الولاية.. ونتائجها بين الإيمان بها والنكران
الصمود|| مقالات|| منير الشامي
احتفل شعبنا اليمني يوم الخميس الــ18 من شهر ذي الحجة بمناسبة ذكرى عيد الغدير للعام الهجري ١٤٤٤هـ في أكثر من 140 ساحة في عموم محافظات الجمهورية المحررة من دنس الغزاة ورجس المرتزقة بزخم جماهيري كبير عكس وعي المجتمع بأهمية الولاية ومكانتها الرفيعة من دين الله وفي نفوسهم كمبدأ ديني أكمل الله به الدين وأتمم به نعمته ورضي به الإسلام ديناً لهم كما ذكره سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
والتي نزلت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غدير خم بعد أن بلغ الناس بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام امتثالاً لأمر الله له بقوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، ولو أن الأمة أطاعت الله ورسوله في هذا الأمر بالذات ولم تخالفه لما اختلف فيها اثنان ولما انقسمت وتمزقت شيعاً وأحزاباً ومذاهب وذاق بعضها بأس بعض ولما جنت البؤس والشقاء وعانت الجور والظلم وتسلط الظلمة والطغاة على رقابها جيلا بعد جيل إلى هذا اليوم الذي أصبحت فيه كغثاء سيل لا قيمة لها ولا وزن خاضعة مستكينة مضروبة بالذل والمسكنة بدلاً عن أعدائها، وكل ذلك كان سببه الرئيسي وبدايته مخالفتها لبلاغ نبيها يوم الغدير، وبعيداً عن الخوض في تأويل كل من جحد ولاية أمير المؤمنين عليه السلام للنصوص القرآنية الواضحة التي نصت على ثبوت ولايته، فإن الأمة أجمعت بسنتها وشيعتها على حديث الغدير وصنفته كل مذاهبها بالحديث المتواتر الذي يعتبر أصح الاحاديث وأقواها وأكثرها طرقاً في الرواية وقوة السند كما هو مدون بمختلف كتب الحديث (الصحاح والسنن) إلا أن اكثر علماء أهل السنة يتحاشون ذكر هذا الحديث والخوض في المضمون الذي احتواه والمتمثل بولاية الإمام علي عليه السلام من يوم السقيفة وإلى اليوم وإذا ما سئلوا عنه واجبروا على الخوض في واقعة الغدير فإنهم يأولون معناه إلى غير مقاصده الحقيقية كما فعلوا ذلك في كتبهم بقولهم أن المقصود بموالاة علي التي وردت في حديث الغدير هو محبته وإجلاله وليس المقصود منه ولايته أمر الأمة وخلافته لها بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسك زمام أمرها وهذا يعني أنهم ينكرون ولاية الإمام علي عليه السلام، وهنا أتساءل ويتساءل الملايين من المسلمين على الأرض: ما هي دوافعهم للبقاء على هذا الموقف الغريب وعلى هذا الإصرار العجيب حتى اليوم؟ وهم وأسلافهم يعرفون بطلان تأويلهم وضلال تفسيرهم كما يعرفون أبناءهم.
قد يكون هناك مبرر لتمسك وإصرار أولئك الذين سخروا هذا التأويل لسلب الحق من أهله وللطغاة الظالمين الذين ولدوا من رحم هذا التأويل الضال بعدهم، لكن اليوم بعد مرور أكثر من ١٤٠٠عام لم يعد هناك مبرر لشيوخ وعلماء المذاهب السنية التمسك بهذا التأويل الباطل!
فتلك أمة قد خلت كما اعتادوا قول هذه العبارة للهروب من إقرارهم بحقيقة هذا الأمر!
ألم يئن الأوان أن يعترفوا بالحقيقة التي أنزلها الله وأمر رسوله بتبليغها للأمة وتصحيحها في كتبهم بعد مضي هذه القرون حتى تستنير أجيالهم بنور الحقيقة وتتسلح بها لمواجهة أعداء الأمة في هذا العصر الذي تكالب فيه أعداؤها عليها من كل فج؟ ألا يدرك هؤلاء أن هذا الأمر كان السبب الرئيسي في اختلاف الأمة وتفرقها لأكثر من أربعة عشر قرنا، وسبب المحن والكوارث التي جنتها، وانهار الدم التي سفكت من أبنائها في مجازر ظالمة وصراعات قاتمة بين طوائفها المتناحرة على السلطة من بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام وحتى اليوم؟
ألا يدركون أن تصحيح ثقافة الأمة بيوم الغدير يمثل الخطوة الجوهرية لاتحاد صفوفها واعتصام شعوبها بحبل الله وأن هذه الخطوة بيدهم؟ وأن الله سائلهم ومحاسبهم عن ذلك في يوم قريب!
ألا يكفيهم تفرق الأمة وتناحرها وتمزقها وضعفها وهوانها وتسلط أعداءها على رقاب أبنائها لـ14 قرناً من الزمان؟
إن ما يجري في واقع الأمة اليوم من أحداث ظاهرة ومتعاقبة لضربها في دينها وثقافتها واستهداف لشعوبها وهويتها ومؤامرات باتت مكشوفة تهدد وجودها.
تكفي كل مسلم ليعلم علم اليقين أن لا سبيل لخلاص الأمة ونجاتها من واقع الذل والهوان والبؤس والارتهان إلا بعودتها إلى الاعتصام بربها والتحرك وفق توجيهات قرآنها والوقوف بمواقفه الواضحة التي نزلت من الله لا التي أولت لتحقيق مصالح شخصية على حساب دين الله وهذا لن يتحقق إلا بتصحيح الأخطاء والانحرافات التي وقعت فيها الأمة وتنقية ثقافتها مما دس فيها من سموم التيه والضلال وهذه مسؤولية علماء الأمة وفي مقدمتهم علماء السنة: فهل آن لهم أن يفيقوا من غفلة التعصب والاختلاف؟