اليمن والمواجهة مع القوى الإمبريالية والصهيونية!
الصمود||مقالات|| طه العامري
منذ أن اندلعت معركة طوفان الأقصى واليمن تخوض المعترك المصيري الذي لا تتخلف عنه إلا قوى العمالة والخيانة والارتهان..
في هذه المواجهة الأخلاقية والدينية والحضارية والإنسانية وبغض النظر عن كل التفسيرات والتحليلات العقيمة، فإن ما تقوم به اليمن هو واجب مقدس عروبيا وفرض عين دينيا كما هو فعل أخلاقي وإنساني وحضاري لا يتنصل عن المشاركة فيه إلا من تجرد من قيم العروبة والدين وتجرد من المشاعر والقيم الأخلاقية والإنسانية..!
العدوان الصهيوني الإمبريالي الذي تتعرض له الجغرافية اليمنية هو ثمن انتماء اليمن لعروبتها ودينها وتمسكها بهويتها الأخلاقية والإنسانية والحضارية..
مؤسف أن اليمن تواجه العدوان الإمبريالي دفاعا عن فلسطين الإنسان والأرض والمقدسات والقضية، فيما هناك عرب ومسلمون يتلذذون بمعاناة الشعب العربي في فلسطين ويتلذذون بل ويباركون العدوان الصليبي الجديد على اليمن، متأملين من هذا العدوان بأنه سيضعف ما يصفونهم بخصومهم وسيعيدهم ليواصلوا عربدتهم وفسادهم وغطرستهم بحق الشعب اليمني..!
أتابع ردود أفعال البعض ممن هم للأسف ينتمون إلينا ومنهم عرب شاءت أقدارهم أن يعيشوا حياة العبودية والارتهان و(لعق أحذية حكامهم) الذين سخروا حياتهم وكل أنشطتهم في الدنيا في متابعة ثقافة الانحطاط وكل جديد يبتكر في سياق هذه الثقافة الاستهلاكية والعبثية الماسخة للقيم والعقائد المجردة للرجال من رجولتهم والمجردة للنساء من انوثتهن، ثقافة ترفيهية عبثية ماجنة تبعد الشعوب عن كل القيم والأخلاقيات ويتصور أصحابها أن الحياة هي في الطريقة التي يتبعونها وان الله خلقهم لهكذا حياة وحسب..!!
نعم تعاني اليمن من ظروف جد قاسية وعلى مختلف المجالات وثمة إشكاليات متراكمة، منها ما هو قديم ومنها ما هو متجدد، وانعكس كل هذا على حياة المواطن الذي يرى نفسه أصبح عاجزا عن تحمل المزيد من الأزمات، لكن ثمة حقيقة يجب التوقف أمامها وهي أن ما تخوضه اليمن منذ 8 أكتوبر من العام الماضي هو عمل وطني وقومي وإسلامي وديني وأخلاقي وحضاري وإنساني، والواجب يحتم علينا أن نخوض هذا المعترك دفاعا عن هويتنا الوطنية والقومية والدينية والحضارية والإنسانية والأخلاقية، إن موقف صنعاء في معركة طوفان الأقصى لا يندرج في سياق دعم الأشقاء في فلسطين، بل يندرج في سياق الدفاع عن اليمن الأرض والإنسان والهوية، ومن يقول بغير ذلك فهو إما غبي وجاهل، أو مسلوب الوعي والإرادة والقرار..!
نعم صنعاء عبرت عن موقفها القومي والديني في خوض معركة طوفان الأقصى بطريقتها، لكن في الواقع اليمن تدافع عن هويتها وعن سيادتها وكرامتها، لأن ما يجري في فلسطين لا يستهدف المقاومة ولا الشعب العربي في فلسطين، بل يستهدف الأمة بكل مقوماتها وجغرافيتها ومعتقداتها وقدراتها وقيمها، ومن يتوهم أن ما يجري في قطاع غزة يستهدف فقط حماس أو المقاومة الفلسطينية أو يستهدف الشعب والقضية الفلسطينية فهو واهم وعديم البصر والبصيرة..
إن ما يجري في غزة وفي فلسطين يستهدف الأمة بكل مقوماتها ووجودها ودورها، ومن يفكر من الأنظمة العربية أن تخاذله عن خوض المعركة أو تجنبه لتداعياتها أو أن صمته وتجاهله لحرب الإبادة التي تجري بحق الشعب الفلسطيني، فعل وسلوك يكفلان له الحفاظ على قدراته ومكاسبه التنموية، وإن هذا السلوك سيجعله بعيدا عن الاستحقاقات الحضارية والتاريخية التي تشهدها فلسطين، من يفكر بهذه الطريقة هو أغبى من (حمار جحا)..!
إن اليمن قررت خوض المعترك وهي مستوعبة خطورة المعركة وخطورة أن يحقق العدوان الصهيوني الإمبريالي أهدافه من خلالها، فتحقيق العدوان أهدافه في قطاع غزة يعني انه سيطرت على الأمة من محيطها إلى خليجها وانه ذل الأمتين العربية والإسلامية اللتين لن تقوم لهما قائمة ربما لقرون إن حقق الصهيوني والأمريكي أهدافه في فلسطين، قد لا يستوعب الكثيرون من العرب وخاصة النخب المسلوبة الإرادة والمبهورة بحضارة الآخر ومنجزاته المادية المجردة من كل القيم الروحية والأخلاقيات الإنسانية والحضارية، أولئك الذين ينظرون للحياة بأنها الرفاهية والترفيهية والسكينة وإن بلا كرامة أو سيادة، المهم رغد العيش والتمتع بالثروات دون أن يؤسسوا لأنفسهم منظومة قيم تعكس حقيقة هويتهم وانتمائهم الحضاري والثقافي ليكونوا خير أمة أخرجت للناس..!
كثيرون انتقدوا موقف اليمن من خوض معترك طوفان الأقصى ويبررون مواقفهم بأن في صنعاء (سلطة انقلابية) وأن ثمة جهات خارجية تدعم صنعاء في مواقفها ويحاولون تجريد قيم الإنسان اليمني الوطنية والقومية والدينية والحضارية والإنسانية، بل وذهب هؤلاء بنزعاتهم الشيطانية إلى حد شيطنة مواقف صنعاء تزامنا مع تقديم أنفسهم لترويكا العدوان بأنهم الأكثر تحضرا واستعدادا للارتهان والتبعية مقابل أن ترضى عنهم قوى الشر والعدوان، وهؤلاء يستندون لطموحات آنية انتهازية، كل غايتهم أن يتم تنصيبهم حكاما ومتسلطين على الشعب مثلهم مثل بقية أقرانهم في أنظمة الذل والانبطاح، وهؤلاء قد لا يختلفون عن أولئك الذين ينتقدون موقف روسيا الاتحادية في أوكرانيا ويدينون روسيا ويعتبرون انها غزت أوكرانيا، وهذه مغالطة لحقائق التاريخ والجغرافية ونسف لثوابت الأهداف الجيوسياسية بكل أبعادها، فروسيا خاضت الحرب في أوكرانيا دفاعا عن امنها القومي وعن وجودها الجغرافي والتاريخي وعن مواطنيها وعن معتقدات ثقافية وحضارية، اليمن هي الأخرى خاضت معركة طوفان الأقصى دفاعا عن وجود أمة بكل مقوماتها الجغرافية والدينية والثقافية والمادية، فمعركة طوفان الأقصى لم تأت بصورة عبثية قامت بها حركة المقاومة وإن كان البعض يقول بهذا في بداية المعركة، لكن بعد ستة أشهر اتضحت الكثير من الحقائق التي كشفت أن المعركة لم تكن مجرد حدث عابر، بل تعد معركة وجودية مفصلية، بدليل أن العالم بأسره هرول لنصرة الكيان المحتل وعمل على ترهيب وتخويف وتهديد الأنظمة العربية الدائرة غالبيتها في فلك واشنطن ولندن، وفيما راحت أمريكا ودول الغرب تقيم جسورا جوية وبحرية للكيان، مقدمة له أحدث الأسلحة والذخائر والقدرات العسكرية والأمنية الاستخبارية وسخرت كل أقمارها الصناعية وأجهزتها الاستخبارية لخدمة جيش الكيان الصهيوني إضافة إلى غطاء سياسي في المحافل الدولية وتغطية إعلامية جبارة تبرر للعدو جرائمه، فيما عجزت الأنظمة العربية والإسلامية عن تقديم المساعدات الإنسانية لأشقائنا في فلسطين، هذا السلوك الذي لا يحتمل ولا يقبل مهما كانت التبريرات يعكس لوحده حجم وفداحة المؤامرة التي تستهدف الأمة، ليأتي الموقف اليمني ليخلق حالة إرباك للعدو وحلفائه، فكان رد الفعل الغربي الأمريكي بعدوانهم على اليمن بدافع الانتقام ورغبة في تحييد الموقف اليمني، كي يتمكنوا من تحقيق أهدافهم الاستعمارية، وإذا ما توقفنا أمام تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الصهيوني (بلينكن) قبل أيام القائل إن (محادثات التطبيع بين تل أبيب والرياض تسير بطريقة مرضية)، فإن هذا التصريح فيه من الكفاية ما يدل على جسامة المؤامرة التي أحبطتها صنعاء بجدارة، ولكن ثمة حقائق أخرى مهمة ترافق هذا العدوان الوحشي على فلسطين والذي جاء في ظل أوضاع عربية استثنائية تعيشها الأمة من اليمن التي تعيش حالة خلاف وحرب داخلية مشفوعة بعدوان خارجي منذ عقد من الزمن، عدوان دمر كل مقومات الحياة وقدرات الوطن، وفي ظل عدوان وحصار على سوريا، وحرب داخلية في ليبيا، وخلاف داخلي لبناني يدور حول المقاومة ودورها، وظروف سياسية معقدة في العراق، فيما مصر مطوقة من كل الاتجاهات بدءا من أحداث ليبيا إلى أزمة السودان وسد النهضة، يعني بالعربي مصر مجردة من كل القدرات وعاجزة عن الاقدام بأي شيء يحمي امنها، فيما لا توجد دولة عربية ذات أثر وتأثير على الخارطة الإقليمية والدولية، فيما أنظمة الخليج اقتبست قيم وثقافة المرابين اليهود وتحاول أن تفرض وجودها على حساب دول المحور العربي المؤثرة وتصنع مجدا زائفا بما لديها من قدرات مالية..
في ظل هكذا أوضاع عربية مزرية، برزت صنعاء بموقفها متجاوزة كل التحديات لتصنع موقفا عجزت عن القيام به كل دول العرب والمسلمين بكل ما تملك من عدة وعتاد..!
وعليه فإن صنعاء تدفع ثمن هويتها وانتمائها الحضاري، وهي كذلك تدفع ثمن مكانتها في المستقبل القادم الذي لن يكون فيه مكان لكل هؤلاء المتفرجين والمحايدين الذين نأوا بأنفسهم عن جرائم العدو الصهيوني الإمبريالي بذريعة الحفاظ على مكاسبهم المادية والتي قريبا سيفقدونها كما سيفقدون عروشهم وكراسيهم، وهذا ليس تنبؤاً بل تلك هي سنن التاريخ فترقبوا.