صمود وانتصار

منهم أنصار الله؟.. ( 3)

الصمود||مقالات|| زيد أحمد الغرسي

سلسلة وثائقيات تعريفية عن المشروع القرآني في اليمن

تحدثت في المقال الأول عن ظروف بداية انطلاقة المشروع القرآني والحرب الأولى، وفي المقال الثاني كان الحديث عن الحرب الثانية الى الحرب السادسة، وبعض التفاصيل فيها، ونستكمل في هذا المقال الحديث عما جرى من بعد الحرب السادسة كاستعراض موجز لبعض المراحل التاريخية من باب الإحاطة وتقديم رؤية متسلسلة للقارئ الكريم من خلال لمحة سريعة بأبرز تلك الاحداث ومجريات سيرها وقد حرصت على الاختصار بشكل كبير لأنه لو فتحت الباب للتفاصيل فكل مرحلة تحتاج لوحدها مؤلفات، وإنما استعرضتها بشكل سريع كمدخل للتعريف بالمشروع القرآني .

   ثورة الشباب 2011م، ومؤتمر الحوار الوطني:

بعد ستة حروب للدولة، وأكثر من عشرين حرب فرعية على المشروع القرآني والمنتمين له، كانت السلطة العميلة تحضر وبإشراف أمريكي مباشر لحرب سابعة، كان المقرر فيها أن تدخل دول عربية، وكانوا يعدون العدة لتكون الحرب القاضية على المشروع القرآني وللمنتمين إليه “كما يتصورون”، لكن اندلعت ثورة الشباب في 2011م، وانضم أنصار الله إلى الثورة ضد النظام العميل وكان شعارهم متميز “الشعب يطالب بإسقاط الظالمين” ومع دخولهم إلى ساحات الثورة تعرف الناس والثوار على أنصار الله عن قرب، وعن مشروعهم، وقرأوا ملازم الشهيد القائد السيد حسين الحوثي، فتوسع المشروع القرآني وتعرف الناس عليه بشكل صحيح بعد أن كان المجاهدون في عزلة مفروضة عليهم في صعدة خلال الحروب الست، وخلال الثورة عمل النظام السعودي والأمريكي على احتواء ثورة الشباب عبر ما تسمى بالمبادرة الخليجية التي تم التوقيع عليها في الرياض في الثالث من إبريل 2011م، والتي اعتبرها أنصار الله ومن معهم من الثوار، إعادة إنتاج النظام السابق، وهدفها الاحتواء والالتفاف على مطالب وثورة الشعب اليمني، فرفض أنصار الله المبادرة، واستمروا في ساحات الثورة مع بقية أحرار البلد وخرجت الأحزاب المرتهنة للخارج كحزب الإصلاح من الساحات، ثم أعلن عن مؤتمر الحوار الوطني في 18 مارس 2013م، وكان الهدف منه هو إحراج من تبقى في ساحات الثورة بالحديث أن هناك مؤتمرا وطنيا للحوار بين كل الفرقاء اليمنيين لإيجاد حلول لكل المشاكل التي يعاني منها البلد وبناء يمن جديد، ولم يعد هناك ضرورة للبقاء في ساحات الثورة، لكن تعامل أنصار الله بحكمة مع الموضوع حيث أعلنوا مشاركتهم في مؤتمر الحوار (ومثّل ذلك ضربة للأمريكيين وأدواتهم في السلطة الذين كانوا يتهمون أنصار الله بأنهم جماعة مسلحة لا تؤمن بالحوار، ولا تقبل بالآخر) وفي الوقت نفسه أكدوا استمرار بقاءهم في الساحات؛ كونها ضمانة لاستمرار الثورة،  وضمانة لمواجهة أي انحرافات في مؤتمر الحوار عن تحقيق مطالب الشعب اليمني،  “حينها أعلنت السلطة اعتذارها عن الحروب الست على أبناء صعدة،  وعلى الحرب التي شنتها على أبناء الجنوب عام 94 ”
ومع استمرار جولات الحوار الوطني، أثبت قرار انصار الله بالبقاء في الساحات صوابيته؛  حيث كان السفير الأمريكي، وسفراء الدول العشر يعرقلون أي توافق سياسي، أو الوصول إلى نتائج حقيقية لتلبية مطالب الشعب اليمني، وكان هناك صراع كبير يدور في أروقة مؤتمر الحوار بين انصار الله، وبقية الأحزاب المرتهنة للخارج التي كانت تأتمر بأوامر السفراء العشرة، وكانوا يعرقلون أي مشروع كان يقدمه أنصار الله لأنه يصب في خدمة الشعب، مع شن حملات تضليلية ضدهم من مختلف وسائل الإعلام الرسمي،  والحزبي، ومنه التابع للإصلاح وبعض الأحزاب السياسية، لكنهم تصدوا للحرب الإعلامية وكانوا يوضحون الحقائق للشعب، ويفندون كل الأكاذيب والدعايات لأن في تلك المرحلة كان قد توفر لأنصار الله قناة إعلامية خاصة بهم وهي قناة المسيرة التي افتتحت في 23-3-2012م، والتي نقلت الأحداث بصورتها الحقيقية، وتصدت للتضليل الإعلامي للسلطة ومن يقف وراءها من سفراء الدول العشر، وعلى رأسهم السفير الأمريكي.

وعندما وجد الأمريكي أن أنصار الله أصبحوا حجر عثرة أمام مشروعه ومخططاته خصوصا فيما يتعلق بتقسيم اليمن، وعندما ازداد تأثير أعضاءهم في مؤتمر الحوار بحجتهم القوية، واقناعهم لبعض الأطراف الأخرى عمد إلى سياسة الاغتيالات للتخلص منهم، وبالفعل اغتيل عدد من قيادات أنصار الله من أعضاء مؤتمر الحوار منهم: الشهيد عبدالكريم جدبان، والشهيد البروفيسور أحمد شرف الدين-رضوان الله عليهم-كما نجى عبد الواحد أبو راس من محاولة اغتيال، وبتلك الممارسات ضدهم زاد التعاطف الشعبي معهم ،

ثم بعد ذلك عمد الأمريكي إلى تحريك ورقة التكفيريين من خلال فتح جبهة عسكرية ضدهم في دماج في شهر أكتوبر 2013م، واستمرت إلى يناير 2014م والتي اشعلها تحت عناوين مذهبية وطائفية ودعايات وشائعات “كاضطهاد أهل السنة، وتهجيرهم، وحصارهم، وووالخ” وهي عناوين ومبررات غير صحيحة وقد ثبت عدم صحتها في حينه، بينما كان الهدف الحقيقي هو اشغالهم عن مؤتمر الحوار،  والضغط عليهم

للقبول بمشروع تقسيم اليمن، وغيره من المؤامرات التي كان يحيكها سفراء الدول العشر وهدفها إبقاء اليمن تحت الوصاية الامريكية، وكان السفير الأمريكي  يقود الحرب بشكل مباشر، ويتصدر المقابلات والتصريحات في مختلف وسائل الإعلام لتشويه أنصار الله والتحريض عليهم وتأجيج الحرب تحت عنوان الدفاع عن السلفيين، ولكن تصدى أنصار الله لهذه الحرب العسكرية والإعلامية مع توضيح الحقائق عبر قناة المسيرة التي كان لها دور كبير في كشف الحقائق للشعب اليمني.

  ثورة 21 سبتمبر 2014م، وإعلان العدوان الأمريكي السعودي على اليمن:

وبالرغم من كل ما تعرض له أنصار الله من اغتيالات، ومضايقات، وتشويه، وحروب عسكرية؛ لكنهم استمروا في ساحات الثورة بعزم وإرادة صلبة، وقاد السيد القائد الثورة باقتدار، وحكمة منقطعة النظير، حتى نجحت الثورة في 21 سبتمبر 2014م، التي أسقطت نظام العمالة والارتهان وأخرجت اليمن من الوصاية الامريكية السعودية، وحينها غادر السفير الأمريكي ” الذي كان يطلق عليه شيخ مشائخ اليمن لكثرة تدخلاته وتحكمه في كل شؤون حياة اليمنيين، وصرح بالقول: “لم يعد لدينا أي عمل في اليمن” كما أنه في ليلة نجاح الثورة كان أول من عبر عن قلقه من الثورة كيان العدو الصهيوني عندما صرح رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو بقوله:  “إنه يخشى من سيطرة الحوثيين على باب المندب”.

بعد نجاح أولى خطوات الثورة في إزالة الظالمين، المرتهنين للخارج، تم توقيع اتفاق السلم والشراكة بين كل الفرقاء السياسيين، وكانت الثورة متسامحة مع خصومها لكن ذلك لم ينفع معهم، حيث عمد النظام السابق عبر من تبقى من أدواته الداخلية، ومسنودا بالتخطيط والتنظيم والدعم من قبل النظام السعودي والأمريكي إلى إفشال الثورة من خلال: محاولة نشر الفوضى الأمنية، والنهب؛ لكنه فشل.. ونجحت الثورة في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وبفضل الله، وجهود اللجان الشعبية التابعة للثورة؛ لم تسفك قطرة دم واحدة، ولم ينهب منزل أو محل تجاري، كما سعوا للعمل على انهيار مؤسسات الدولة انتقاما من الثورة، لكن الثوار حافظوا عليها، واستطاعوا بحكمة كبيرة؛ لإبقاءها واستمرارية عملها وتقديم خدماتها للشعب عبر اللجنة الثورية العليا برئاسة محمد علي الحوثي التي قادت البلد في تلك المرحلة، وحافظت على مؤسسات الدولة، وسعت لاستمرارها،
ومع فشل هذه المخططات؛ تحرك الأمريكي لاستخدام ورقة القاعدة، وداعش، حيث قامت بعدة تفجيرات، كان أهمها: تفجيرات مسجدي بدر والحشحوش في أمانة العاصمة التي وقعت أثناء صلاة الجمعة في 20 مارس 2015م، وراح ضحيتها أكثر من 142 شهيداً،  وجريحاً،  وبعدها مباشرة أعلنت اللجنة الثورية التعبئة العامة لمواجهة القاعدة وداعش، وبدأت اللجان الشعبية في التصدي لها وملاحقتها الى أوكارها، والقضاء عليها في كثير من المحافظات (صنعاء،  وذمار، والبيضاء، ولحج، وأبين، وصولا إلى مشارف عدن، وعندها شعر الأمريكيون بأن اليمن سيكون بلدا مستقلا متحررا من الوصاية الأمريكية السعودية، ولم يعد لديهم فيه عملاء، وخاليا من العناصر الاستخباراتية المرتبطة بهم،

فسارعت أمريكا من واشنطن إلى إعلان عدوانها على اليمن على لسان سفير السعودية في واشنطن مساء يوم 26 مارس 2015م، وبالذرائع نفسها التي شنت على الشهيد القائد في الحرب الأولى، وهي: التمرد على الجمهورية، والتصدي للانقلاب،  وإعادة ما تسمى الشرعية، وإعادة اليمن للحضن العربي، ومحاربة المشروع الصفوي المجوسي في اليمن، واستخدمت كل الشائعات الدينية، والمذهبية، مثل: سب الصحابة وووالخ، ولم تبق أي وسيلة إلا واتخذتها، والهدف الحقيقي، هو إيقاف المسيرة القرآنية من التوسع والانتشار في أرجاء اليمن، ومنع قيام يمن مستقل، وحر، وإعادته إلى الوصاية الخارجية، ولكن-بفضل الله وعونه-لم يتحقق هدفهم، وانتشرت المسيرة القرآنية بشكل أكبر، وتجذرت في أوساط الشعب اليمني في مختلف المحافظات،

وخاض اليمنيون تحت قيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي-حفظه الله-تسع سنوات من الحرب ضد التحالف العالمي الذي تقوده أمريكا، وحققوا فيها انتصارات ومعجزات كبيرة، ومذهلة، أذهلت الأعداء قبل الأصدقاء، بالرغم من فارق الإمكانيات الكبيرة واستخدام التحالف العالمي كل الأسلحة، والخبراء العسكريين، والتكنلوجيا، والتقنيات المتطورة، وكل وسائل الحرب (الاقتصادية، والسياسية، والإعلامية، والثقافية، والنفسية، وغيرها)،

لكن-بفضل الله- هذا المشروع القرآني، والقيادة الحكيمة للسيد القائد، وصمود الشعب اليمني، حقق المفاجآت الكبيرة التي خلدها التاريخ وستدرس للأجيال.
وبالأسلوب نفسه شنت وسائل إعلام التحالف السعودي الإماراتي والإعلام العالمي المرتبط بأمريكا حملات ممنهجة لتشويه الشعب اليمني بالكثير من الشائعات والأكاذيب والدعايات خلال العدوان على اليمن الذي استمر تسع سنوات، ولا يزال، وما تزال وسائل إعلامهم تمارس هذا التشويه حتى الآن،  ولم تتوقف حتى جاءت معركة طوفان الأقصى في غزة، وبرز الدور اليمني

الشامل:(شعبا وجيشا وحكومة) بالقول، والفعل في مساندة غزة، وكان الموقف الأقوى كبلد على مستوى الدول العربية والإسلامية، الذي يتخذ قرارات عسكرية باستهداف كيان العدو الصهيوني، وإغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل، وكان خروج اليمنيين أسبوعيا بالملايين في مختلف المحافظات الحرة بدون كلل وملل،  وبهذه المواقف اتضح للشعوب العربية والإسلامية حقيقة موقف الشعب اليمني، وانكشف زيف كل الدعايات، والشائعات، وكل حملات التشويه التي تشنها بعض الدول، وإعلامها ضد الشعب اليمني، مما أحرجهم، وجعلهم يبحثون عن أساليب أخرى في تشويه الشعب اليمني والتشكيك في مواقفه، ومحاولة إثارة مشاكل قديمة حدثت خلال العدوان على اليمن، واستثمار أي قضية جنائية تحدث بين مواطنين في مناطق سيطرتهم،  وتحويلها إلى قضايا سياسية لتشويه الشعب اليمني، وكل ذلك إسناداً وخدمة لكيان العدو الصهيوني وبدلا من أن يقفوا مع غزة، ويدافعون عنها يتحركون في تشويه كل من يساند غزة لإخفاء خيانتهم للامة، وقضاياها، وتواطؤهم مع كيان العدو الإسرائيلي، وإذا باليمنيين هم من يدافعون عن المقدسات الإسلامية، وهم من انطلقوا برغم جراحهم، وحصارهم ومآسيهم للتضامن مع إخوانهم في غزة الصمود بفلسطين المحتلة، بينما تلك الأنظمة التي شنت العدوان على اليمن ظهرت على حقيقتها، فهي من تتواطأ مع الإسرائيلي ضد المقاومة في غزة، وهي من تطالب بالقضاء على المقاومة، حتى وصل الحال بعمالتها إلى أن تسجن أي شخص يدعو للمقاومة الفلسطينية بالنصر في الحرم المكي؛ بل وصل الحال إلى أن يحتفلوا، ويستجلبوا المغنيات والعاهرات لإحياء الاحتفالات، وسب الذات الإلهية في احتفالاتهم، في الوقت نفسه الذي تسفك فيه دماء أطفال ونساء غزة، وهم من سعوا لفتح جسر بري للكيان الصهيوني عبر أراضيهم، بعد أن اطبق عليه اليمن الحصار من البحر الأحمر، ومنع سفنه من الوصول الى موانئه في فلسطين المحتلة حتى يتوقف عن العدوان ويرفع الحصار عن غزة.

يتبع …