رجال المقاومة الفلسطينية.. صُنَّاع النصر القادم
الصمود||مقالات|| طاهر محمد الجنيد
ذات يوم أرادت إحدى حركات التحرير الفلسطينية المعروفة الاستفادة من التجربة الفيتنامية في طرد المحتلين الأمريكان والتقوا في إحدى العواصم، لاحظ ممثلو الوفد الفيتنامي المظاهر المترفة التي يتحلى بها الوفد الممثل للحركة الفلسطينية (رفاهية العيش والنزول في الفنادق المترفة وغيرها)، وهنا تساءلوا “لا يمكن لمن يعيش كل هذه الرفاهية أن يحرر وطنا ويطرد محتلا” وذلك الاستنتاج نابع من تجربة واقعية وحقيقة معاشة، ومع ذلك فقد تم اغتيال القيادات المؤثرة لهذه الحركة وتصعيد القائمين على حماية المصالح الصهيونية ليكونوا هم صناع التحرير، وبواسطة الحوار والحوار والحوار فشلت كل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، وتعزز خيار المقاومة لا التطبيع والاستسلام، المقاومة والشهادة.
يدرك الصهاينة خطورة أن تكون هناك حركة مقاومة مسلحة نابعة من الإيمان بالله ورسوله، كما هو حال حركة حماس والجهاد الإسلامي، لذلك فقد سلط كل إمكانياته العسكرية وغيرها لاغتيال قادة المقاومة سواء في داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، وكلما أعلن عن اغتيال يكون الجواب الاستمرارية والصمود، فالمنهج الذي تسير عليه المقاومة لا يتأثر باستشهاد أحد أو بقائه، فالكل يحمل هم القضية والاعتماد أولا وأخيرا على الله سبحانه وتعالى.. تم اغتيال المؤسس الشهيد المقعد أحمد ياسين ومؤسس حركة الجهاد فتحي الشقاقي وغيرهما الكثيرين، فما أصاب المقاومة الوهن ولا الضعف ولا الخور والاستسلام.
ولم يكتف الصهاينة بجهدهم في محاربة المقاومة، بل استعانوا بالصهاينة العرب، فرأينا بعض الأنظمة العربية العميلة والخائنة تعاقب كل من ينتمي إلى المقاومة، وشيطنة وكيل التهم ضدها، حتى رأينا من يعاقب على الدعاء للمجاهدين في أرض الحرمين وغيرها، ورأينا من يتهمها بمحاولة قلب نظام الحكم والاعتداء على الأمن القومي، وهي مزاعم كاذبة، لأن حركات الجهاد والمقاومة لا تنشغل بغير المجال الوطني وهدف التحرير من الاستعمار والاستيطان، وتمد أيديها لمن يقدم لها المساعدة بغير شروط.
وبينما يمد العالم الكيان الصهيوني بكل احتياجاته من سلاح وعتاد ومواقف سياسية واقتصادية من دول العالم الغربي والدول العربية بلا خوف ولا وجل ولا حياء مع إدراكهم أنهم يدعمون قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعزل من أبناء فلسطين، لا لشيء إلا لأنهم يطلبون تحرير وطنهم من الاستعمار الصهيوني، وهكذا يفصح الإجرام والمجرمون عن نواياهم وأفعالهم، إذا بهم يجرمون مد المجني عليه والمعتدى على أرضه بالغذاء والدواء والوسائل البسيطة اللازمة لتضميد جراحاته النازفة جراء عدوان وحشي يمارس كل أنواع الجرائم وبأقذر وأشد الأسلحة المحرمة دوليا وما تخلفه من آثار كارثية على الإنسان والحيوان والبيئة والجماد، ومع ذلك فإن قيام المقاومة بالرد على المعتدي أو المقاومة له، يعتبر بمقياس أخلاقهم المنحطة فعلاً مرفوضاً، بينما القتل والإجرام والتدمير “دفاع عن النفس”، مما يدل على الانحطاط الأخلاقي التفسخ الخلقي لدى هذا التحالف الإجرامي والداعمين والمؤيدين له.
سقوط الشعارات والأقنعة
في كل حرب أو مواجهة يشنها الغرب، يرفعون الشعارات البراقة الخادعة مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة والعدالة واحترام مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة، لكن عندما تتعارض تلك الشعارات فإن آلة الإجرام تدوسها تحت جنازيرها وقنابل طائراتها وقذائف وصواريخ بوارجها التي تجوب بحار العالم، سقطت الشعارات في تدمير هيروشيما وناجازاكي بالأسلحة الذرية، وبالأسلحة الكيمياوية في فيتنام وفي العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها وفي المغرب العربي على يد الاحتلال الفرنسي والبرتغالي والهولندي والإسباني والإيطالي والبريطاني وغيرها من الدول الاستعمارية التي لم تتورع عن الفتك بالمقاومة وبأشد وافتك الأسلحة المحرمة، مما جعل العالم كله ينادي بضرورة الالتزام بأقل المبادئ الإنسانية حينما حرم استعمال تلك الأسلحة، لكنهم حرموها على من لا يملكها ولا يستطيع صناعتها وأباحوها للقادرين على تصنيعها واستعمالها وهم ذاتهم المجرمون لا غيرهم.
لقد اتهموا العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل ودمروه وبلغت حصيلة إجرامهم بحق أبنائه ما يقارب المليون شهيد وجريح وبعد ذلك اعلنوا للملأ أنه لا توجد أسلحة دمار شامل واعطوا الصهاينة أسلحة دمار شامل وسمحوا لها بأن تقتل أبناء فلسطين وها هي حصيلة إجرامهم الجديد تصل إلى ثلاثين ألف شهيد وتدمير شامل للمباني السكنية والاحياء بأسلحة الفوسفور الأبيض المحرم دوليا، ولم يكتفوا بذلك، بل قتلوا الإرادة الدولية بالفيتو الأمريكي وغيره، وهو فعل لا يقل جرماً عن ممارسة القتل والتدمير وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
القرارات الدولية نافذة ومطبقة إذا كان المعني عربيا أو مسلما، أما إن كان المجرم صهيونيا أو أمريكيا أو صليبيا فلا مجال للقول والتحجج بحقوق الإنسان، لأن ذلك لا يمكن، فشريعة الغاب والتحكم والهيمنة والاستعلاء والسطوة والقوة لا تخضع للمساءلة أو العقاب “مواجهة الهزيمة”.
حققت المقاومة المسلحة انتصارا رائعا في تحطيم الأسطورة الصهيونية التي رسختها الدعاية الإعلامية على مدى السنوات الماضية بواسطة العمالة والخيانة من جهة وبواسطة الاستخواذ على مراكز القرار والنفوذ، وكلما تكاثرت الهزائم وجدنا العدو يرتكب المجازر المروعة في حق النساء والأطفال والعزل وبشكل هستيري يؤكد عمق المأزق والهزيمة النفسية التي مني بها الجيش الصهيوني المجرم، والآن اختار الأسلوب القديم الجديد وهو اغتيال قيادات الحركات المقاومة، ليثبت أنه مازالت لديه القدرة على مد أذرعته الإجرامية إلى خارج حدود الأرض المحتلة وهي محاولة لإرضاء الداخل الذي يعيش وقع الهزيمة يوميا مع كل مواجهة وكل خبر مصور، لما يحققه أبطال المقاومة ورجالها، قد يصيبنا الحزن والألم لاستشهاد أولئك الرجال، لكن ما أعده الله لهم خير وأبقى وخاصة أنهم يعلمون أن السير في طريق الجهاد ليس معبدا بالورود وإنما هو بيع وشراء للأنفس من خالقها الذي أنعم بها ” إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” التوبة (111).