“أزمة الحجاج”:السعودية تتراجع فماذا عن مساعي توريطها لخدمة الكيان الصهيوني؟
قبل أكثر من عامين دخل العدوان على اليمن مرحلة خفض التصعيد، ولم تعد المعارك في الداخل تذكر طيلة الفترة الماضية باستثناء مناوشات هنا أو هناك، لا تأثير لها على جغرافيا الحرب، ومع ذلك ظلت استحقاقات السلام حبيسة دهاليز السياسة والمفاوضات التي تراجع حضورها بفعل العدوان “الإسرائيلي” على غزّة وانشغال اليمن بمساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
يرفض النظام السعودي اتفاقًا سياسيًّا يفضي إلى إيقاف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال وتبادل الأسرى وتعويض الأضرار كمطالب مشروعة ومنصفة للشعب اليمني، محاولًا أن يقدم نفسه وسيطًا لحل ما يعتبرها أزمة “يمنية يمنية”، وهو ما قوبل برفض السلطة في صنعاء والتأكيد على أولوية الانتقال من مرحلة خفض التصعيد إلى استحقاقات السلام لما فيه مصلحة الجميع.
السعودية في العام العاشر من عدوانها على اليمن، لا هي التي سلكت مسار السلام وإنهاء تدخلها العسكري وحل تداعياته، ولا هي التي اتجهت للتصعيد العسكري مجدّدًا لحسم حربها الفاشلة، ذلك لأن قرار السلم والحرب بيد الجانب الأميركي، وهو ما اضطرّ المملكة لانتهاج سياسة المناورة والتملص حتّى من الاستحقاقات الإنسانية، في الوقت الذي عمدت إلى ممارسة الضغوط الاقتصادية على الشعب اليمني عبر أدواتها المحلية، كنقل البنوك التجارية ومعاملاتها إلى عدن، ووقف التحويلات المالية إلى المحافظات الحرة، وصولًا إلى اختلاق أزمة مع طيران اليمنية واحتجاز مئات الحجاج في جدة لما يزيد عن أسبوع.
“أزمة الحجاج” مرتبطة بمطار صنعاء ومحاولة إعادة فرض الحظر عليه ضمن مسارات اقتصادية أخرى من تخطيط وهندسة الأميركي بهدف إيقاف مساندة اليمن لغزّة التي تتعرض لأبشع هجمة ومجازر إبادة جماعية في التاريخ المعاصر وفق وزارة النقل في صنعاء.
في خطابه الخميس الماضي بشأن تطوّرات غزّة، تطرق السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي إلى أزمة الحجاج العالقين ووجه تحذيرًا شديد اللهجة للنظام السعودي للسماح بطيران اليمنية بالإقلاع من مطار صنعاء والتوجّه إلى جدة لنقلهم، وسبق التحذير وضع مهلة ثلاثة أيام غير معلنة كي تستجيب السعودية أو تتحمل عواقب التعنت والتحريض.
مساء الجمعة حطت طائرة الخطوط الجوية اليمنية في مطار صنعاء تحمل على متنها الحجاج العالقين، لتنزع السعودية بذلك فتيل أزمة كانت تلوح في الأفق. لكن ذلك لا يعني الاستجابة للسلطة في صنعاء بإعادة تشكيل إدارة شركة الخطوط الجوية اليمنية من موظفيها وقياداتها المعروفة بالنزاهة والكفاءة، وأن تعمل كناقل وطني مملوك لكل أبناء الشعب اليمني، ولا يعني أيضًا إنهاء مشكلة المطار واستحقاق رفع الحظر عنه والسماح للسفر عبره إلى كلّ الوجهات فالحلول ما تزال ترقيعية والأيادي تبقى على الزناد.
وفي ظل الخيبة الأميركية من تحقيق حاملات طائراتها للردع اللازم في البحر، ثمة محاولات ومساع أميركية لتوريط دول عربية وإسلامية وإقناعها بفتح المجال لتنفيذ الغارات والاعتداءات على اليمن دعمًا لكيان العدوّ الإسرائيلي.
وتتصدر السعودية قائمة الدول التي يحاول الأميركي توريطها، لتكون المعنية الأولى بتلقف نصيحة السيد عبد الملك وتفهم تحذيره من أن اليمن عازم على اتّخاذ أي إجراء ضروري للرد على فتح المجال الجوي من أي دولة لقصف اليمن والاعتداء عليه. فما هي الخيارات يا ترى؟ سؤال يفرض نفسه.
لليمن خيارات عدة لمواجهة المماطلة السعودية في تنفيذ الاستحقاقات الإنسانية، لكن أولوية المرحلة على ما يبدو هي لتعزيز جبهة الإسناد لغزّة، وفي حال تورط السعودي مع الأميركي بما يتيح لـ”الإسرائيلي” المزيد من الوقت لاستمرار جرائم حرب الإبادة في غزّة فقد تلحق القوات المسلحة اليمنية السفن السعودية بقائمة السفن التي يشملها قرار حظر المرور من البحر الأحمر وباب المندب الاستراتيجي.
واستهداف المنشآت السعودية الحيوية والنفطية، خيار وارد أيضًا، مهما كانت التبعات، لكن قبل ذلك قد تفعّل القوات اليمنية خيار قصف القواعد والمطارات داخل المملكة، التي تقلع منها الطائرات الأميركية للاعتداء على اليمن.
الأميركي بطبيعته يسعى دائمًا لترويض الأنظمة العربية وخلق حالة التنافس فيما بينها ليس لما يخدم الأمة الإسلامية ويعزز حضورها على الساحة الدولية، وإنما خدمة لكيان العدو، وتأمين بقاء احتلاله وسيطرته لأجزاء واسعة من منطقتنا العربية.