على خطى إسرائيل.. معادلة أمريكية فاشلة في اليمن
الصمود||مقالات|| حسام باشا
في ظل العدوان والحصار الصهيوني على قطاع غزة، والذي حصد أرواح الآلاف من الفلسطينيين، وأحال الأحياء والمدارس والمستشفيات إلى ركام من حديد وحجارة، تقف الولايات المتحدة الأمريكية على حافة الهاوية. فبينما تمد يدها وعينها لحليفتها إسرائيل، وتحاول تزييف الحقائق، وإيهام العالم بأن العدوان حق مشروع للكيان الصهيوني وضرورة حتمية، تواجه ردود فعل قوية من قبل اليمن، الذي يعتبر نفسه جزءا من المقاومة الإسلامية ضد الصهيونية والاستعمار.
عندما طلب الأمريكيون من حكومة بنيامين نتنياهو شرح استراتيجية الخروج من حرب غزة، كانوا يتجاهلون دورهم في هذه العدوان، ومسؤوليتهم عن نتائجه. إلا أن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرحوه على أنفسهم: ما هي استراتيجيتهم للخروج من مأزق اليمن الذي ورطوا أنفسهم فيه؟
في الحقيقة لا تزال الإدارة الأمريكية تغض الطرف عن دروس الحرب الإسرائيلية على غزة، التي اندلعت دون تقدير للعواقب أو استراتيجية واضحة لإنهائها. كانوا يظنون أن الغارات الجوية العنيفة ستحطم مقاومة الشعب الفلسطيني، وستجبر أهالي غزة ومجاهديها الأبطال على الرضوخ والاستسلام. ولكنهم وجدوا أن الواقع مخالف لتوقعاتهم، فالمقاومة استمرت في الصمود والرد بالصواريخ والعمليات البطولية، والشعب الفلسطيني في القطاع وقف خلفها بكل تضحية وصبر. ولما فشل القصف الجوي في تحقيق أهدافه، لجأ الإسرائيليون إلى الغزو البري، متوهمين أنهم سيسيطرون على غزة بسهولة، وسينهون عدوانهم بانتصار. ولكنهم واجهوا مفاجآت كبيرة، فالمقاومة كانت تنتظرهم بالكمائن والأنفاق والعبوات والصواريخ المضادة للدروع. ودخلوا في حرب استنزاف، تكبدهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وأثارت الرعب والهلع في صفوفهم. وهكذا أصبح الإسرائيليون عالقين بين نارين: نار الخوف من التوقف عن العدوان، ونار العجز عن مواصلة العدوان. فالتوقف عن العدوان يعني الاعتراف بالهزيمة والفشل، والإقدام على المواصلة يعني المزيد من الخسائر والمخاطر.
وفي الوقت نفسه، شن الأمريكيون غارات على اليمن، بذات الطريقة التي بدأت فيها العدوان على غزة. فقد زعموا أن الهدف من العدوان على اليمن، والذي أطلقوه بكل تسلط وغرور، هو لتعطيل قدرات الأنصار على مواصلة الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل وإضعاف تلك القدرات، وأنهم بذلك يحمون المصالح العالمية في منطقة البحر الأحمر. والأصل من وراء ذلك لم يكن إلا محاولة لإخماد تضامن اليمن مع غزة، ومنعه من الاستمرار في تنفيذ قراره بإغلاق مضيق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية.
لا شك أن الإدارة الأمريكية لم تحسب حساب الرد اليمني، الذي كان قويا وحاسما. فالحقيقة التي تشهدها العيون وتسمعها الآذان هي أن القوات المسلحة اليمنية ما زالت بوتيرة عالية، وبكل شجاعة وبأس، تنفذ العمليات النوعية وتستهدف سفن العدو الإسرائيلي في خليج عدن والبحر الأحمر. وهذا ما يجعل ذلك الهدف وكل تلك التصريحات التي أطلقوها تبدو مثيرة للسخرية والاستهزاء. فالبحر الأحمر لم يصبح ممراً آمناً للسفن المرتبطة بإسرائيل كما ظنوا، بل العكس من ذلك تماماً، أصبح ميداناً للمواجهة والتحدي لا سيما مع دخول السفن الأمريكية والبريطانية ضمن بنك أهداف القوات المسلحة اليمنية.
وهكذا أصبح الأمريكيون في مأزق مماثل لمأزق الإسرائيليين، فهم بين خيارين صعبين: إما اللجوء إلى التدمير الواسع وقصف اليمن بلا هوادة، على طريقة الصهاينة في غزة، أو الانطلاق إلى فكرة الغزو البري، على طريقة الجيش الإسرائيلي في غزة. إن كلا الخيارين يحملان مخاطر كبيرة، وعواقب وخيمة. فالتدمير الواسع لن يحقق لهم شيئا. فاليمن لم يبق فيه شيء إلا وتعرض للتدمير بفعل العدوان السعودي. وإذا ما اختار الأمريكان اللجوء للغزو البري لليمن، فهم في هذه الحالة سيواجهون ما هو أشد وأقسى وأصعب من الذي يواجهه الإسرائيليون في غزة. فاليمن بلد كبير ووعر، يمتلك مساحة وعدد سكان ومقدرات قتالية وجيشاً على قدر كبير من التجارب والخبرات. وربما يصح القول أن فيتنام ستكون أهون عليهم مما ينتظرهم في اليمن. فهم سيدخلون في حرب لن يجدوا فيها حلفاء أو متعاونين، بل سيجدون مقاومة شعبية، تستخدم كل الوسائل والأساليب لصد العدوان والدفاع عن السيادة والكرامة.
ولذا فإن محاولة واشنطن أن تفرض عبر الغارات الجوية والبحرية معادلة كسر إرادة الشعب اليمني وإجباره على الاستسلام، هي معادلة فاشلة لا تخدم مصالحها إطلاقاً، بل تعكس قوة اليمن وضعف أعدائه. فاليمن يربح بالنقاط في كل مواجهة، مستفيداً من خبرته وإبداعه وتنوعه في الأسلحة والتكتيكات، والعدو الأمريكي سيخسر بالضربات القاضية، معرضاً نفسه لخطر تدمير حاملات طائراته، وإغراق السفن المرتبطة به بصواريخ اليمن الدقيقة والموجهة. وهكذا، تجد الإدارة الأمريكية نفسها في حال حرب، لا تملك فيها استراتيجية واضحة للخروج منها، بل وستدفع ثمنا باهظا لمغامرتها العسكرية، التي لم تخدم مصالحها، ولن تزيد المنطقة إلا اتساعا في رقعة الصراع، وهذا ما تخشاه بالضبط.
لا شك أن عجور البيت الأبيض « بايدن » يعيش في وهم أنه يستطيع فرض شروطه على اليمن بالقوة والعنف، ويتجاهل الحقائق التاريخية والجغرافية والإنسانية التي تؤكد عكس ذلك، فاليمن شعب مقاتل وصامد، لم يستسلم للمستعمرين ولم ينكسر أمام الطغاة، على مر التاريخ، وأنصار الله حركة مقاومة وثورة، لم تخضع للنظام السابق، ولم ترضخ للعدوان الحالي، واليمن بلد متماسك ومنسجم، لم يتفتت بالفتن، ولم يتشتت بالخيانات. وبهذا فإن بايدن يسير على خطى الاحتلال الإسرائيلي في التفكير والتصرف، وعلى خطى التجربة السعودية كذلك، متناسياً أن النتيجة ستكون واحدة: الفشل والهزيمة. فكما أن الكيان الصهيوني لم ينجح في اقتحام غزة بالحرب البرية، ولم يستطع الخروج منها بالحرب الجوية، كذلك العدوان الأمريكي لن يغير بالقصف الجوي والبحري في اليمن شيئاً، ولن يتمكن من السيطرة عليه حتى وأن خاض حرباً برية. فاليمن ليست فيتنام ولا أفغانستان ولا العراق، بل هي أكثر من ذلك بكثير. هي مدرسة الصمود والردع، ومعبر لرحيل قوى الهيمنة والاستكبار.
وهنا لابد أن يتعقل العدو الأمريكي، ويترك الحماقة جانباً، ويعيد حساباته لتيمكن من إدراك حقيقة اليمن وقوة شعبه وكرامة قيادته، فما من حل أمامه لوقف صنعاء عن استهداف ومنع السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي، إلا بوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة. ومع ذلك فإن الواقع يظهر أن الحمقى هم من يتخذون القرارات في البيت الأبيض، ولذلك فإن الحكمة تقتضي منا أن نبقي باب الاحتمالات مفتوحاً للحماقات، وفي كل الأحوال، فإن اليمن سينتصر بإذن الله وبتضحيات شعبه وحكمة قيادته.