انهيار عدن… الحصاد المر لاستراتيجية العدوان
الصمود|| مقالات|| طالب الحسني
كواحد من الكتاب والإعلاميين الذين كُلفوا بمواجهة خطاب تحالف العدوان الذي تقوده السعودية في الحرب العدوانية على اليمن منذ العام 2015، تصورنا أن يكون واحداً من أسلحة التكتل الخارجي الإقليمي والدولي الذي يملك إمبراطورية مالية وإعلامية، تحويل المناطق والمدن التي يتواجد فيها كمدينة عدن إلى مناطق رخاء اقتصادي ومعيشي بهدف الاستقطاب ، خاصة بعد أن فشل في الاستقطاب الشعبي والقبلي والسياسي لأسباب تتعلق بالعناوين التي رفعها في الحرب على اليمن ولم تكن ذكية كفكرة الحرب لإيقاف التمدد الإيراني، أو حتى الحرب من أجل إعادة شرعية السلطة التي تكونت في العام 2011 ولم تقدم أي مشروع يجعل المواطنين منشدين إليها، أو عنوان حماية الأمن القومي والوطني للسعودية، مقابل العناوين الكبيرة التي رفعها التحالف الوطني، أنصار الله الحوثيين وحلفاءهم السياسيين والقبليين، كالدفاع الوطني ورفض التدخل الخارجي ومنع الاحتلال لليمن، وهي عناوين ثورية جاذبة وواقعية ومخاطبة للموروث الشعبي القبلي الحماسي .
ما حدث هو العكس تماماً عن تصورنا، إذ أن المدن والمحافظات التي تواجد فيها التحالف تحولت إلى بيئة طاردة للاستقرار والحياة والطموح بسبب الاضطرابات الأمنية والانهيارات الاقتصادية والنزاع العسكري والسياسي والمناطقي المستمر بين الفصائل التي عملت مع التحالف، ولهذا سرعان ما ظهر تيار بخطاب من داخل التحالف، محلي يمني، وإقليمي سعودي إماراتي قطري، ودولي بريطاني أمريكي كان لديه نفس التصور الذي توقعناه .
هذا الفريق بقي يتساءل: لماذا لم يعمل التحالف لتحويل عدن إلى نموذج مشجع !؟
صحيح أن تحالف العدوان على اليمن لم يكن لديه استراتيجية متعددة غير تلك التي تصورت الحرب سريعة وخاطفة، لكن كان بمقدوره أن يعمل شيئا في الأعوام الأولى من الحرب يمكن ما يسميها شرعية من البقاء والانتقال إلى عدن وإدارة الحرب وقبل ذلك اقتصاد المدن التي تم السيطرة عليها من هناك، من الجيد الإشارة إلى أن التحالف سيطر على منابع النفط والغاز في حضرموت وشبوة ومارب، وبالتالي ثروة اليمن التي تعتمد عليها الدولة التقليدية كانت تحت سيطرته .
ماذا حدث بعد 2015؟
لقد تصرف التحالف كعصابة محتلة، شجع تكوين قوى ومكونات وتيارات عسكرية تحمل السلاح خارج سيطرة ما كان يسميها وزارة الدفاع، شجع قيام فصائل ترفع شعارات وتوجهات وتحمل أفكاراً مناهضة للدولة، كالانتقالي الذي تأسس تحت مظلة الانفصال، وأسس كنتونات صغيرة جهوية ومناطقية، وسمح بتأسيس نخب عسكرية في كل محافظة واستقطب جماعات سلفية متطرفة وفتح الأبواب لتنظيم القاعدة وإشراكه في عمليات التحالف العسكرية ووزع أسلحة متوسطة وثقيلة على كل هذه المكونات بينما همشت الأحزاب وبعض القوى السياسية التي انحازت إليه رغم ضعفها .
لقد أسس كل مقومات إجهاض الدولة تماماً، وهذا بالفعل ما حصل لاحقاً، إذ تمرد الانتقالي على سلطة عبد ربه منصور هادي، وتمردت مجموعات مسلحة في تعز وسط اليمن ومارب شرق اليمن وشبوة جنوب شرق على معسكرات ما يسمى الشرعية ورفعت فصائل مسلحة كانت صغيرة ثم كبرت السلاح في وجه الفصائل الأكبر منها، وبالتالي أصحبت عودة هادي ولاحقاً العليمي والاستقرار في عدن شبه مستحيلة .
ودعونا نقول بكل وضوح أن الأزمة الاقتصادية الراهنة وسقوط العملة المحلية مقابل الدولار والعملات الصعبة وانعدام الخدمات، والفوضى الأمنية والصراع السياسي والعسكري ليست سوى نتائج لتراكمات كبيرة من الفشل في إدارة التحالف لأدواته وللمدن التي يحتلها في جنوب اليمن ـ وسيان إن كان التحالف يدرك ذلك أو لا، فمن الصعب القيام بمعالجات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية من الآن وصاعداً، مثلما كان متاحاً بادئ الأمر .
في المقابل اتجهت المكونات الوطنية في العاصمة صنعاء والتي يصفها التحالف بأنها “مليشيات” مسلحة، إلى تأسيس الدولة، وضبطت حمل السلاح ( غير الفردي، إنما تكوين مجموعات مسلحة )، وعززت قوة القوات المسلحة تحت قيادة وإشراف وزارة الدفاع وتطورت من الأجهزة الأمنية بما في ذلك إعادة تشكيلها بما في ذلك جهاز المخابرات، ونظمت العمل السياسي وفتحت الأبواب للقوى والأحزاب السياسية تعمل كأحزاب وقوى مدنية وليس عسكرية، ودعمت الحكومة المركزية وهي حكومة ائتلافية مكونة من عدد من الأحزاب السياسية بما في ذلك تلك التي لم تصل للشراكة السياسية طوال عقود، كحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب جبهة التحرير الوطني وحزب الحق وحزب الأمة، وعززت من مركزية المجلس السياسي الأعلى الذي يقوده الرئيس المشاط منذ استشهاد الرئيس صالح الصماد في 18 أبريل 2018، وأعادت تفعيل سلطات البرلمان ووحدت الخطاب السياسي والإعلامي، وصنعت المستحيل في الجانب الاقتصادي.
حين نتحدث عن الجانب الاقتصادي علينا عدم إهمال أنه اقتصاد مقاوم في ظل حرب وحصار، فالحكومة الحالية التي يقودها الدكتور عبد العزيز بن حبتور حكومة مقاومة، وأنتجت اقتصاداً قائماً دون الثروة النفطية والغازية، وعملت على استقطاب مفتوح للقبائل حين أشركتهم في السلطة سواء التنفيذية المركزية أو السلطات المحلية، وأضافت عدداً كبيراً من الشخصيات القبلية إلى مجلس الشورى، وحققت نجاحات كبيرة ومبهرة في الثبات الاقتصادي، رغم الحصار وعدم الاعتراف الدولي والإقليمي بتبعاته الكبيرة .
ما لا يستطيع التحالف القيام به الآن هو الكثير من عوامل بقاء الوضع الحالي كما هو بما في ذلك عدم قدرة حكومة العليمي الوصول إلى تصدير النفط والغاز والحصول على مردودها المالي لمعالجة أزمته، فالأمر مرتبط بمعادلات عسكرية فرضتها صنعاء فمقابل رفع الحظر على تصدير النفط يجب أن تحصل حكومة صنعاء على 80% من العائدات لدفع رواتب الموظفين وهذا صلب العملية التفاوضية الطويلة والتي تجري منذ أكثر من عام كجزء من عملية أوسع، ويجدر الإشارة هنا إلى أن تفكيك الحصار على صنعاء، لا يتعارض مع سياسة التحالف التي تستخدم الورقة الاقتصادية والحصار كورقة ابتزاز وضغط للحصول على تنازلات سياسية وعسكرية من الواضح أنها لن تحصل عليها، كما أنه يصعب على التحالف تفكيك الفصائل والمجموعات المسلحة المتنازعة وسحب سلاحها من محافظات جنوب اليمن وبالتالي البقاء في الدائرة المفرغة والتي تتناسل سلسلة مع الدوائر كلما طال الوقت، إذ لا يمكن مقارنة المشهد السياسي الحالي بما كان سابقاً ضمن مربع التحالف الذي تقوده السعودية، فبدل الأحزاب السياسية هناك مجموعات مسلحة بعضها جهوية ومناطقية وبعضها سلفية قريبة تماماً من تنظيم القاعدة.
التحالف مارس أكذوبة وجود دولة ومؤسسات دولة في عدن، وسوقها للمجتمع والرأي العام العربي والدولي، وهو نفسه غير مصدق لهذه الأكذوبة، ولهذا فإن إنقاذ اقتصاد وبنك عدن وتلافي إفلاسه بعد أن وصل سعر العملة المحلية مقابل الدولار إلى أكثر من 1400 بينما هي في صنعاء بـ530 أشبه بالمستحيل، خاصة أن كل طرق المعالجة مغلقة بما في ذلك وضع ودائع في البنك، فوضع الودائع حتى لو كانت كما أشارت السعودية في أعوام سابقة تتجاوز ملياري دولار، إذ كيف يمكن للاقتصاد أن يتعافى دون وجود بيئة ملائمة ودون وجود إدارة.