صمود وانتصار

التحول الاستراتيجي في المشاركة اليمنية في “طُـوفان الأقصى”

الصمود||مقالات|| علي عبدالوهَّـاب الدرواني

معركةُ (طُـوفان الأقصى) أحدثت هَزَّةً كبيرةً لكيانِ الاحتلالِ كما هزَّت المنطقةَ، مُعلِنةً عن ولادةِ مرحلةٍ جديدةٍ للمنطقة عنوانُها نهايةُ النفوذ الأمريكي؛ ما دفع واشنطن تحت مخاوفِ فقدان هيمنتها التي بنتها خلال العقود الماضية وانهيار أحد أركان حضورها القوي في المنطقة ودفعها إلى إرسال مجموعاتها العسكرية البحرية لحماية الكيان الإسرائيلي من السقوط، وجعله يقفُ على قدمَيْه مجدّدًا، ومنع الانقضاض عليه، ورفعت أثناء تحَرّكها هذا عناوين منع توسع الحرب والتصعيد في المنطقة، في إشارة واضحة لإجبار قوى المقاومة على الحياد، وتمكين الكيان المحتلّ للاستفراد بغزة، ومقاومتها، ومعاقبة أهلها بكل تلك الجرائم الوحشية، والحصار الظالم.

في مقابل ذلك لم يقف محور المقاومة على الحياد ولم ترهبه التهديدات الأمريكية والتحشيدات العسكرية إلى المنطقة، فعملت المقاومة الإسلامية في لبنان على ضرب مواقع العدوّ على طول الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلّة، كما انضمت اليمن لإسناد غزة، بضربات صاروخية على أم الرشراش “إيلات” قبل أن تعلن صنعاء إدخَال المعادلة البحرية وحظر الملاحة أمام السفن الإسرائيلية أَو تلك المتوجّـهة إلى موانئ الكيان.

لم تمض أَيَّـام على التحذير اليمني، حتى بدأت عمليات الاستهداف للسفن الإسرائيلية، ومنها اقتياد سفينة الشحن الإسرائيلية جالكسي إلى الساحل اليمني، وبهذه العملية أصبحت التحذيرات اليمنية واقعاً، بعد ظن البعض أن اليمن غيرُ جادة في تنفيذها، فضلاً عن القدرة عليها.

تنطلق اليمن في تنفيذ هذه العمليات من منطلقات إنسانية قيمية بحتة، فلا يمكن لها أن تتفرج عن تلك الأهوال التي تجري والمجازر المتوحشة بحق النساء والأطفال، على يد مجرمي الحرب الصهاينة، بدعم غربي كامل بقيادة أمريكا، وهذه المنطلقات أكّـد عليها مراراً وتكراراً السيد عبدالملك الحوثي في خطاباته الأخيرة والمتعددة منذ (طُـوفان الأقصى).

المشاركة اليمنية الفاعلة والمؤثرة في معركة الإسناد بأهدافها المباشرة بدعم غزة وصمودها، والضغط لإنهاء العدوان ورفع الحصار بشكل كامل، تتعدى ذلك لتصل إلى تحقيق نتائج استراتيجية، تتمثل بما أشار إليه السيد عبدالملك الحوثي، في خطابه الأخير، ووضعها في إطار (تحوّل استراتيجي في واقع المنطقة، بالنسبة للنفوذ الأمريكي والسيطرة الأمريكية… وبالنسبة لواقع المنطقة بشكل عام تحوّل استراتيجي، ومعادلات جديدة طرأت على الساحة هي لصالح كُـلّ أمتنا الإسلامية، ولصالح العرب جميعاً في المقدمة، ونأمل -إن شاء الله- في يوم من الأيّام أن تتشجع بلدان أُخرى، لتتجه هذا التوجّـه الحر، الذي تحتاج إليه أمتنا، وتحتاج إليه شعوبنا).

هذا التحول الاستراتيجي يشرحه السيد عبدالملك الحوثي بأن: “الأمريكي الذي اعتاد عندما يستهدف أي بلد عربي، أَو أي بلد إسلامي، أن يتخاذل الجميع، أن يهدّد كُـلّ الدول العربية والإسلامية، ثم تبقى لتتفرج على ذلك البلد العربي، أَو ذلك البلد الإسلامي هنا أَو هناك، دون أن تُقَدِّم شيئاً، لماذا؟؛ لأَنَّ الأمريكيذَ يهدّد، ويتوعد، ومنع، فالكل يتفرجون” ويؤكّـد السيد: “انتهت هذه المعادلة التي كان يفرضها، تلاشى ذلك النفوذ الذي كان إلى هذه الدرجة، اليوم هناك من لا يخنع لأمريكا، من لا يخضع للتهديدات الأمريكية، من لا يستسلم للإرادَة الأمريكية، هناك من يقف بجد وبصدق، بموقفٍ صادقٍ، وموقفٍ فاعلٍ ومؤثر، ولا يخنع للأمريكيين؛ ليساندَ أبناء أمته، ليساند الشعب الفلسطيني، وهذا بالنسبة للعدو الأمريكي فشل كبير”.

يضيف الخبراء عن التحول الاستراتيجي وأبعاده، ما يتعلق باليوم التالي للحرب في غزة، عندما بدأ العدوان الإسرائيلي والدعم الغربي بقيادة الولايات المتحدة، لم يكن في حسبانهم مشاركة اليمن، وبهذه الصورة الفاعلة في البحر الأحمر، لكن وبعد تنفيذ كُـلّ تلك العمليات، والحديث الأمريكي عن صعوبة التصدي لها، على لسان جنرالات البنتاغون، فَــإنَّ أي عدوان قادم في المنطقة سواء في فلسطين أَو غيرها، فَــإنَّ تدخل اليمن في الحسابات سيكون على رأس القائمة، وبدلاً من أن يفكر البيت الأبيض في جسور جوية لنقل الأسلحة، وتعويض المخازن الإسرائيلية، فَــإنَّ عليه أن يفكر في حماية الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، وَإذَا ما أخذت المعادلات الموسعة، التي تشمل السفن البريطانية والأمريكية، فَــإنَّ الأمر يكون أكثر كلفة، سواء لناحية الأثمان الباهظة التي تتحملها بنقل المجموعات الحربية البحرية، أَو بالذخائر المستخدمة وعالية الكلفة، للتصدي للصواريخ والطائرات المسيَّرة، أَو لناحية التداعيات الاقتصادية، وتأثيراتها على سلاسل التوريد، وقد أشَارَت تقارير غربية إلى عمق التأثير الاقتصادي في بريطانيا وإن كان بشكل أقل في الولايات المتحدة، لكنه أشد ظهوراً في اقتصاد الكيان الصهيوني.

من جهة ثالثة، ينظر مراقبون، إلى التحول في العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، وحصولها على كُـلِّ هذا الزخم دعماً وإسناداً لغزة، بينما لم يلحظ مثلها أثناء العدوان على اليمن، رغم الحصار الذي فرضه التحالف وصل في بعض المراحل إلى خنق سوق النفط والوقود، مهدّداً بكارثة إنسانية كبيرة، ويرى هؤلاء أن العمليات الحالية، مؤشر إلى شكل التصعيد القادم في حال عودة العدوان على اليمن، وكيف يمكن أن يؤثر تحديداً على إمدَادات الطاقة والتي تمر نسبة كبيرة منها في البحر الأحمر باتّجاه الغرب، في ظل أزمة أوكرانيا والعقوبات الأُورُوبية على الطاقة الروسية.

كلّ هذه الأمور تضع التحول الاستراتيجي في العمليات اليمنية في مكان غير قابل للتراجع، وكذلك غير قابل للتغيير، بل كلما ازدادت الضغوط الأمريكية لمحاولة فرض التراجع على صنعاء، فستنصدم بتطوير المعادلات، وتوسيع العمليات، وكما يبدو من التطور الحاصل حتى هذه اللحظة هو أن صنعاء تمتلك الكثير من الأوراق، كما تمتلك الأسلحة المطلوبة لفرض هذه المعادلة والحفاظ عليها، وتطويرها أَيْـضاً.