صمود وانتصار

في ذكرى يوم الولاية.. الشعب اليمني يُعبر عن استجابته المُطلقة للبلاغ النبوي المدوي من “غدير خم”

الصمود||

الأمةُ الإسلاميةُ بين ولايتين ولايةِ الله ورسولِه وامتدادِه الأصيل أو ولايةِ الطاغوت وأمريكا تُمثله اليوم، وثمةَ حكوماتٌ وأنظمةٌ في أوساط الأمةِ يحاربون الولايةَ الأولى خدمةً للبيت الأبيض وحربا على المسلمين في هويتهم ودينهم وفوق ذلك ما يزال البعضُ في أوساط الأمة يستوحش من آيةِ الولايةِ وهي نصٌ إلهيٌ وليس اجتهادا بشريا ويقابل أمرَ الولايةِ بجفاءٍ غريب ولو أن مسلمي العالم استوعبوا مبدأَ الولاية وعادوا إليه ولاذوا به لواجهوا التحدياتِ والأخطار وضمنوا النصرَ والتمكينَ وهذا موطنُ الإيمانِ وأنصارُ الرسالةِ يستنفرُ الأمةَ للعودة للمنهجِ القويمِ والخطِ الرساليِ الأصيل ويصل الحاضرَ بالماضي ويستعيدُ في أنحاءِ البلاد تفاصيلَ هذا اليوم ويُعبر عن استجابته المُطلقة للبلاغ النبوي المدوي من غدير خم وكثيرا ما دأب شعبُنا اليمنيُ العزيز عبر قرونٍ من الزمن كجزءٍ من موروثه الإيمانيِ وذاكرتِه الثقافية وهويتِه الحضاريةِ على إحياءِ يومِ الولاية .

وفي يوم تاريخي أعاد فيه الشعب اليمني توجيه بوصلة الأمة إلى حيث يجب أن تكون، إلى وليها وأميرها بعد الله ورسوله الإمام علي (عليه السلام) الذي يصادف يوم الثامن عشر من شهر ذو الحجة يوم تنصيبه أميرا للأمة وخليفة لرسول الله بأمر الله سبحانه وتعالى وبولايته أكمل الله الدين وأتم النعمة على الأمة.

وكما في كل عام خرج الشعب اليمني في أكثر من 160 ساحة  في المدن والقرى بوقفات شعبية تخللها كلمات عن المناسبة واهميتها و زوامل واهازيج شعبية تعبر عن فرحتهم وعلاقتهم التاريخية بالإمام علي (عليه السلام) ووفائهم لرسول الله واستجابتهم له ولبلاغه التاريخي العظيم في ذلك اليوم المشهود الذي أعلن فيه أمر الله سبحانه وتعالى بعد أن نزلت الآية المباركة {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ …} فنصب اقتاب الإبل وصعد عليها ليراه الجميع ثم اخذ بيد الإمام علي ورفعها لتراها تلك الحشود ثم قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) والحدث وواقعة الغدير مشهورة ولا نحتاج للخوض في تفاصيلها فهي واقعة شهيرة عرفتها كل الأمة..

 

حضور لافت في المناسبات الدينية

يتميز الشعب اليمني باهتمامه الكبير وحضوره الحاشد وتفاعله المتميز مع كل المناسبات الدينية, وبالرغم من الاستهداف الكبير للمناسبات الدينية بدءً من الحملات العدائية الدعائية المغرضة التي تستخدم كل الأساليب وكل المنطق السيء التكفير والتبديع والتضليل, لكن الحضور الجماهيري اليمني في مثل هذه المناسبة وبالذات في مناسبتي ميلاد الرسول الأعظم وفي يوم الغدير الأغر ومما يتميز به الشعب اليمني عن غيره من شعوب المنقطة هو احتفائه الكبير بعيد الغدير ويوم الولاية إذ يبدأ الاستعداد للاحتفال منذ أسبوع من خلال تجهيز الصوتيات والساحات والكلمات والزوامل والمفرقعات وغيرها ومنذ بداية الليلة التي تسبق يوم العيد يصعد اليمنيون الى المترفعات ويطلقون الألعاب النارية  في وقت متزامن ثم كلمات يتجمعون في الحارات لترديد الزوامل والأهازيج بعد أن يكونوا قد استمعوا لكلمات ثقافية بين صلاة المغرب والعشاء في المساجد ثم يخرج الجميع في الصباح إلى الساحات المخصصة للاحتفال حاملين معهم الأنعام لذبحها وتوزيعها على الفقراء وترديد الزوامل وأداء البرع الشعبي.. كتعبير عن فرحتهم بهذا اليوم امتنانا وشكرا بتمام النعمة وإكمال الله الدين وإعلان ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كخليفة لرسول الله في قيادة الأمة من بعده..

احتشاد في 160 ساحة

وحددت اللجنة المنظمة للفعاليات أكثر من 160 ساحة للاحتشاد لأحياء يوم الولاية في العاصمة صنعاء والمحافظات، حيث احتشدت جموع المؤمنين في العاصمة صنعاء في 4 ساحات ، حيث كانت  ساحة الكلية الحربية لمديريات بني الحارث والثورة وشعوب، وساحة ميدان التحرير لمديريات التحرير وآزال وصنعاء القديمة، وساحة شمال الجامعة الجديدة لمديرية معين، وساحة شرق جامع الشعب لمديريات السبعين والصافية والوحدة، وساحة غرب حديقة الثورة للنساء.

وفي محافظة صنعاء فقد حددت اللجنة المنظمة 20 ساحة للفعاليات: ( ساحة دائري متنة بمديرية بني مطر، وساحة الغرزة بمديرية همدان، وساحة قاع مدر بمديرية بني حشيش، ساحة الجامعة بمديرية أرحب، وساحة بني زتر بمديرية نهم، ساحة جولة الألفين بمديرية سنحان، وساحة قحازة بمديرية بلاد الروس، ساحات سوق السبت ومنطقة عابة والسوق الجديد بمديرية الحيمة الخارجية، وساحات بني مهلهل وجبل الشايم وجرم ومهمعة والصيد والرجاة لمديرية الحيمة الداخلية، وساحة المطار بمديرية مناخة، وساحة المجمع الحكومي في سوق الثلوث بمديرية صعفان، و ساحة منطقة العبر بمديرية جحانة لمديريات خولان، وساحة شارع الأربعين بأرتل لمديرية صنعاء الجديدة).

محافظة عمران هي الأخرى، فقد احتشد أبناء المحافظة في 28 ساحة لإحياء يوم الولاية : (الشهيد الصماد بالمدينة، بيت عامر وبني عبد بعيال سريح، الماجل الأحمر ببني صريم، الجامع الكبير بحوث، مقام الإمام الحسين العياني بريدة، الظهار بالقفلة، ساحة بيت السيد بمسور، مدرسة السلام بخمر، مدرسة الزبيري بالعَشة، مدرسة الشهيد القديمي بخارف، مدرسة الفتح بالسود، جوار مدرسة الوحدة بذيبين، الحيرة والعمشية وبكيل السواد بسفيان، المستشفى القديم والقرو ومهولان بالسودة، الجانح والمطار بشهارة، جوار محطة بن عمران بظليمة، جوار فرع شوابة ، و ساحة كلية التربية في خط حجة بالمدينة ).

26 ساحة ، تم إعدادها لاحتشاد أبناء محافظة حجة لإحياء فعاليات يوم الولاية: (ملعب الشهيد الصماد بمدينة حجة، الشراقي، مبين، الأمان بنجرة، كحلان عفار، الشبكة بشرس، خولان بريف حجة، حجر بالمحابشة، النواش والرحبة ببني العوام، ملعب ظهر أبو طير بالشغادرة، القود بوضرة، ملعب الدافية ببني قيس، مثلث بني جديلة بالمغربة، الخطوة بالجميمة، جوار المركز الصحي بأفلح الشام، مدرسة الحسين بالشاهل، جدبة البحر نوسان بكحلان الشرف، المغنمية بقفل شمر، المعهد بالمفتاح، كعيدنة، قارة، جبل شعلل بوشحة، المغربة بكشر، الصرحات في بكيل المير، الجوانة بأفلح اليمن، كلية المجتمع لعبس وحيران وحرض وميدي وأسلم، وادي العريض لمستباء وخيران المحرق).

 

وتم تحديد 13 ساحة في الجوف : في مدينة الحزم لأبناء الحزم والخَلَق والغيل والمصلوب، واليتمة لأبناء خب والشعف، وساحة مثلث بن شهاب في المتون لأبناء المتون والمطمة والزاهر ، وكذلك ساحات المراشي والحميدات والعنان ورجوزة وأوضحت اللجنة المنظمة في ريمة أن أبناء المحافظة احتشدوا في ساحة مديرية الجبين و6 ساحات في مراكز المديريات.

واحتشد أبناء الضالع في ساحات دمت وقرين الفهد بقعطبة والحُشاء، فيما احتشد أنباء البيضاء في ساحات المركز الثقافي بالبيضاء والشارع العام بالسوادية ونادي الأحمدي برداع .

محافظة مأرب خرج أبنائها في ساحات صرواح، حريب القراميش، بدبدة، مجزر لأبناء مديرات مجزر ومدغل ورغوان و ساحات الجوبة لمديريات الجوبة ورحبة وجبل مراد، وساحات قانية لمديريات ماهلية والعبدية وحريب .

وعلى ذات الصعيد فقد احتشد أبناء ذمار في 12 ساحة:( الثورة بمدينة ذمار، سلف الرضي بعتمة، مدرسة الوحدة بضوران، جرن السلف بجبل الشرق، الدن بوصاب العالي، مشرافة بوصاب السافل، معبر بجهران، مجمع ضبة بمغرب عنس، العابسية بالحداء، المجمع بالمنار، ذمار القرن بعنس، عنس السلامة بميفعة عنس).

وحددت اللجنة المنظمة في إب ساحتي الرسول الأعظم بمركز المحافظة، ومدينة يريم وساحة جبل راس لمديريات المربع الغربي مكانا لإحياء يوم الولاية .

أما في محافظة تعز فقتم تحديد 8 ساحات لإحياء يوم الولاية : ( الرسول الأعظم بمفرق ماوية لمديرتي التعزية وصالة، المدينة السكنية بالبرح لمديريات مقبنة وجبل حبشي والساحل الغربي، والشارع العام بخدير لمديريات خدير وصبر الموادم وسامع والصلو والمسراخ وحيفان والعرف وسقم بمقبنة، كلية المجتمع بشرعب السلام، مدرسة مصعب بشرعب الرونة، جبالة بماوية).

في ذات السياق فقد استجاب أبناء محافظة المحويت لدعوة اللجنة المنظمة للاحتشاد  في 13 ساحة لإحياء يوم الولاية وذلك في ساحات( منضحة بالمدينة، شبام، الطويلة، الفايش بالرجم، ملعب عنبر بجبل المحويت، ميدان الصفقين بحفاش الظهرة ببني سعد، حورة وبني الحجاج بملحان، المراوح وبيت الورد بالخبت، كما تم تحديد ساحتين للنساء في مدرسة الخنساء بمدينة المحويت ومدرسة الزهراء بشبام كوكبان ).

و في الحديدة فقد تم تحديد 6 ساحات لإحياء يوم الولاية : ( ملعب العلفي لمديريات المدينة، ملعب الشباب في القناوص للمديريات الشمالية ، الحسينية وجبل راس للمديريات الجنوبية، باجل للمديريات الشرقية وساحة مدرسة بلقيس بمدينة الحديدة للفعالية النسائية ).

حاجة الأمة إلى الإمام علي ” عليه السلام”

وفي الفعاليات الجماهيرية ردد المشاركون الهتافات التي تجسد متانة العلاقة التي تربط أحفاد الأنصار بالإمام علي عليه السلام وكذلك الشعارات المعبرة عن أهمية الولاية والبراءة من أعداء الإسلام. وأكدوا التمسك بمبدأ الولاية ومواجهة أعداء الوطن والأمة.. معتبرين إحياء ذكرى يوم الولاية المتوارث منذ القدم تعزيزا للارتباط والولاء لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

أكدوا السير على نهج الإمام علي عليه السلام في مواجهة قوى الاستكبار، وتجسيد مبدأ الولاية الذي يحفظ للأمة كيانها وعزتها واستقلالها ومواجهة أعدائها في الواقع العملي.

 

وتطرقت كلمات الفعاليات إلى دلالات إحياء ذكرى يوم الولاية في الالتزام بالأوامر الإلهية، مؤكدة حاجة الأمة للاقتداء بشجاعة ومواقف الإمام علي عليه السلام. وأشارت إلى أن إحياء ذكرى يوم الولاية يعزز من الصمود في مواجهة قوى الاستكبار التي تسعى لفصل الناس عن مصادر الهداية والرشاد والفلاح والنجاة.

واستعرضت مناقب الإمام علي وفضائله كونه أول من آمن بالرسالة المحمدية وأول فدائي في الإسلام ومكانته من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتطرقت إلى واقع الأمة الإسلامية التي اتخذت من اليهود والنصارى أولياء وسقوطها تحت هيمنة قوى الاستكبار ومواقفهم المخزية تجاه القضية الفلسطينية، وواقع من تولوا الله ورسوله الكريم والإمام علي وكيف يسطرون البطولات في مواجهة قوى الاستكبار العالمي دعماً وإسناداً للشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته الباسلة، معتبرة الاحتفال بيوم ولاية الإمام علي عليه السلام تجسيدا لأصالة الإسلام ومحطة لتصحيح الواقع العملي وتعزيز الارتباط بالإمام علي عليه السلام.

نصرة غزة تجسيد لمبدأ الولاية

وفي كلمة عضو رابطة علماء اليمن العلامة خالد موسى التي ألقها في ساحة الكلية الحربية بالعاصمة صنعاء أكد أن مبدأ ولاية الإمام علي وأعلام الهدى له أهميته في تحصين الأمة من التولي لليهود والنصارى ولذلك فالأمة في حاجة لمبدأ الولاية بمفهومها الصحيح لما يمثله ذلك من مبدأ عظيم وأساسي نص عليه القرآن الكريم لمحاربة طواغيت الكفر والمنافقين فطواغيت العصر المتمثل بإسرائيل وأمريكا ودول الغرب يسخّرون كل إمكانياتهم من أجل محاربة القرآن الكريم ونشر الرذيلة والظلم والفتن بين الأمة الإسلامية ليتمكنوا من الوصول بها الى مراتب الإنحطاط الأخلاقي والقيمي ليسهل لهم السيطرة عليها واستعبادها”.

العلامة خالد موسى أوضح أن عظمة وأهمية مبدأ الولاية وحاجة الأمة لها يتجلى بوضوح في موقف محور الجهاد والمقاومة الذي يخوض حرباً مباشرة مع اليهود والصهيونية العالمية وأمريكا لنصرة القضية الفلسطينية وأبناء غزة، وهو ما جسده أبناء الشعب اليمني الذي تميز به عن سائر دول العالم”.

ارتباط أحفاد الأنصار بالإمام علي” عليه السلام”

وفي كلمات الفعاليات أكد المشاركون التمسك بمبدأ الولاية ومواجهة أعداء الوطن والأمة.. معتبرين إحياء ذكرى يوم الولاية المتوارث منذ القدم تعزيزا للارتباط والولاء لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأكدوا السير على نهج الإمام علي عليه السلام في مواجهة قوى الاستكبار، وتجسيد مبدأ الولاية الذي يحفظ للأمة كيانها وعزتها واستقلالها ومواجهة أعدائها في الواقع العملي.

المشاركون شددوا على حاجة الأمة للعودة إلى الله والقرآن الكريم والتمسك بالمنهج المحمدي ونهج آل البيت لتحقيق النصر.. مشيرين إلى أن اليمنيين تولوا الله ورسوله والإمام علي وآل البيت وأعلام الهدى في الوقت الذي توّلت فيه بعض الدول الإسلامية والعربية أمريكا وأعداء الأمة.

وأكدوا أن من أهم أسباب تطبيع بعض الدول العربية والإسلامية هو الابتعاد عن هذا مبدأ الولاية والتنكر له، مؤكدين الحرص على تنمية ثقافة التولي لحماية الأمة من ولاية الطاغوت فمبدأ الولاية الإلهية، يجسد الإرتقاء بالأمة في وعيها وترسيخ القيم والمبادئ لتولي الله ورسوله الكريم والإمام علي وأعلام الهدى.

 

لن نقبل الولاية الأمريكية

عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي أكد في كلمة له  أنه لا يمكن القبول بالولاية الأمريكية، ولا بتسلطها وإملاءاتها، مؤكدا ان استجابتنا وولايتنا للإمام علي عليه السلام هي من مقتضى طاعتنا للنبي الأعظم محمد صلوات الله عليه وعلى آله واستجابة له ولا يمكن أن نميل عن هذه الولاية” ، فيما أكد المحتشدون أن الشعب اليمني نال شرف التميز في الموقف المساند للشعب الفلسطيني المظلوم وذلك نتيجة عودته للتمسك بمبدأ الولاية.

 

ما هو البديل عن مبدأ الولاية؟

البديل عن مبدأ الولاية هو ذلك الفراغ، هي تلك الفوضى، هي حالة الانفلات، التي تجعل الأمة ضحية لكل الانتهازيين، لكل المضلين، لكل المفسدين، حينها حتى المعيار الإيماني، إذا لم يكن له نموذجه، إذا لم يكن له من يمثله، حتى هو ممكن أن يتقمص بخداع، ولذلك تأتي مسألة العناوين الإيمانية والدينية في واقع الأمة عبر تاريخها وإلى اليوم، حتى المنافقين يحكي عنهم القرآن أنهم يتحدثون أحياناً تحت عناوين إيمانية: {مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة: من الآية8].

بل فيما يأتي عن النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” أنه يأتي تحت العناوين الدينية، وتحت العناوين الإيمانية، من يصلون إلى درجة ((أن تحقروا صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم للقرآن عند قراءتهم للقرآن))، يعني: من هم أكثر منكم حتى في مسألة الطقوس الدينية، حتى في مسألة القراءة والتلاوة للقرآن الكريم، من يتفوقون عليكم في ذلك، إلى درجة أن تحقروا صلاتكم عند صلاتهم، فترون صلاتكم لا شيء أمام صلاتهم، وقراءتكم للقرآن لا شيء أمام قراءتهم، إلى هذا المستوى يمكن التزييف للعناوين الدينية، والاستغلال للطقوس والشعائر الدينية، من الفئات المنحرفة، ثم- في نفس الوقت- تنحرف بالأمة في ولائها، وتنحرف بالأمة في منهجيتها العملية عن منهج الله، فلا تصلها بولاية الله في الهداية، وهنا تفتح الثغرة الكبيرة، التي يمكن أن يستغلها اليهود والنصارى.

اليهود- في الدرجة الأولى- هم قديرون على لبس الحق بالباطل، هم ماهرون في عملية التزييف على المستوى الديني، وعلى مستوى المفاهيم والثقافات، وعلى مستوى أيضاً الرموز والولاءات، فيمثل هذا ثغرةً ينفذون من خلالها إلى استغلال الأمة، مع وجود الانتماء الإيماني والديني؛ لأن مجرد الانتماء الإيماني والديني لا يكفي.

هو يحذرنا أن الأمة معرضة لأن تتخذ اليهود والنصارى أولياء مع وجود الانتماء الإيماني، حينما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}[المائدة: من الآية51]؛ لأن ذلك ممكن، ممكن مع وجود الانتماء الإيماني أن تتخذ اليهود الصهاينة أولياء، في الوقت الذي لا تزال- على مستوى الانتماء- تنتمي للإيمان.

يمكن أن يحصل الارتداد عن الدين، عن مبادئ مهمة من الدين، عن أساسيات من هذا الدين، عن مسؤوليات مهمة في هذا الدين، عن أشياء مهمة في هذا الدين، وأنت- في نفس الوقت- تنتمي للإيمان، ولهذا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}، ثم بعدها يقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: من الآية54]، ويأتي بسلسلة مواصفات تعبر عن الثبات والاستمرارية بشكلٍ صحيح على أساس هذا الدين في كماله ونقائه، يختمها بالآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}.

فإذا بنا نرى أن المسألة تعنينا في هذا الزمن، وأكبر تهديد في هذا العصر، وأكبر خطر في هذا العصر، يهدد الأمة في دينها واستقلالها، ويهدد الأمة في دينها ومبادئها وقيمها العظيمة، في المبادئ والقيم ذات الأهمية الكبيرة في الدين، الخطر الذي يهددنا من أعدائنا في سعيهم للسيطرة علينا، وهم يسعون للسيطرة علينا عن طريق الاختراق الثقافي والفكري، والاختراق الداخلي، الذي يمهد السبيل أمامهم للسيطرة التامة علينا، والاستغلال لنا، والاستغلال لكل ما لدينا من إمكانيات وقدرات وثروات، هنا منبع الخطورة علينا، فتمثل الولاية مسألةً مهمة في أن تحمينا من هذا الاختراق، ومما يلحق به، من إمكانية السيطرة علينا والاستغلال لنا.

ولذلك يأتي أيضاً بعد ذلك قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: الآية56]، لكي نحظى بهذه الرعاية الإلهية، التي تحمي لنا مبادئنا وقيمنا، بنقائها وأصالتها، ويحمينا من النفاق، والانحراف في الولاء، والانحراف على المستوى العملي، ولكي نحظى برعاية الله ونصره وتأييده، ولكي نكون من حزبه الغالب، لا بدَّ لنا من هذا: أن نتولى الله، ورسوله، والذين آمنوا.

فيكون التولي لله مرتكزاً أساسياً تحظى الأمة من خلاله بنصر الله، مرتكزاً أساسياً لتصحيح واقع الأمة، لمعالجة وضعها الداخلي، للعناية بكل متطلبات التقويم والتصحيح، والإصلاح لكل مجالات الواقع وعلى نحوٍ متكامل، وفي كل المجالات، وبفاعلية، فالمسألة مهمة لنا، من حيث التهديدات التي تعاني منها الأمة، والمخاطر التي تعنينا كأمة، في ظل الوقت الذي يسعى فيه أعداؤنا من اليهود الصهاينة، تسعى قوى الطاغوت- على رأسها أمريكا وإسرائيل- لفرض ولايتها علينا.

نحن أمام هذا التهديد، أمام هذا الخطر الواضح: تسعى قوى الطاغوت في عصرنا- وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل- لفرض ولايتها علينا، للتحكم بنا في كل شؤون حياتنا، للتدخل في كل مجالات حياتنا، للتحكم بنا في كل واقع حياتنا، للسيطرة الكاملة علينا، وعلى كل ما في أيدينا، وما معنا من ثروات وإمكانات البشر، والجغرافيا، وما معهم.

والثغرة الكبيرة التي ينفذون من خلالها هي حالة الفوضى، حالة الانفلات، التي تؤثر على الإنسان، وتجعله قابلاً لأن يتجه بولائه نحوهم، وحالة الاختراق الثقافي والفكري، عندما لا نتصل بهذا الوصل، الذي يصلنا برسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وفق ما تدل عليه النصوص القرآنية، الآيات المباركة، والنصوص النبوية عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”.

 

ساحات أمانة العاصمة