هل ستطبق فرنسا سيناريو “داعش” 2014 في غرب أفريقيا..؟
الصمود||تقرير|| محمد الحاضري
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الفائت، سحب سفير بلاده من النيجر ومغادرة القوات الفرنسية البالغ قوامها 1500 جندي المتمركزين في البلاد بحلول نهاية العام، وعلى نقيضه حذر وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو مما وصفه بالانقلابات العسكرية التي شهدتها منطقة الساحل وجنوب الصحراء الأفريقية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر ستؤدي إلى “انهيار” منطقة الساحل الأفريقية في ظل تصاعد أنشطة الجماعات التكفيرية.
قبل 12 سنة، في منطقة الشرق الأوسط أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من العراق في ديسمبر 2011 في عهد الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما، بعد أن احتلت البلاد لمدة سبع سنوات بذريعة “أسلحة الدمار الشامل” بسبب ضغط شعبي أمريكي طالب بالانسحاب من العراق بعد اكتشاف كذبة الأسلحة الكيميائية، بالإضافة ارتفاع فاتورة الاحتلال ماليا وبشريا، وكذلك انكشاف فضائع ارتكبها أمريكيون بحق العراقيين كفضيحة سجن أبو غريب.
وبعد ثلاث سنوات فقط من الانسحاب الأمريكي أفاق العلم على قيام دولة لـ”داعش” لتجتاح الجماعات التكفيرية محافظات ومساحات شاسعة من العراق وسوريا، حتى باتت على أبواب بغداد ودمشق، لتعود القوات الأمريكية مجددا إلى المنطقة وهذه المرة من بوابة محاربة “داعش”.
وفي منتصف يوليو 2014 أعلنت واشنطن بداية عملياته العسكرية وبتأييد دولي وداخلي أمريكي فقد رأى الجميع سكاكين “داعش” وهي تذبح مئات الآلاف أمام الكاميرات، علما أن “داعش” تحمل الفكر الوهابي وهو ذات الفكر الذي استخدمته الولايات المتحدة إبان حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ثمانينات القرن الماضي.
وعلى الرغم من الضربات الجوي والإعلان عن عمليات عسكرية لـ “التحالف الدولي” الذي تقوده أمريكا، إلا أن أوباما قال حينها أن بلاده تحتاج “30 عاما” لهزيمة “داعش”، وربما أكثر، فقد كان الوضع على الأرض مختلفا فالجماعات التكفيرية تواصل تمددها، وتشن هجماتها وتحصل على التمويل والسلاح بطرق سلسة وسهلة وبمساعدة “أجهزة استخبارات دولية”، باستثناء الإعلان عن مصرع قيادات لداعش، والذين تخرجوا من السجون الأمريكية، بغطاء إعلامي مكثف خلال فترات الانتخابات الأمريكية.
وبالعودة إلى النيجر، وبمقارنة الوضع في المنطقة العربية وفي غرب أفريقيا نجد تطابقا إلى حد كبير في كونهما مناطق غنية بالثروات المعدنية وكذلك حكوماتها وتحالفاتها موالية للغرب، غير أن أمريكا تهيمن على منطقة الشرق الأوسط كوريث لبريطانيا، فيما تهيمن فرنسا على غرب أفريقيا، وفقا لتقاسم قوى الغرب للعالم عقب الحرب العالمية الثانية.
ويرى محللون أن السيناريو الأمريكي في العراق وسوريا وانتشار الجماعات التكفيرية مرشحة بالعودة بقوة إلى غرب أفريقيا، كما ألمح وزير الدفاع الفرنسي اليوم، وبذلك سيتم إضعاف القوى الوطنية المناوئة للغرب وهز ثقة الشعوب الأفريقية بها، وكذلك وفتح الباب على مصراعيه لفرنسا وحلفاؤها للعودة إلى المنطقة بذريعة محاربة التكفيريين.
ولتجنب هذا السناريو على دول وشعوب أفريقيا الثائرة بداية التوحد في مواجهة الخطر التكفيري، والاستفادة من تجربة العراق وسوريا ومتابعة تمويل وتسليح الجماعات التكفيرية وضرب معاقلها، وليكون لها عبرة في الحشد الشعبي العراقي المحلي من أبناء العراق وبدعم من دولة إيران الجارة استطاع هزيمة داعش في ثلاث سنوات بعد أن كانت واشنطن وحلفاؤها طلبوا 30 سنة، وعلى الرغم أيضا من الغارات التي شنت عليها لصالح داعش، وكذلك في اليمن حيث استطاعت الحكومة في صنعاء المناهضة لأمريكا من القضاع على “داعش” و”القاعدة”، بإمكاناتها المحلية في حين تنتشر تلك الجماعات في مناطق الاحتلال جنوب وشرق البلاد الخاضع للهيمنة الأمريكية وحلفاؤها.
ونتذكر كيف تخبط قادة أمريكيا بعد هزيمة “داعش” في إيجاد عنوان بديل لتبرير وجود قوات بلادهم في المنطقة، فقد قال الرئيس الجمهوري الأسبق دونالد ترامب صراحة أن التواجد هو لحماية آبار النفط، قبل أن يعود عنوان محاربة “الإرهاب” مع مجيء الرئيس الديموقراطي الحالي جون بايدن في ظل تقارير إعلامية واستخباراتية تتحدث عن محاولات أمريكية لتدوير الجماعات التكفيرية، التي لا تظهر ولا تحارب إلا في أماكن الثروة في العالم وفي الأماكن الاستراتيجية التي تريد قوى الغرب أن تضع يدها عليها.