعلی الرغم من إعلان المسؤولين الأمريكيين بشكل قاطع أنه ليس هناك أي دمج للقوات على الصعيد العملياتي، كان المستشارون الإيرانيون ينفذون بشكل غير مباشر العمليات البرية المطلوبة لإتمام العمليات الجوية الأمريكية ضد داعش. والنموذج المباشر لهذه الاستراتيجية هو المساعدات الأمريكية العسكرية للحلفاء العرب في الشرق الأوسط، وخاصةً مصر والأردن والدول الخليجية. وفي حين أن تجهيز وتدريب وتقديم المشورة من قبل أمريكا للجيوش في الشرق الأوسط، قائمٌ منذ عقود، ولكن إدارة أوباما هي الإدارة الأولى التي اعتمدت بشكل مباشر على القدرات العسكرية للجيوش العربية، لاحتواء التهديدات الإقليمية.
کما استخدمت أمريكا مباشرةً الجهات الفاعلة غير الحكومية. حيث قامت بتجهيز وتدريب وحدات الجيش الحر في سوريا وقوات ما تسميهم بالمعتدلين مثل حركة الحزم. وفي شمال العراق، قدَّمت القوات الخاصة الأمريكية المعدات والتدريب لقوات البشمركة، کي تقاتل علی الأرض ضد داعش بدلاً منها.
الطائرات بدون طيار بدل نشر قوات خاصة
وتعتبر التكنولوجيا بديلاً مهماً آخر لأمريكا في الشرق الأوسط. إذ تعتمد إدارة أوباما وفي محاولة لتجنب نشر قوات برية، على القدرة الجوية للطائرات مع أو بدون الطيار بشكل كبير. کما زادت إدارة أوباما من خطة الطائرات بدون طيار المسلحة، والتي كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على التحرکات الأمريكية في الشرق الأوسط.
لذلك ففي ظل الوضع الراهن، يمکن مشاهدة تأثير سياسة أوباما مع منطق “القيادة من الخلف” أو القيادة خارج الرأي العام، وخصوصاً في الشرق الأوسط، حيث أدت فيها الانتفاضات العربية إلی تزايد التوتر وعدم الاستقرار في هذه المنطقة المتأزمة، وتحولت الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية إلی ممثل أمريكا المباشر وغير المباشر في الحرب بالوكالة، والتي تعمل علی توفير الأمن والاستقرار مع تدخل محدود من قبل أمريكا. ونتيجةً لذلك، فإن دور أمريكا في الشرق الأوسط يتم تعريفه بعدم الحضور، وعدم الحضور هذا يمکن ملاحظته مدة عقدين من الزمن بعد فترة من التدخل المباشر.
#الوقت