“طوفان الأقصى” وهوان الأنظمة العربية في اللحظة التاريخية!
الصمود||مقالات|| عبدالرحمن الأهنومي
حتى اليوم التاسع للعدوان على غزة لم تقم الأنظمة العربية الرسمية التي ترتبط بعلاقات مع العدو بطرد سفير صهيوني واحد ولا بإغلاق بوابة سفارة واحدة، ولا بموقف يدين ما يرتكبه العدو.
العدوان الصهيوني الفاشي على قطاع غزة أباد عوائل بأكملها ودمر أحياء عن بكرة أبيها في غزة، وعدد الشهداء يزيد عن 2700 شهيد وآلاف الجرحى، ولا زال موقف هؤلاء غائباً سوى بعض حديث حول التهجير، وتكريس التعبير الأمريكي اليهودي الفاشي بالحديث عن إدانة مقتل مدنيين من الطرفين حد تعبيرهم، دون تدقيق في مخاطر ما لتلك العبارة من تبعات على مسار العدوانية القائمة، وعلى مسار القضية برمتها، وعلى مسار تكريس معادلة خائبة بين شعب يقاوم ويقاتل دفاعا عن حقه المشروع، وبين كيان فاشي يجلب مستوطنين من كل الأصقاع وينصبهم في بلدات ومناطق الشعب الفلسطيني.
هذا الخذلان والتيه والانحراف يعبِّر عن خيبة كبيرة فيما كان المأمول أن تفتح طوفان الأقصى مسارا عربيا فاعلا بما أحدثته من تداعيات على كيان العدو الصهيوني.
ومن المخزي أن يتموضع الموقف الرسمي لهذه الأنظمة ببعض جولات مكوكية تركز على البعد الإنساني، وتترقب موافقة الكيان الفاشي للسماح بإدخال المساعدات، وبانتظار بلينكين وبما يأتي به، هذا الهزال والضعف في التعامل مع ما يقوم به الكيان اليهودي الفاشي من إبادة في غزة يعري هؤلاء.
لم يعودوا عرباً بالمطلق، وإلا كان عليهم أن يدركوا قيمة الموقف العربي في مواجهة العدو اليهودي الذي ضرب بمبادرات السلام وكل القيم والاعتبارات الإنسانية عرض الحائط، وأن هذا الخذلان يُسقط كل المنطقة العربية ويكشف ظهرها للكيان اليهودي الذي يشن حروبه على المنطقة برمتها ويعيد توزيع أدواره من خلالها بما يحقق له وهم “إسرائيل من المحيط إلى الخليج”.
هذا السلوك الخائب أسبابه تعود إلى ما حدث من خلل استراتيجي في التعاطي مع القضية الفلسطينية العربية الإسلامية، هذا الضعف ما كان له أن يحصل لولا سيرك الانكفاء عن المواجهة بالسلاح بدءاً بكامب ديفيد وأوسلو وصولا إلى السلام العربي، وتحولا إلى تطبيع بعض الخونة الأدعياء، وما تبقى من هزال اليوم هو هش وضعيف.
على الرغم من أن (طوفان الأقصى) بعثت طوفانا من الأمل والاستنهاض من حالة الدعة والهزيمة لكل الأنظمة العربية، غير أن معظم الزعماء باتوا دون أن يدركوا تلك القيمة ولا أهميتها، حتى البيان الذي صدر عن الخارجيات في الجامعة العربية ساوى في الإدانة بين الصهاينة وبين المقاومين الفلسطينيين، ما عدا الجزائر التي رفضت البيان وقالت إنها توجه إدانتها للعدو الصهيوني فحسب، وأكدت بأن الشعب الفلسطيني ومقاومته في حالة دفاع ومواجهة لاحتلال غاصب، وهذا الموقف مشرف للجزائر.
حالة الانهزام والهشاشة هذه في لحظة غير مسبوقة تعبير عن الانحدار الذي وصلت إليه هذه الأنظمة، ، على الرغم من أن (طوفان الأقصى) وضعت فرصة مميزة لاستعادة قوة الموقف، وترميم الإهانات التاريخية التي وصمت هذه الأنظمة بالانتكاسات التي تتالت طيلة عقود.
لم يكن من المتوجب أن تنتظر مصر أو تركيا حتى أو غيرهما أن تستسمح العدو الفاشي اليهودي إرسال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، كان يكفي أن تحرك المساعدات وقوافلها وإبلاغ الكيان وداعميه بأن أي قصف للمساعدات سيقابل بعمل مماثل أو حتى بطرد السفراء وتفعيل أوراق ضاغطة وهي كثيرة جدا جدا وفي أيدي هؤلاء الحكام.
والذهاب لهذا الخيار سيقوي هذه الأنظمة في مواجهة عدو فاشي متربص بكل عربي مسلم، وسيمكنهم من فرض منطق مختلف على مسار الحرب المتواصلة، وفرض منطق مختلف على مسار الحرب العدوانية المتواصلة، وسيكون نقلة نوعية في سياق الصراع.
(طوفان الأقصى) فتحت فرصاً للخائبين والمهزومين من رؤساء وزعماء الأنظمة العربية، لكن الواضح أنهم قد خذلوا جميعاً وأشتاتاً.
الوقت ما زال مواتيا للخطوات وأبرزها سحب جماعي للسفراء العرب وممثليهم المتواجدين لدى العدو في تل أبيب، ووقف كل أشكال العلاقات مع العدو الصهيوني اليهودي على أقل حال حتى يرضخ لوقف العدوان على غزة، ويذهب نحو طريق السلام العربي المنبطح في الحد الأدنى، وليس إلى ما نراه نحن الشعوب العربية من حتميات لا بد منها وأولها زوال الكيان الصهيوني، ومع ذلك لم يفعلوا!
هذا الهوان وهذا الاستلاب في اللحظة التاريخية يشير إلى انحراف عصف بهذه الأنظمة المتحدرة عن بعضها، وبكل تأكيد فإن سحب السفراء وطردهم، وتجميد العلاقات على الأقل، لا يضيف قيمة للمقاومة الفلسطينية في غزة، فالمقاومون معتمدون على الله وعلى أحرار الأمة، لكنه سيمنح هؤلاء الحكام قيمة سياسية أفضل من حال كهذا، على الأقل لتتحرك بنصف ما يتحرك به وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان، وليستعيد هؤلاء بعضا من ملامح عروبتهم، لكنهم لم يفعلوا وبكل أسف.