هل بدأت فرص السلام تتلاشى في اليمن ؟
الصمود|| مقالات|| علي ظافر
لم تهدأ الحرب في اليمن، في مختلف أشكالها، خلال مرحلة خفض التصعيد. فالإجراءات الأخيرة التي أقدمت عليها دول العدوان، لا تخدم السلام ولا توحي بالرغبة فيه، إذ أنها إجراءات حرب وليس غير ذلك، بدءاً بحجب نحو أربعين قناة وطنية يمنية عن يوتيوب، إلى تعزيز السعودية مرتزقتها بـ 1.2 مليار دولار وعرقلة ملف المرتبات، وقبلهما تخفيض الرحلات الجوية إلى مطار صنعاء، وتعقيد ملف الأسرى، والسباق العسكري، بالوكالة عن السعودية والإمارات، في اتجاه باب المندب، فضلاً عن التحركات الأمريكية والغربية المشبوهة، والتي تعقّد فرص السلام.
هذه المعطيات من شأنها أن تحبط فرص السلام بالتدريج في اليمن، إذا ما اقترنت بتعقيد المسارات الإنسانية، وصعوبة اختراق جدار تعنت دول العدوان في ملفات الحصار والمرتبات والأسرى. ويبدو أن ذلك هو ما دفع صنعاء مؤخراً إلى تصعيد لغة التهديد والتلويح بمعادلات عسكرية جديدة، من شأنها أن تقلب الطاولة على أطراف العدوان.
مهدِّدات السلام
في الأيام القليلة الماضية، وضمن صراع النفوذ العسكري الإماراتي السعودي على باب المندب، دفعت الرياض الفصائل الموالية لها إلى مديريتي المضاربة ورأس العارة، المطلتين على باب المندب، من أجل طرد فصائل الإمارات من هناك، وفرض واقع عسكري جديد، بينما عمدت أبو ظبي إلى تحريك الفصائل الموالية لها، بقيادة طارق عفاش، إلى منطقة طور الباحة، الواقعة جنوبيَّ محافظة لحج وبوابة الدخول لعدن، في مسعى منها للسيطرة على سواحل رأس العارة والمضاربة، وصولاً إلى رأس عمران القريبة من عدن، ولتكون حاجز صدّ إماراتياً في مواجهة الفصائل المدعومة سعودياً.
في موازاة ذلك حطّت قبل أسبوع طائرة عسكرية أمريكية تحمل على متنها عدد من ضباط المارينز والاستخبارات الأمريكية، يرافقهم السفير الأمريكي ستيفن فاجن كنوع من الغطاء الدبلوماسي على عمل عسكري استخباري أمريكي. وكشف محافظ لحج، الشيخ أحمد جريب، أن الأمريكيين نقلوا، خلال تلك الزيارة، أجهزة تنصت إلى قصر معاشيق، بالتزامن مع تحريكهم قطعاً عسكرية في اتجاه السواحل اليمنية.
التحركات الأمريكية والسعودية والإماراتية تؤكد حقيقة واحدة، هي أن دول العدوان مجتمعة لا تريد السلام، وإنما تستغل الوقت وضبط النفس، الذي تُبديه صنعاء، في مرحلة خفض التصعيد، من أجل تكريس التقسيم وتفتيت اليمن، وتثبيت الحضور العسكري وتكريس الهيمنة، في مقابل وعود فارغة لم يتحقق منها شيء على الصعيد الإنساني من باب أولى، باستثناء اختراق بسيط في ملف السفينة صافر، وإدخال عدد محدود من السفن والرحلات التجارية لمطار صنعاء، على نحو لا يرقى إلى مستوى الحاجة الإنسانية في اليمن المحاصَر والمدمَّر منذ تسعة أعوام.
خيارات صنعاء ومعادلاتها
في مقابل التحركات المعادية، يبدو أن صنعاء مضطرة إلى فرض خيارات جديدة لكسر حالة الجمود القائمة، وإسقاط رهانات التحالف على كسب مزيد من الوقت والفرص، وذلك ما تشي به تصريحات نائب وزير الخارجية حسين العزي، ومفادها أن “دول العدوان لم تتجاوز مربع الكلام بشأن السلام”، وأكد أن “التراجع عن الرحلات الإضافية نحو الوجهة الوحيدة من مطار صنعاء خطوة مَقيتة، تعكس عدم رغبة تحالف العدوان في السلام وبناء الثقة”، وأن استمرارها في المماطلة يفرض على صنعاء “الذهاب نحو خيارات أخرى”، في إشارة إلى تفعيل معادلات عسكرية مؤلمة.
الخيارات العسكرية يبدو أن ميدانها هذه المرة سيكون في المياه الإقليمية اليمنية، ليس في البحر الأحمر فحسب، بل ضمن مسرح عملياتي، ربما يمتد إلى العمق الحيوي لليمن في المحيط الهندي، وقد يشمل شعاع العمليات جزيرتي سقطرى وميون وغيرهما. وهذا ما لمّح إليه الرئيس مهدي المشاط، خلال زيارته لمحافظة المحويت، أواخر الشهر الفائت، عبر قوله إن صنعاء تعتزم، خلال المرحلة المقبلة، “إجراء تجارب في بعض الجزر اليمنية، بإذن الله، فعدونا متغطرس متكبر لا يعرف إلّا لغة القوة، وسنعمل كل ما نستطيع من أجل ردع العدوان”. هذا التهديد أعقبه تهديد مماثل لوزير الدفاع، اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، مفاده أن تكلفة الوجود الأجنبي غير المشروع في المياه الإقليمية اليمنية ستكون “باهظة الثمن”، و”سنقابل التحدي بالتحدي، والتصعيد بالتصعيد، والاحتلال بالمقاومة، والمناورات بالتطبيق العملي، والسلام بالسلام”.
حتى الآن، لا يمكن أن نجزم بالخيار العسكري، لكنه غير مستبعَد إذا استمرت حالة التعنت في الملفات الإنسانية، وإن استمر التحشيد والتدفق العسكريان والاستخباريان الأجنبيان إلى اليمن، فهذه الأمور من شأنها الإجهاز على ما تبقّى من فرص السلام، ودفع الأمور نحو جولة جديدة وقاسية من الحرب العسكرية، بالغة التكلفة اقتصادياً على دول العدوان، بما فيها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، حتى تعود الأمور إلى نصابها، ويستعيد اليمنيون حياتهم بصورة طبيعية وعبر سلام حقيقي دائم وعادل، والسلام بالضرورة يقتضي إنهاء كل أشكال الحرب العدوانية، وسحب كل القوات الأجنبية، ومعالجة ملفات الحرب، وبدء التفتيش عن مرجعيات سياسية جديدة تلائم المرحلة وتستوعب المتغيرات.