يمن العزة في زمن الهوان العربي
الصمود||مقالات|| عبدالرحمن الأهنومي
جاء خطاب قائد الثورة المباركة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، يوم أمس، في تدشين الذكرى السنوية للشهيد ليؤكد نصرة اليمن لغزة، ويرسم معادلات عسكرية تتجاوز الضربات العسكرية على أهداف صهيونية في فلسطين المحتلة إلى خارجها، وفي البحر الأحمر بالتحديد، السيد حفظه الله أشار إلى أن اليمن اتخذ هذا الموقف وهو مستعد لكل تبعاته، كونه شعباً مجاهداً رفع راية الجهاد وقدم التضحيات الكبيرة في ثباته على موقفه تجاه القضية الفلسطينية، ويرفع شعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل منذ زمن، ويُعتبر الخطاب الذي ألقاه أمس من أهم خطاباته، وهو أول خطاب عربي يذهب إلى مستوى واسع من التصعيد العسكري على كيان العدو الصهيوني، ولذلك ما له من دلالات وأبعاد حول موقف اليمن وقائده السيد حفظه الله.
فمنذ السابع من أكتوبر الماضي، يتعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لإبادة بكل ما تحمله كلمة الإبادة من معانٍ وأشكال، ويوما بعد آخر تتصاعد وحشية العدوان الصهيوأمريكي الغربي المحتشد بقضه وقضيضه على القطاع المحاصر والمحاط بالدبابات الإسرائيلية من جهة، وبالبوابات العربية الموصدة من جهة أخرى «رفح»، يأخذ الموت أوجها وأشكالا عديدة بحق أهلنا المظلومين في غزة، العدو الصهيوني يدمر كل أوجه الحياة ومقوماتها، ويمارس القتل الجماعي للبشر في غزة، يضع الجميع أطفالاً ونساءً وشيوخاً وشباباً أهدافا يترصد قصفها بأفتك القنابل، المجازر مروعة وموحشة ولا تتوقف، يدمر البنى السكنية والمستشفيات والمنشآت الحياتية الخدمية بلا تمييز بين منشأة وأخرى، بل ويترصد قصف البنى المكتظة أكثر بالأطفال والنساء والرضع متعمدا قصفها، فيقصف المدارس المكتظة بالنازحين والمستشفيات والمساجد وحتى الكنائس المكتظة بالنازحين أيضا، ويقطع كل موارد الحياة بما فيها الماء والدواء والوقود وكل أساسيات البقاء.
لا يمكن الحديث عن الحرب العدوانية على غزة بأقل من وصفها إبادة جماعية متوحشة وبشعة، باستخدام وسائل قتل تتجاوز توقعات الفعل البشري العاقل وتصوّراته الميثولوجية، لاصطفائه العرقي ونزعته الغريزية لصراع البقاء.
ومن المؤكد والمقطوع به ألا قوانين دولية، ولا منظمات أممية ولا مجتمعا دوليا ولا مجلس أمن ولا أمماً متحدة، ولا قيماً إنسانية يدعيها الغرب ستوقف هذه العربدة الوحشية على غزة المظلومة، فمنذ اليوم الأول احتشد الأمريكي ودول الغرب قاطبة لمساندة ودعم حرب الإبادة الهمجية، فأمريكا أرسلت أسلحتها وذخائرها وحاملات طائراتها وبوارجها وشحنت أفتك الأسلحة لتسليح الحرب، ولم تتوان الدول الغربية في مساندة الحرب الإجرامية بعدما رمت بكل عناوينها الإنسانية التي تتشدق بها لعقود طويلة جانبا، وباركت المذابح الصهيونية بل وبررتها وأيدتها ووفرت إمكانياتها لتذخيرها وتسليحها، هذا على المستوى العسكري.
أما على المستوى السياسي والدبلوماسي والإعلامي فعلى خلاف ما كان سائدا في الحروب الصهيونية الماضية، حين كانت دول الغرب تتحدث عن بعض حقوق الإنسان والإنسانية وحقها وضرورات مراعاتها، وتتبنى مواقف هامشية تحافظ بها على بعض العناوين الإنسانية التي تتشدق بها، وبالادعاء بأنها ستتخذ إجراءات فعلية لوقفها، ففي هذه الحرب الوحشية أعلنت دول الغرب، وعلى رأسها أمريكا صراحة ومجاهرة – أن إجراءاتها الفعلية ليس لإيقاف حرب الإبادة على غزة، بل لاستمرارها، وما زالت تقودها وتبارك مذابح العدو الصهيوني، وتزوِّده بأبشع وسائل القتل وأحدثها وأذكاها، كاشفة عن الوجه الحقيقي للحضارة البشرية الهمجية التي خاضت حروبا متنقلة في مختلف بقاع الأرض، بذريعة الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الاستبداد والإرهاب، تحت شعاراتٍ إنسانية ليبرالية زائفة شاهدناها تتساقط بالمجاهرة، حين هرع رؤساء أمريكا والدول الغربية قاطبة وكل مسؤوليها إلى تل أبيب، لترديد جملة واحدة «نحن مع إسرائيل»، ومع ما تفعله من مذابح في غزة هي الأفظع وحشية منذ وجود هذا الكيان على أرض فلسطين عام 1948، وأكثر حروبه دموية وإرهابا وتوحشا.
ومع هول ما يمارسه العدو الصهيوأمريكي في غزة من إبادة جماعية بحق أهلنا المظلومين في غزة، ومن سحق وتدمير للبشر والحجر والبنى، ومع ما شهدناه من احتشاد أمريكي غربي بالغ في الإجرام والطغيان، كان حريٌّ بأن يرقى موقف النظام الرسمي العربي إلى الفعل – وإن كان صغير – كفتح معبر رفح أمام الاحتياجات، وأن يترقى في بياناته إلى مستوى أعلى مما كان عليه في السابق، لكنه انحدر إلى الهاوية، فحتى لغة البيانات انتكست إلى ما دونها بكثير، وقد خرجت قمة الرياض ببيان لا يصدر عن مدرسة ابتدائية – حسب وصف قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ولم تخرج القمة بنصف خطوة لنصرة غزة أو إنقاذ طفل واحد في ديارها.
انعقدت القمة قبل أيام في الرياض، حضر 57 زعيماً عربياً ومسلماً، صدر بيان هزيل وبمستوى أقل من عادي، وصادر عن قمة طارئة استثنائية، البيان وما تضمنه كان تعبيرا عن ضرورة فتح معبر رفح الذي لم يفتح إلى اليوم، ولن يفتح بالبيان بكل تأكيد، والأمر الأخطر أن النظام السعودي وأمثاله يتواطأ مع الكيان الصهيوني ويذهب لتدشين احتفالاته وسفوره بالتزامن مع إيغال العدو الصهيوني في المذابح الوحشية بحق الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، لكأن النظام السعودي يحتفي ويحتفل بذلك ويرقص طربا لتلك المذابح، وهو موقف فاضح مستفز للمشاعر الإنسانية والضمير البشري.
كانت أمنيات البعض من أمة المليار ونصف، أن يخرج زعماؤهم الـ57 من قمتهم بأدنى المواقف التي يمكن أن تحفظ للزعماء أنفسهم حدا أدنى من الكرامة الإنسانية، والشرعية السياسية والأخلاقية والوطنية، وأن يحافظوا على مبرر وجودهم السياسي والمؤسسي في رئاسة هذه الأنظمة والحكومات، من خلال أن تقطع هذه الأنظمة علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع الكيان الصهيوني المجرم، وأن تفتح معبر رفح أمام المساعدات وليس لا سمح الله أن تحرك جيوشها لتحرير فلسطين وتدافع عن غزة فذلك لا سمح الله شرف لا يناله إلا المجاهدون في سبيل الله من أبناء فلسطين وأحرار أمتنا العزيزة.
وربما كانت أمنية بعض من أمة المليار، من زعمائهم أن يعلنوا فتح الحدود أمام أي مبادرة شعبية لدعم شعب فلسطين بكل الوسائل المتاحة، وأن يستخدموا ما تمتلكه أنظمتهم من عناصر قوّة سياسية أو اقتصادية للضغط على العدو الصهيوني لوقف هذه الإبادة التي يرتكبها في غزة، وليس لتحريك جيوشهم، لا سمح الله، لكن وبدلا عن ذلك قامت هذه الأنظمة بتفعيل أسلحة الدفاع الجوي لديها لاعتراض الصواريخ اليمنية وحماية الكيان الصهيوني، وحركت أجهزتها الأمنية لمنع أي مظاهرات شعبية في بلدانهم تتضامن مع غزة، وتجندوا جميعا كحراس شرطة لكيان العدو الصهيوني.
وحدها حركات المقاومة فعلت ما بوسعها وما زالت تفعل وتوجع العدو من لبنان إلى العراق وسوريا، وهي بذلك ربما تغسل شيئا من عار النظام الرسمي العربي الملطخ بالخيانة والهوان والذل.
ووحده اليمن شعباً وجيشاً وقائداً – أعلن الحرب العربية رسميا ضد العدو الصهيوني ووجّه الصواريخ والطائرات على الكيان الغاصب، وهو بذلك يصنع المفاجآت بعد عقود من التردي والهوان العربي الشامل.
ووحده قائد اليمن السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أخذ بالموقف إلى مستوياته، شعبيا بالدعم المالي والتجنيد والتحرك الشعبي الفاعل والضاغط على العدو، وعسكريا بالفعل العسكري الناجز مستمرا في التنفيذ نحو فلسطين المحتلة، بل ومهددا بتوسيعه إلى خارج فلسطين، وإلى البحر الأحمر بالتحديد لضرب السفن الإسرائيلية، التي تتخفى اليوم مذعورة خائفة من البحرية اليمنية التي تترصد أي سفينة صهيونية لضربها، والسيد عبدالملك حفظه الله بذلك يمنح الأمة الأمل والثقة بما يمكن أن يفعله زعماء ورؤساء العرب والمسلمين جميعا، ويضعهم جميعا أمام الامتحان التاريخي الكاشف لأخلاقهم وإنسانيتهم وعروبتهم.
ووحده الجيش اليمني أعلن الحرب المباشرة على الكيان الصهيوني، ولعلها المرة الأولى منذ زمن بعيد يسمع العالم بأن جيشا عربيا يقصف الكيان الصهيوني، ولعلها المرة الأولى في التاريخ تصبح السفن الإسرائيلية أهدافا عسكرية في المياه الدولية، ولا تمخر عباب البحر الأحمر، أو على خوف تبحر مذعورة ومتخفية عن الرادارات والأعين اليمانية التي تترصدها وتبحث عنها على مدار الليل والنهار، ولعلها المرة الأولى التي يشكو الكيان الصهيوني رسميا من دولة عربية، حينما قّدم مندوبه في مجلس الأمن شكوى باليمن على خلفية الضربات الصاروخية والجوية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية على أهداف في الكيان، وربما في قادم الأيام سيشكو تعرض سفنه وقواعده في البحر الأحمر وسواحله المشاطئة للقصف والضرب اليمني.. ولذلك ما له من دلالات وأبعاد، فمن عادة الكيان الصهيوني أن يصدر التوجيهات إلى الأنظمة العربية، وليس من عادته أن يشكو بها.
وما يفعله اليمن ليس موقفا سياسيا يريد التفاخر به أو المزايدة أو تسجيل النقاط على طرف من الأطراف، بل يعتبر أقل واجب إيماني مفروض بالقرآن وبالإسلام وبالإنسانية وبالانتماء الإسلامي والأخلاقي والإنساني والعروبي، نصرة للمظلومين في غزة، وردعا للعدو الإجرامي اليهودي الغاصب المحتل لفلسطين.. والله الناصر لعباده المجاهدين.