صمود وانتصار

لعنة العقد الثامن وحتمية زوال “إسرائيل”

الصمود||تقرير|| يحيى الشامي

تُحذّر مراكز الدراسات الإسرائيلية المختلفة الاقتصادية والاجتماعية من تبعات الحرب وإفرازاتها التي تهدد المجتمع اليهودي بالانهيار على وقع خسائر الحرب المترتبة والانقسامات الحادة التي تعصف بالمجتمع والمؤسسة العسكرية اليهودية الحاكمة، وعلى ضوء الروايات الإسرائيلية المبشّرة بالزوال.

نحو الانهيار تتسارعُ خطواتُ المجتمعِ اليهودي في الداخل الإسرائيلي، فمع استمرار الحرب وفقدان الأمن تؤكّد مراكز دراسات وبحوث متخصّصة على ارتفاع معدلات الهجرة العكسية حيثُ كشف إحصاء إسرائيلي عن هجرة ما يقرب من 900 ألف إسرائيلي منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

ويشير تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، أُجري بين عامي 2015 و2016، إلى أن أيّ مواجهة عسكرية محتدمة مقبلة مع “إسرائيل” ستجعل المستوطنين “الإسرائيليين” يغادرونها وينسلخون عنها نهائياً وهذا ما حدث بدء عملية طوفان الأقصى .

وقبل عملية طوفان الأقصى، أظهرت بيانات نشرتها “Nefesh Ban Nefesh”، وهي منظمة تروّج وتشجّع وتسهّل الهجرة اليهودية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أكدت أنّ هناك انخفاضاً كبيراً في معدل الهجرة إلى الأراضي المحتلة من أميركا الشمالية، وخاصة بين الشباب.

وذكرت صحيفة «زمان إسرائيل» العبرية، إنه تم تسجيل ارتفاع بنسبة 13% في طلبات الحصول على الجنسية الفرنسية في شهر نوفمبر 2022م، في وقت زادت طلبات الحصول على الجنسيتين الألمانية والبرتغالية بنسبة 10%، يضاف إليها الارتفاع في طلبات الجنسيات الأوروبية الذى بدأ عام 2021، وزادت فيه النسبة 68% مقارنة بالسنوات التي سبقتها.

وتذهب الدراسات الى أن الحرب على غزة عززت حالة فقدان الشعور بالأمان والثقة، وانهيارِ مؤشراتِ رأس المال الاجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي والذي يشهدُ منذ فترة انقسامات تصاعدت حدّتُها إثرَ قراراتٍ حكومةِ نتنياهو الرامية لتقليص صلاحيات المحكمة العليا لصالح الحكومة.

  • الهجرة العكسية كابوس الكيان المؤقّت:

ظاهرةُ الهجرة السلبية أو العكسية لليهود خارج “إسرائيل” ليست حكراً على الحرب الجارية، بل هي ملازمةٌ للكيان العبري، كلّما استجدت داخله أزمة سياسية أو أمنية. وهو ما يؤكده تقرير  لصحيفة هآرتس العبرية، نشر عام 2012، إذ يكشف عن أن نحو 40% من الإسرائيليين يفكرون في مغادرة البلاد.

ويرى العديدون بأن هذه النسبة معدة للاتساع، منذ تولي الحكومة اليمينية المتطرفة الحكم في “إسرائيل”. وكرّست الأزمة السياسية التي شهدتها “إسرائيل”، حول مشروع صلاح المحكمة العليا، هذا الشعور.

فالأزمة غير المسبوقة التي تشهدها المؤسسات الإسرائيلية في ظل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة والانقسام غير المسبوق في المجتمع الإسرائيلي وحالة التوتر والإحباط والخشية من “تفكك الهوية” والقلق الوجودي، إضافة إلى الحرب بمفاعيلها غير المسبوقة تدفع الإسرائيليين إلى البحث عن ملاذات أخرى آمنة، ومن المرجح أن ترتفع موجات الهجرات العكسية بوتيرة غير مسبوقة بناء على نبوءات الزوال التي لم تعد مجرّد روايات واساطير متناقلة في الموروث العقدي اليهودي وحسب، بل تؤكدها كتابات وأحاديث صُناع السياسة ونخبة الحكم في المجتمع الإسرائيلي، وها هي اليوم تعود الى الواجهة من جديد على وقع الاضطرابات غير المسبوقة التي يعيشها المجتمع اليهودي، وتثير رعباً ينزعُ ما تبقى من أسباب الأمان وعوامل الاستقرار التي يُراهن عليها الكيان المؤقت لتمديد عمره وتمتين ركائز وجوده.

 

  • فماهي حقيقة نبوءات الزوال؟!

تؤمن أغلبية القيادات الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي بلعنة عقد الثمانين، حيثُ يحفل الموروث الديني اليهودي بالعديد من الروايات التي تشيرُ إلى أن أغلبية ممالك بني إسرائيل بعد النبي سليمان انهارت خلال العقد الثامن، ووفقاً لذلك سيحل هذا العقد الثامن سنة 2027، أي أن عمر “إسرائيل” لن يدوم أكثر من 80 عاما وسيكون قبل 14 مايو/أيار 2028، إذ تأسست “إسرائيل” يوم 14 مايو/أيار 1948.

ساسة وقادة الكيان لا يخفون قلقهم الناتج عن إيمانهم بلعنة العقد الثامن إذ يشير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك نفسه إلى ذلك بقوله في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت “على مر التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، ويتوجّب استخلاصُ العبر من التشرذم والانقسام اللذَين عصفا بممالك اليهود السابقة، والتي بدأت بالاندثار على أعتاب العقد الثامن”.

وفي رد فعلها الهستيري على خسائر اليومين الأولين من حرب أكتوبر 1973 عبرت رئيسة الوزراء غولدا مائير عن خوفها بالقول “هذا خراب الهيكل الثالث”، مستحضرةً نبوءة قديمة عن زوال الممالك اليهودية.

في كتابه “الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين” الصادر عام 2018 يشير الباحث الفلسطيني جورج كرزم إلى أن “أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين قد أعلنوا في ظروف سلمية أنهم يفكرون بترك إسرائيل، وأن نحو 70% من الإسرائيليين يتوجهون للحصول على جنسية أخرى أو فكروا في ذلك”.

ولا شك أن هذا العدد سيتضاعف في ظروف أسوأ كما هو حال الحرب الراهنة أو في ظروف مواجهة طويلة الأمد مع “إسرائيل” حيث تتعزز مشاعر فقدان أسباب البقاء وما يعرف برأس المال الاجتماعي  وفي حال نفّذ نصف العدد المذكور فكرتهم في الهجرة العكسية فإن “إسرائيل” ستفقد عمليا ربع سكانها على الأقل، مما يعني تآكل “إسرائيل” وتفوق عدد السكان العرب تدريجيا بفعل الزيادة السكانية المرتفعة لديهم.

 

  • النزوح الداخلي خطوة في طريق المُغادرة:

أيقظت الحرب الأخيرة وهي الأطول في تاريخِ الكيانِ المحتل مشاعر القلق الوجودي لدى المستوطنين حيث تشير الدراسات الى ارتفاع قياسي لمعدّلات النزوح الداخلية الى نحو ثلاثمائة وستين ألف مستوطناً غادروا مستوطنات غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة الى الجنوب، ما أسفر عن خلو كامل لبعض المدن في الغلاف وعند اللبنانية.

وقد نجحت عملية “طوفان الأقصى” -كما كل الحروب السابقة- في كشف عوامل القصور والضعف في بنية “إسرائيل” بتهشيم الواجهة الهشة التي كانت تعتمد عليها، وبفعل صدمة 7 أكتوبر 2023م العسكرية وتفاقم المشاكل الداخلية ونزيف الهجرة العكسية تذهب “إسرائيل” إلى الفراغ، فلا استقرار ولا أمن ولا ازدهار يدعو للبقاء، وفي ذلك زيادة لعوامل الانهيار الداخلي لبنية وجودها الأساسية.

  • فشل إداري عسكري وسياسي:

الفشل الإداري الذي تتكبده المؤسسة العسكرية وهي الوحيدة المتحكمة اليوم بقرارات مصيرية واستراتيجية داخل الكيان المؤقت، انعكس على أكثر من صعيد، (أمني واجتماعي واقتصادي ) وبتداعياتٍ طويلة الأجل ويصعب التعافي منها أو الخروج من مآزقها الراهنة دون مساعداتٍ خارجية طارئة ، وفي السياق تشيرُ الدراساتُ إلى انهيار اقتصادي يفاقم من ارتفاع معدّلات البطالة على وقع تعطل المؤسسات الانتاجية الصناعية والاقتصادية الكبرى ومنها الخدمية والسياحية والزراعية، وهو ما دفع البنك المركزي في الكيان الإسرائيلي إلى دعوة الحكومة لاتباع سياسةٍ مالية مسؤولة في إشارة إلى زيادة معدلات الانفاق العسكري المفرطة تحت ضغط الحرب على حساب ميزانية الخدمات الاجتماعية.

وتوقع البنك بارتفاع الدين العام إلى من الناتج المحلي الإجمالي وصولاً الى 62% للعام الحالي، و65 % للعام القادم، في ظل خسائر يتوقع أن تطال كافة القطاعات الإنتاجية، ما يعني أن الكيان المحتل سيسعى لنيل قروض خارجية لسدِّ عجز ميزانيته البالغة ثمانية مليارات دولار.