صمود وانتصار

ما هي خيارات واشنطن في اليمن والمحاذير التي تخشاها..؟

الصمود||مقالات|| إسماعيل المحاقري

رياح البحر الأحمر لا تأتي بما تشتهيه السفن الإسرائيلية والأميركية، ومعهما البريطانية، “ثلاثي الشر العالمي” والتصعيد العسكري ورفع منسوب المخاطر بالتهديد والترهيب والتصنيفات الإرهابية يزيدان التوّتر في الممرات المائية وينذران بعواصف إقليمية يمكنها إغراق البوارج الغربية وحاملات الطائرات الأميركية التي جاءت إلى الشرق الأوسط من أجل حماية الملاحة التجارية الصهيونية وإذا بها تبحث عمن يحميها ويدفع عنها التهديدات اليمنية.

في العدوان الأميركي البريطاني المتكرّر على اليمن لا جديد يذكر بل القديم يعاد بكل صوره وأشكاله لناحية قصف المقصوف وتدمير ما دمرته السعودية والإمارات في حرب السنوات التسع الماضية بقنابل أميركية بريطانية،.. سلاح واحد وكذلك المخطّط ومن يحدد بنك الأهداف مع اختلاف أداة التنفيذ.

ورغم أن القواعد العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة في الرياض وأبو ظبي كانت تقودها واشنطن إلا أن جميعها فشلت في إخضاع اليمن وتدمير قدراته.

لم تتعلم أميركا إذن من دروس تاريخ اليمن حاضره وماضيه ولا من تعقيدات جغرافيته التي أثرت بطبيعتها على الإنسان اليمني لتجعله أكثر جلدا من الصخر وأكثر اندفاعا عند مواجهة الأخطار والمهمات لتكبر ورطة الأميركان بقدر الأخطاء والإخفاق في تقدير الحسابات.

أول الأخطاء الأميركية يتمثل في طوي صفحة الأدوات المحلية والإقليمية التي خاضت وتخوض حروبها بالوكالة طيلة السنوات الماضية لتباشر اعتداءها على الشعب اليمني بنفسها وبمساعدة بريطانيا واضعة نفسها حيث يجب أن تكون وبما ينسجم مع أفعالها وإجراءاتها العدائية وبالتالي تنتهي مرحلة التضليل وتزييف الحقائق والوقائع ولا مجال بعد اليوم إلا أن تسمّى الأشياء بمسمياتها.

والخطأ الآخر يتعلق بأسباب العسكرة الأميركية للبحر الأحمر، فتقديم ذريعة الملاحة الدولية لإخفاء حقيقة حماية الإمدادات التجارية الإسرائيلية في ظل حرب الإبادة الجماعية في غزّة، أضعف موقف واشنطن وأفقدها الزخم الدولي لإضفاء شرعية دولية ومشاركة واسعة لحماية الكيان، بينما أكسب اليمن تأييدا عربيا وإسلاميا شعبيا وحرجا للأنظمة وتفهما دوليا لإجراءاته البحرية لفك الحصار عن غزّة ووقف آلة القتل الصهيونية.

اليمن في هذه المواجهة يملك الكثير من الخيارات الفاعلة والمؤثرة بفضل الله في ميدان لا يحتاج إلى الكثير من الجهد، فبقليل من العمليات يمكن إغلاق باب المندب، وشركات الملاحة الدولية بطبيعة الحال لن تغامر بالإبحار في البحر الأحمر لو كانت المعادلة اليمنية تشمل كلّ السفن ويكفي التهديد لتطبيق قرار الإقفال ولأن الأمر يقتصر على السفن الإسرائيلية ومن يدعمها تُرك الباب مفتوحا للمئات من السفن ولكل شركات الشحن للمرور الآمن..

لليمن صواريخ برية بحرية تطلق من أي مكان وكذلك طائرات مسيرة كانت ولا تزال المعضلة التي تؤرق الدفاعات الأميركية البريطانية، وإضافة إلى ذلك ثمة زوارق يمنية مسيرة متفجرة تطلق عن بعد وأيضا ألغام بحرية تحسب لها واشنطن ألف حساب.

على النقيض من ذلك ومع أنها الدولة العظمى في العالم خيارات أميركا في اليمن محدودة، ومكلفة الثمن وهي بمثابة قنابل ارتدادية لن تمنع ضربات اليمن كما أقر الرئيس بايدن ووافقته الخارجية الأميركية ولها ما لها من تداعيات على الصعد كلها.

 

ومن المحاذير التي تخشاها واشنطن. ..

ــ إن استمرار الاعتداءات على اليمن سيؤدي إلى تصاعد حالة الاشتباك، وبالتالي إغلاق ممر باب المندب وانتقال التوّتر بشكل أو بآخر إلى مضيق هرمز ومع الوقت ستظهر البحرية الأميركية منزوعة المخالب وبلا تأثير يذكر.

ــ قرار شن عملية عسكرية أوسع تستهدف الحديدة نتيجة الإخفاق الأميركي المعلن من ردع الهجمات اليمنية، لن يشكل أي ضغط على السلطة في صنعاء وحملها على التراجع عن عملياتها ضدّ كيان العدوّ وقد يؤدي إلى نفس النتيجة السابقة، وإلى تورط أميركي أكبر تضطر معه البوارج المعادية إلى الاقتراب من السواحل اليمنية وهو ما يسهل قنصها واستهدافها.

ــ تملك الولايات المتحدة الأميركية ورقة دفع الأدوات المحلية لاستئناف المواجهة مع القوات المسلحة في أكثر من محور، لكن وفي ظل الاصطفاف الشعبي الكبير لدعم عمليات إسناد غزّة، فإن هذا الخيار قد ينتهي بخسارة الوكلاء المحليين المزيد من المناطق، ويشجع على استهداف الوجود الأميركي في حضرموت والمهرة والمناطق المحتلّة وهو ما لفت إليه القيادي الحريزي المناهض للوجود السعودي وداعميه الغربيين في المهرة.

ــ إلزام السعودية والإمارات مساندة أميركا في مواجهة صنعاء، كلفته باهضة وتداعياته مزلزلة على أسواق الطاقة العالمية، ومن يجرب المجرب فعقله مخرب كما يقال، فأي استهداف سعودي إماراتي  في اليمن سيتحول إلى ضربات يمنية تستهدف منشآت النفط في هاتين الدولتين، وقد يتكرّر سيناريو قصف “خريص وبقيق” والذي أدى إلى وقف نصف إنتاج السعودية من النفط، وأميركا في غنى عن هذا التصعيد في هذه المرحلة، لا سيما مع استمرار العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا.

أمر آخر قد تلجأ إليه واشنطن في ظل انسداد أفق الخيارات العسكرية، وهو توظيف ورقة الحصار عبر تشديد القيود على ميناء الحديدة لمنع دخول النفط والغذاء والدواء والادّعاء بأن هذا الميناء الذي يشكل شريان حياة لغالبية اليمنيين هو مصدر للتهديدات، كما كانت تزعم السعودية، ولواشنطن باع في استخدام هذه الورقة وسجل أسود في العالم ولا يستبعد اللجوء إلى هذا الخيار رغم يقين البيت الأبيض أن ملف الحصار على اليمن سينتقل من بعده المحلي الإقليمي إلى البعد الدولي المرتبط بغزّة وحصارها.

في المحصلة ما باليد الأميركية حيلة، لوقف العمليات اليمنية وإضعاف قدرة اليمنيين، والإدارة الأميركية قبيل انطلاق سباق الانتخابات إلى البيت الأبيض أمام خيارين أحلاهما مر فإما المكابرة والتصعيد، الذي يضع المنطقة بأكملها على حافة الانفجار، أو التهدئة والتراجع خطوة خطوة لحفظ ماء واشنطن المهروق في البحر الأحمر والبحث عن تخريجه تنقذ كيان العدوّ من الحصار والنيران التي تحيطه من كلّ جانب.