رسالة ودية إلى المتشبثين بالمناصب
الصمود||مقالات|| هاشم أحمد شرف الدين |
لا شك أن كلمات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي- يحفظه الله تعالى- المتعلقة بعملية التغيير الجذري الناجمة عن الوضع المُزري، بدءاً بكلمته بمناسبة العيد التاسع لثورة ٢١ من سبتمبر المباركة العام الماضي، وصولاً إلى كلمته اليوم عن إدارة شؤون الناس، وعشق المناصب قد أثارت هواجس في أوساطكم.
أنا أفهم شعوركم بالقلق والتوتر خلال هذه الأوقات. ومع ذلك، أرجو أن تنظروا إلى هذا الأمر بطريقة بنّاءة إيجابية. سيساعدكم على ذلك أن تفهموا أن إعلان السيد القائد عن الوضع المُزري ونقده لأدائكم، ووضع الإدارة العامة للدولة لم يكن هجوماً شخصياً عليكم، وإنما كان محاولة لإيقاظ ضمائركم، والدفع بكم نحو تحمّل المسؤولية، والسعي لإصلاح الأوضاع؛ فقائد الثورة والشعب الثائر قد أعطاكم ثقته لتخدموا المصلحة العامة بكفاءة وإخلاص.
لقد كان عليكم منذ الكلمة الأولى للسيد القائد أن تكونوا أكثر انفتاحاً على نقد الآخرين وملاحظاتهم؛ فالاعتراف بالأخطاء والقصور ليس علامة ضعف، بل هو شجاعة وأمانة، والقائد منحكم فرصةً ثمينة ـ عمرها تسعة أشهر حتى الآن ـ لتحسين أدائكم وتعزيز مكانتكم في نظر الشعب، فرصةً للتعلم والنمو والتفكير في الأداء وتحديد المجالات التي يمكن تحسينها لخدمة المواطنين بشكل أفضل والتهيئة لمستقبل أكثر إشراقاً للجميع.
كان يمكنكم الاستفادة من تلك الفرصة لو أنكم تعاملتم مع هذه التوجيهات بحكمة وتواضع؛ فالسيد القائد ـ حينذاك ـ لم يهدّد بإزالتكم من مناصبكم، وإنما دعا إلى إصلاح الحال والارتقاء بأداء الحكومة، دعاكم لأخذ زمام المبادرة والمساهمة في هذه العملية التطويرية، وكنتم ستكونون أهلاً للثقة والبقاء في مناصبكم إذا استجبتم لنداء السيد القائد بكل إخلاص وشفافية.
من المؤكد أن قائد الثورة والمواطنين لم يتوقعوا ألا يكون منكم سوى مجرد الدفاع عن مناصبكم، لكنكم ـ في الغالب ـ واصلتم الانتماء لمناصبكم دون أن تبذلوا القدرة الكافية من العمل الفاعل والابتكار. وبينما تفاعل الشعب بترحيب قوي مع إعلان السيد القائد عن عملية التغيير الجذري، ظهرتم كمن يخدعون أنفسهم وشعبهم بأنهم ليسوا المعنيين بالإعلان وليسوا المقصودين بالتسبب في وجود الوضع المزري، تماماً كما يحدث اليوم مع كلمة السيد القائد عن عشاق المناصب، فكلٌ منكم سمعها، لكنه يعتبر أنها لا تشمله.
نحن جميعاً نعلم أن التغيير قد يكون صعباً، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتخلي عن شيء كان جزءاً مهماً من حياة عشاق المناصب. ومع ذلك، من المهم أن يدرك الجميع أنه لا يمكن تجاهل توجيهات قائد الثورة ورغبات الشعب الذي يطالب بالتغيير ويتوق لرؤية قيادة إدارية جديدة.
أنا على ثقة بأنكم لن تخذلوا أنفسكم والقائد والشعب، وأنكم ستتحلّون بالشجاعة والنزاهة اللازمتين لهذه المهمة، وأنكم بدلاً من المقاومة والتشبث بمناصبكم ستتبنون مقاربةً بنّاءة وإيجابية، ولن تضيّعوا فرصة التغيير الجذري التاريخية بالاستماتة في الدفاع عن مصالحكم الشخصية، فالتغيير قادم لا محالة، وليحرص الجميع على أن يكون جزءاً منه بدلاً من أن يكون عائقاً في طريقه.
أود في الختام أن أشير إلى أن استبعاد مسؤولين من مناصبهم لا يعني بالضرورة وصمة عار لهم بالفشل؛ فهناك ظروف قاهرة أسهمت في وصول الإدارة العامة للدولة إلى الوضع المزري، أهمها العدوان العسكري والاقتصادي الذي تتعرّض له البلد منذ عشر سنوات والإشكالات الموروثة من الماضي في الأنظمة والسياسات والقوانين والإجراءات، وقد أشار إلى ذلك قائد الثورة في كلمته الأولى، ولكن في ظل هذه الظروف الصعبة، ربما كانت قدرات بعض المسؤولين محدودةً وربما كان البعض منهم عاشقاً للمنصب بكل ما تعنيه الكلمة، مع وجود بعضٍ من المدسوسين في مرافق المؤسسات الذين بقيت لهم ارتباطاتهم بالأعداء، ووجود البعض من المسؤولين المقصِّرين، والبعض من منعدمي الكفاءة.
وجّهت إليكم هذا الرسالة كمواطن معني، راجياً أن تتأملوها بعناية، وأن تجعلوها محوراً لتفكيركم وتصرفاتكم في هذه المرحلة الحساسة؛ فالنجاح والتطور للبلاد هو مسؤوليتنا جميعاً.