انتفاضة الجامعات الأمريكية والغربية والانحياز للحق الفلسطيني.. فأين جامعاتنا؟
الصمود||مقالات||د. معن علي المقابلة*
دائمًا ما كانت الحركات الطلابية في الجامعات هي المحرك للكثير من الاحتجاجات وعلى الكثير من السياسات الحكومية؛ بحيث تكون هذه الاحتجاجات هي المحرك لسائر قوى المجتمع من نقاباتٍ وأحزابَ ومؤسساتِ مجتمعٍ مدني وخيرُ شاهدٍ على ذلك حركة الاحتجاج التي انطلقت في يوليو من العام ١٩٦٨م من الجامعات الفرنسية؛ إذ بدأت بسلسلةٍ من الإضرابات الطلابية ضد الرأسمالية والنزعة الاستهلاكية والإمبريالية الأمريكية والمؤسسات التقليدية.
وقد أدى القمع الشديد للشرطة للمتظاهرين إلى قيام اتحاد النقابات العمالية في فرنسا وذلك بالدعوة إلى إضرابات وتعاطف، والتي انتشرت بسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعًا لتشمل 11 مليون عامل؛ أي أكثر من 22% من إجمالي سكان فرنسا في ذلك الوقت، وانضم إلى هذه المظاهرات كبارُ مفكري فرنسا وفلاسفتها ك(جان بول سارتر)، وعندما قام وزير الداخلية باعتقال سارتر قال ديغول :من يعتقل فولتير؟ من يعتقل فرنسا؟! أطلقوا سراحه ! وعندما سُئل ديغول عن صحةِ هذه الحادثة فيما بعد أكّدها وقال :إنّ عَظَمة أيُّ حكمٍ تُقاسُ بنوعِ المعارضةِ التي يواجهها.
شكّلت هذه الفترةُ في تاريخ فرنسا نقطة تحول ثقافيةٍ واجتماعيةٍ وأخلاقية، فقد أشار (آلان جيمار) أحدُ قادةِ تلك الفترة في وقتٍ لاحقٍ إلى نجاح الحركة كثورةٍ اجتماعيةٍ وليست كثورةٍ سياسية وكلُّ ذلك بفضل طلاب الجامعات الفرنسية.
واليومَ وأثناءِ هذه الإبادةِ الجماعيةِ التي يرتكبها جيشُ الكيان الصُّهيوني في غزةَ وعلنًا وفي بثٍّ حيٍّ ومباشرٍ على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي يتحركُ طلابٌ وأساتذةٔ من الكثير من الجامعات الأمريكية منحازين لإنسانيتهم أولًا قبلَ الانحيازِ للقضايا العادلة كنُخبٍ علميةٍ وثقافية، وقد اقتحمت شرطة نيويورك الحرم الجامعي لجامعة كولومبيا الشهيرة، واعتقلت أكثر من مئةِ طالبٍ من المتظاهرينَ في مخيم التضامن مع غزة، والذي أقامه طلابُ الجامعة، وعدد من أساتذتهم ممن ساندوهم في مسعاهم.
وقد طالب المعتصمون َوهم جزءْ من حركةٍ كبيرةٍ وقويةٍ منتشرةً في جميع الجامعات الأمريكية وعلى رأسها “رابطة اللّبلاب-Ivy League” ،؛وهي مجموعةْ من الجامعات العريقة ومعظمها على الساحل الشرقي للولايات المتحدة كجامعة (ييل وجامعة كولومبيا) بوقف الإبادة الجماعية في غزة، ومقاطعة الكيان الصهيوني وسحب الاستثمارات من الشركات والمؤسسات التي ترتبط معه بعلاقات ، بالإضافة إلى المقاطعةِ الأكاديميةِ لجامعاتِ الكيان وبرامج الدراسة في الخارج ، والزمالات والتعاون البحثي مع المؤسسات الأكاديمية في الكيان الصهيوني.
وقد انضم الكثير من المشاهير إلى الاعتصام بما في ذلك جمعياتٍ يهوديةٍ تعارض سياسة الإبادة التي تنتهجها حكومة الكيان، كما واعتصم طلاب جامعة نيويورك مساندةً لزملائهم في جامعة كولومبيا، ولوقف الإرادات الجماعية التي يرتكبها جيشُ الكيان الصهيوني، كما تعرّض الكثيرُ من النخب السياسية الأمريكية لهجومٍ حادٍّ من قِبَل الطلابِ وذلك عند دعوة هذه النخب لتلك الجامعات، كما حدث مع (هيلاري كلينتون) عندما هُتف ضدها بسبب تأييدها للعدوان على غزة مجموعة من الطلاب المتظاهرين المعارضين لهذا العدوان، وذلك أثناء مغادرتها أحد مباني جامعة كولومبيا في نيويورك.
كما اعتقلت الشرطة الأمريكية عشرات الطلاب في جامعة ييل الشهيرة لفضِّ اعتصامٍ منددةً بالإبادة الجماعية في غزة.
هذه الاحتجاجات وضعت القيم الغربية والأمريكية على المحك أمام هذا القمع سواء من قِبل السلطة والقمع المباشر من خلال الاعتقال واستخدام العنف في فضّ الاعتصامات، أو من خلال الإرهاب الفكري للطلاب أو أساتذتهم حتى وصل الأمر برؤساء بعض الجامعات عندما استُجوبوا من قِبل الكونجرس أن يتم ذلك الاستجواب بطريقة مهينة! وذلك على خلفية هذا الاحتجاج غير المسبوق النظير لطلاب جامعاتهم والإبادة الجامعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني، بحيث أعادت للأذهان حقبة المكارثية.
ويبدو ان هذه الاحتجاجات والتي أخذت تتمدد في الجامعات الأمريكية، سيكون لها الأثر العميق في إعادة النظر في الكثير من الروايات والمسلمات السردية الصهيونية (كالهلوكوست)، والمعادة للسامية وكل تلك التابوهات المحرّم البحث فيها أو حتى نقدها من قبل المؤسسات الغربية.
السؤال هنا :أين طلاب جامعتنا العربية والإسلامية وأساتذتهم من كل ما يحدث سواء على مستوى الإبادة الجامعية في غزة أو من قضايا الأمة؟! كما يُطرح سؤال مهم حول مساندتنا نحن العرب والمسلمين للقضايا العادلة في العالم، فها نحن نشاهد هذا الدعم الشعبي العالمي غير المسبوق للكثير من قضايانا في الجامعات والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني في العالم وخاصة العالم الغربي، فلماذا تصمت جامعاتنا صمت القبور أمام هذه الإبادات الجماعية ومساندة القضايا العادلة في العالم أُسوةً بسائر طلاب الجامعات في العالم الغربي وغير الغربي أحيانا؟!
نحن نعلم ان النُظم الاستبدادية العربية قد هشمت وحطمت كل هياكل ومؤسسات المجتمع، وأفرغتها من محتواها ونخبها؛ إما بالترهيب أو بالترغيب، إلا أن الجامعات تبقى الملاذ الأخير كونها مراكزً للفكر ومخزونًا لا ينضُب من الشباب الذين هم وَقود الثورة والتغيير، فهل يا تُرى تتحرك جامعاتنا!؟ المفارقة، وأثناء كتابة هذا المقال فقد بدأ طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة تحركهم مساندين أهل غزة ومحتجين على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان، ومطالبين إدارة جامعتهم بوقف أي تعاونٍ مع الكيان وجامعاته، فهل تكون البداية لتحرك الجامعات العربية؟!
ربما…!!
باحث وناشط سياسي/ الأردن