صمود وانتصار

أمريكا ما بعد “طوفان الأقصى”

الصمود||مقالات|| منصور البكالي

عملية “طوفان الأقصى” ليست مُجَـرّد عملية عسكرية تعيد للشعب الفلسطيني وطنه المغتصب وأرضه المحتلّة منذ 1948م فحسب، بل هي نقطة محورية غيَّرت موازين القوى، وكثير من مواقف الشعوب والحكومات، وماضية في تغيير وجه المنطقة، وإعادة رسم الخارطة وتحالفاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلى ما قبل وجود الاستعمار البريطاني للعالم، وفق معايير عادلة ومنصفة، تحفظ حقوق الشعوب وحرياتها ومقدراتها واستقلالها، وهُــوِيَّاتها الثقافية والدينية، وتصون قيم ومبادئ المجتمع البشري، من الهجمة الشيطانية لقوى الشر والطغيان، التي تتزعم قيادتها في هذا العالم الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

وها هي اليوم تنجح في تغيير الصورة الذهنية، عن حقيقة مظلومية الشعب الفلسطيني التي حرصت قوى الاستكبار العالمي على تقديمها بشكل مشوه ومغاير للواقع، عبر أكبر وأضخم ترسانة إعلامية مضللة، فخرج غالبية شعوب العالم في مسيرات واحتجاجات غير مسبوقة لمساندة الحق الفلسطيني، وتنديداً بجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يتعرض لها أبناء فلسطين في قطاع غزة المحاصرة، بتمويل ومساندة رئيس أمريكا جو بايدن، وتنفيذ حكومة كيان الاحتلال الصهيوني نتنياهو.

كما نجحت عملية طوفان الأقصى، في تعرية الإدارة الأمريكية، وفضح سياستها الخارجية المعتمدة على تحريك الأدوات، والأذرع، التي ماطلت وتثاقلت هذه المرة من التحَرّك الفوري لتنفيذ موجهات البيت الأبيض، في وجه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ما أجبر الرئيس “بايدن” على الحضور بنفسه ومعه عدد من الأساطيل والمدمّـرات وحاملات الطائرات، إلى المنطقة، ما يكشف عمق الهزيمة التي لحقت بكيان الاحتلال، وأثرها في هز أركان الإمبراطورية الأمريكية، التي تعاني من وهن الجبهة الداخلية، وتراجع النفوذ في مختلف الملفات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، في العالم، ومحدودية فاعليتها وأثرها، في أوكرانيا أمام روسيا، وفي المنطقة العربية أمام محور المقاومة على حَــدّ سواء.

أما إذَا ما نظرنا لخطابات ولقاءات “بايدن” الأخيرة: التي تعمدت سرد عبارات التحيز لكيان الاحتلال ومدى أهميته بالنسبة للإدارة الأمريكية، من خلال مقولته القديمة التي أفصح عنها “لو لم تكون إسرائيل موجودة لأوجدناها”، وغيرها من العبارات، ما ينبئ عن مقدار الاستفادة الأمريكية من توظيف هذه الكيان وتسخيره في ابتزاز حكومات شعوب المنطقة ومصادرة ونهب مقدراتها، ومقدار الخسارة الأمريكية إذَا ما نجح الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه ومقدساته.

وإذا كانت عملية طوفان الأقصى مُجَـرّد مؤشر واحد جعل أمريكا في موضع الارتباك والتخبط والرمي بكل ثقلها لمواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية، فكيف هو حالها اليوم وقواعدها العسكرية تقصف في العراق وسوريا واليمن، وكيف سيكون عليه الحال لو بدأت المعركة الكبرى والشاملة في المنطقة؟!

إضافة إلى ذلك، نؤكّـد أن هناك تغييراً كَبيراً في المنطقة، على رأسه قوة الأثر لوحدة ساحات المقاومة ومفاعيلها، ومستوى التنسيق والإعداد والتحضير لخوض المعارك العسكرية الواسعة، وفق خطط استراتيجية موحدة الأهداف والمقاصد، تسير في الميدان بخطوات ثابتة، ومدروسة، أثبتت فاعليتها الميدانية في ساحات المواجهة مع الأعداء، وتقود إلى نتيجة واحدة مفادها هزيمة أمريكا في المنطقة وزوال كيان الاحتلال.