الوفاء ما تغير.. السيد القائد في الإطلالة السابع
الصمود||مقالات|| علي الدرواني
في إطلالته السابعة منذ “طُـوفان الأقصى” في السابع من أُكتوبر أواخر العام الماضي، يؤكّـدُ السيدُ عبدالملك بدر الدين الحوثي، عَمْقَ العلاقة بالقضية الفلسطينية، ومتانةَ الارتباط معها، وحضورها الضارب في جذور ضمير الشعب اليمني وقيادته، فمنذ خطابه الأول في بداية “طُـوفان الأقصى”، كان السيد حاضراً بقوة في كُـلّ تفاصيل المعركة، والصمود والإسناد، قولاً وفعلاً، يأخذ الشواهد، ويستعين بالوقائع، ويستثمر في المواقف؛ ليصل إلى حقيقةٍ ناصعة، أن فلسطينَ قضية الأُمَّــة، والأقصى بُوصلتها، ومظلومية غزة جرحُ الأُمَّــة الغائر، باحثاً في تفاصيل ما يجري عَمَّا يمكن له أن يوقظَ ضميرَ الأُمَّــة، وينعشَ عزتَها، ويثيرَ غِيرتَها.
يطلُّ السيد القائد هذه المرة، وأمامه مأساة أكثر عُمقاً، مستحضراً أصواتَ الثكالى والأطفال، وأنين الجرحى، مستعرضاً معاناة الشعب في غزة، وهَوْلَ الكارثة، وفداحة المصيبة، ليسألَ مجدّدًا: أين هي الأُمَّــة، لماذا لم تتحَرّك بعد 115 يوماً، هل مات ضميرها، هل فقدت الشعور بالإنسانية، هل قبلت بالذلة والهوان، أم استساغت الدنية في دينها ودنياها، (لا يزال السائد بشكلٍ عام على موقف الكثير من الأنظمة والحكام هو: الاستمرار في التخاذل، استمرت الأحداث، استمرت المظلومية، تفاقمت المأساة، فلم تستفق ضمائرهم، باتوا في حالة سبات، ولم يتحَرّكوا).
عندما يبدأ السيدُ عبدالملك الحوثي خطاباتِه عن غزة، يشيرُ إلى الحالة الإنسانية؛ باعتبارها المحرك الرئيس لكل الإجراءات اليمنية، سواءٌ أكانت عسكرية أَو شعبيّة أَو إعلامية، قال أكثر من مرة: إن التحَرّك هو إنساني، ويستند إلى مبادئ الدين والقيم والعروبة والقانون الدولي، أكّـد أنه لا يوجد ما يسمح للغرب بقيادة واشنطن بأن تدعم العدوّ المدجج بالسلاح والعتاد والتكنولوجيا والتقنية، ويمنع اليمن ومحور المقاومة من مساندة غزة المحاصرة، وشعبها المظلوم، ومقاومتها الباسلة، المساعدة اليمنية تأتي لمنع المأساة والمجازر التي أشَارَت إليها المنظمات الغربية والدولية، بينما التحَرّك الأمريكي يعمق المأساة ويشجع على ارتكاب المجازر، وشتانَ ما بين الأمرين.
يخصِّصُ السيدُ القائدُ خطاباتِه كُـلَّ خميس؛ استباقاً للمسيرات المليونية اليمنية، والحث عليها، في خطابه قبل الأخير، حذّر وشدّد التحذيرَ من الملل، يدركُ القائدُ أن العدوَّ يراهن على الملل؛ فكانت إشادته الكبيرة بالخروج المتكرّر، والمليوني كُـلّ يوم جمعة، ووضعه في إطار السند والظهر، لعمليات القوات المسلحة الداعمة لغزة، والمانعة للملاحة الإسرائيلية في بحارنا الأحمر والعربي وخليج عدن، (هذا التحَرّك يحسب له الأعداء ألف ألف حساب، عندما يأتي الموقف العسكري، عندما تقوم قواتنا المسلحة بقصف البارجة الأمريكية، أَو المدمّـرة الأمريكية، أَو السفينة المرتبطة بالعدوّ الإسرائيلي، أَو السفينة البريطانية المشاركة في حماية الإجرام الصهيوني، والمشاركة في العدوان على بلدنا، الأمريكي يتذكر أنَّ وراء هذه الضربة، وهذه العملية، ذلك الشعب الذي خرج بملايينه، بالملايين من أبنائه في العاصمة وفي بقية المحافظات، يتذكر ذلك المشهد الشعبي الحاشد، المعبِّر عن هذا الموقف، المؤيِّد لهذا الموقف، المطالب بهذا الموقف، الذي يعبِّر عنه ذلك الموقف، يعبِّر عن إرادته، وعن مطلبه، وعن توجّـهه، وعن قراره، وهو يحسب ألف ألف حساب).
يؤكّـد السيد القائد، أن (الخروج يعبِّر عن العزم، وعن الثبات، وعن الجد، وعن الشعور الراسخ بالمسؤولية؛ بينما الفتور والملل يعبِّر عن ضعف العزم، وضعف الإرادَة؛ لأَنَّ من يضعف حتى عن مستوى الخروج إلى الشارع في يومٍ في الأسبوع لساعة، أَو ساعتين، أَو ثلاث ساعات، كيف سيكون أمام بقية الأعمال الأُخرى!).. إذن لا مكان للفتور، لا مكان للملل، يعتمد القائد على وعي شعبه، على إيمَـانهم، وثباتهم، يحافظ على عزيمتهم، يطالبهم بالنظر والمتابعة لما يجري في غزة، هو ما يبقي ضميرهم حياً، غيرتهم حامية، إنسانيتهم متوقدة، غضبهم تجاه العدوّ المجرم يشتعل.
الشعب بدوره وفي كُـلّ مرة، كُـلّ أسبوع، كُـلّ جمعة، نرى الساحاتِ أكثرَ احتشاداً، الميادين تغُصُّ بالحشود، ومداخلُها لا تكاد تتسعُ للقادمين، الصور القادمة من ساحة السعبين وغيرها، حتى مع نهاية المسيرات، لا تزالُ جماهيرُ الشعب تتوافد، وصفه بعضُ الحاضرين بيوم الحشر، الاستجابة للسيد القائد، من شعبه المؤمن، والوفي.
الوفاء ما تغير، يختم السيد خطابَه، أبياتٌ قالها الشهيد النمري، قبلَ أكثرَ من عقدَين من الزمن، الوفاءُ قيمة إنسانية أكّـد عليها القرآنُ الكريم؛ وفاءً مع القيادة؛ وفاءً مع الشعب، وفاءً مع المبدأ والقيم، وفاءً مع الإنسانية، وفاءً مع شعبٍ مظلوم يُقتل كُـلَّ يوم في غزة، الوفاء والحرية قرينان، يا رعى الله نفس تعيش في العمر حرة، حرية لا تتجلى إلَّا عندما تصرخ في وجه طاغية العالم وفرعون العصر، في وجه أمريكا، أية حرية تحت سقف الجبروت الأمريكي هي حرية مزيفة وباطنها الذلة والعبودية.
هكذا يبقى الموقف اليمني حراً، تتكامل فيه القيادة ورؤيتها الحكيمة، والقوات المسلحة وعملياتها الفعالة والمؤثرة، وركنها الثالث الشعب المساند والواعي.