المرحلة الخامسة من التصعيد .. إطباق الحصار على العدو الإسرائيلي
الصمود||تقرير||عباس القاعدي||
تفرض القوات المسلحة اليمنية بعملياتها النوعية المتصاعدة حصاراً على العدو الإسرائيلي، كان من أبرز تجلياته الإعلان عن إفلاس ميناء “أم الرشراش”.
وتمكنت القوات المسلحة من منع مرور السفن عبر البحر الأحمر، وصولاً إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، ولا سيما تلك التي تتجه من البحر الأحمر إلى ميناء “أم الرشراش” في إطار المساندة للشعب الفلسطيني المحاصر والمعتدى عليه في قطاع غزة.
وإذا كان للمراحل السابقة من التصعيد الأثر الكبير على اقتصاد العدو الصهيوني، فإن من المتوقع أن تكون المرحلة الخامسة من التصعيد ذات أثر أكبر، وأوجع على الصهاينة، لا سيما وأن تدشينها بدأ بالوصول إلى قلب “تل أبيب” وهي المدنية الصناعية، والأكثر أهمية للعدو الإسرائيلي.
وتستحوذ التجارة البحرية على 70% من واردات إسرائيل، ويمر نحو 98% من تجارتها الخارجية عبر البحريين الأحمر والمتوسط والمحيط الهندي، وتسهم التجارة عبر البحر الأحمر بنحو 34.6% في اقتصاد الكيان الصهيوني، لذلك تضرر هذا الاقتصاد بشكل كبير، ومما لا شك فيه فإن هذه الخسائر تعتبر إضافة إلى الخسائر الناتجة عن العدوان على قطاع غزة، والتي وصلت إلى أكثر من 52 مليار دولار، وهذه التقديرات تعتبر أولية، وقابلة للزيادة بحسب تصريحات محافظ بنك الكيان الصهيوني أمير بارون.
آثار كارثية على اقتصاد العدو:
وفي هذا الشأن يقول وكيل وزارة المالية وأستاذ المالية العامة المساعد بجامعة صنعاء، الدكتور يحيى علي السقاف إن تصعيد العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة ضمن المرحلة الخامسة، في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط ، ومنع عبور السفن المرتبطة بالكيان ستؤدي إلى إطباق الحصار على اقتصاد الكيان الصهيوني، وارتفاع تكاليف أجور الشحن والتأمين بشكل عام.
وتأتي أهمية هذه العمليات كونها توفر مجالاً واسعاً في القدرة على الإضرار باقتصاد الكيان الصهيوني من خلال منع الصادرات إلى الكيان الصهيوني من الصين والهند ودول الخليج، وأيضاً الممر البري من الإمارات والبحرين الذي يمر عبر السعودية والأردن والذي يربطها مع الكيان الصهيوني عبر مضيق هرمز.
ويرى أن الآثار والتداعيات على اقتصاد الكيان الصهيوني المحتل التي خلفتها المعادلة التي فرضتها القوات المسلحة، في منع واستهداف السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني من الوصول لميناء “أم الرشراش” المحتل الذي أعٌلن إفلاسه منذ بدء عملية طوفان الأقصى، خلفت أزمات اقتصادية كبيرة سيظل العدو يعاني من تداعياتها وآثارها المباشرة وغير المباشرة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
ويؤكد أن هذه الآثار والتداعيات قد بدأت تنعكس على اقتصاد الكيان الصهيوني بشكل مباشر وغير مباشر من خلال انخفاض متوسط نصيب دخل الفرد، وبالتالي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وبحسب تصريحات أحد البنوك في الكيان الصهيوني فإن كلفة الخسائر الأولية التي تكبدها الاقتصاد منذ بدء عملية طوفان الأقصى، ونتيجة للحرب والاعتداءات على غزة وصل إلى عشرات المليارات من الدولار، وهذه التقديرات لا تشمل الخسائر التي ستطال قطاع الطيران وتوقف الأعمال التجارية والمصانع وفقدان الشركات العالمية الثقة بالعمل داخل الكيان الصهيوني، موضحاً أن تأثير المرحلة الخامسة التي دشنت بطائرة “يافا” المسيرة، انعكست على اقتصاد العدو، من خلال هروب المستثمرين وكبار رؤوس الأموال إلى الخارج، وهي كلفة من الصعب حسابها، بالإضافة إلى الخسائر للنفقات في الجانب العسكري لما يقارب من نصف مليون جندي احتياطي تم استدعاؤهم، وكذلك الخسائر الاقتصادية نتيجة ضياع الفرصة الضائعة عندما تركوا أعمالهم.
وتأتي هذه الخسائر منذ بدء عملية طوفان الأقصى واستمرار قرار اليمن في منع الملاحة الصهيونية في البحريين الأحمر والعربي وخليج عدن وصولاً إلى البحر الأبيض والمحيط الهندي التي هزت وزلزلت الكيان الصهيوني والتي تٌنذر بانهيار مستقبلها وبالتالي دخولها إلى نفق مظلم من الصعب عليها الخروج منه.
ومما لا شك فيه وبحسب مراقبين اقتصاديين فإن الخسائر التي لحقت باقتصاد الكيان الصهيوني في حرب 1973م لا تساوي 10% من حجم الخسائر التي تعرض لها منذ أيام قليلة من بدء عملية طوفان الأقصى، والتي ما زالت نهايتها مجهولة واحتمالية امتدادها إلى عدة شهور إن لم تكن سنوات.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور السقاف أن الموقف اليمني بمنع الملاحة الصهيونية في البحريين الأحمر والعربي والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، وتصعيد العمليات ضمن المرحلة الخامسة، ستكون له آثار كارثية على اقتصاد الكيان الصهيوني من خلال ارتفاع نسبة التضخم الذي سيخلفه على السلع والخدمات في الداخل للكيان الصهيوني، وفي الخارج على مستوى أمريكا وبريطانيا ودول أوروبا، نتيجة لارتفاع أجور الشحن والتأمين وسيتسبب أيضاً في انخفاض نمو الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط والبعيد، ومن المحتمل أن يصل إلى أكثر من 3,1% وهذه النسبة تتزايد كل يوم، وما لهذه العملية من آثار ستترتب على ارتفاع أسعار النفط والذي سوف يثير مخاوف بشأن صدمات محتملة من منطقة الشرق الأوسط التي تعتمد على تصدير النفط للخارج، وبالرغم من احتمالية محدودية النطاق، والمدة والعواقب على أسعار النفط، ولكن من المتوقع حدوث تقلبات وتداعيات أكبر مستقبلاً.
فرض معادلة جديدة:
ويؤكد أستاذ المالية العامة المساعد بجامعة صنعاء السقاف في تصريح أن ما حدث منذ بدء عملية طوفان الأقصى، ويحدث من تصعيد العمليات العسكرية، ضمن المرحلة الخامسة سيكون له تأثيراً سلبياً مباشراً على اقتصاد الكيان الصهيوني، حيث ستؤثر بشكل كبير ومستمر على قطاع النقل الجوي والبحري وعلى قطاع السياحة والتجارة وعلى قطاع الغاز لحكومة الاحتلال الإسرائيلي في حال تعرض لضربات وقصف من المقاومة.
وفي هذا الصدد يعترف أحد الخبراء في وزارة مالية الكيان الصهيوني أن عملية طوفان الأقصى كان لها أثر كبير في انخفاض الاستثمارات الأجنبية التي بلغت بنحو 60% في الربع الأول 2023م مقارنة بالأعوام السابقة التي قدرت بنحو 28 مليار دولار، كما أن استمرار عملية طوفان الأقصى والعدوان على غزة واستمرار قرار صنعاء بمنع الملاحة الصهيونية سيترتب عليه تراجع كبير في سوق المال للكيان الصهيوني، وقد تهوي السوق إلى أدنى مستوياتها، كما أن الضرر الرئيسي الذي سوف يلحق باقتصاد الكيان الصهيوني بالتحديد يأتي من توقف مئات الآلاف للشركات في المنطقة الوسطى، حيث سيعمل ذلك على انخفاض دورة الأعمال بين 70% إلى 80%، وهذه النسبة تعتبر أكبر من فترة كورونا التي تراجعت خلالها الأعمال بنحو 40% فقط، كما قد تضطر تلك الشركات في هذه المرحلة إلى البحث عن عمال لعدم وجود فترة محددة لانتهاء عملية طوفان الأقصى.
ويرجح بعض المحللين الاقتصاديين في كيان العدو أن استمرار اليمن في الحصار البحري على إسرائيل واستمرار كلفة الحرب سوف تعمق الخسائر المالية وتؤدي إلى عجز في الموازنة العامة لإسرائيل، حيث ستكون لهذه العمليات تأثيرات اقتصادية مباشرة وطويلة على حكومة الاحتلال إسرائيلي بشكل عام وجنوبها بشكل خاص، حيث سيكون الضرر الاقتصادي واضحاً وستمتد درجة تداعياته مع تطور الأحداث، حيث ستتعطل المصالح الاقتصادية بالكامل في جنوب إسرائيل ” فلسطين المحتلة” وسيطال ذلك أيضاً “تل أبيب” بسبب تأثير الضربات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، وأنها ستشكل ضربة اقتصادية للكيان الصهيوني ربما يظهر حجم وقيمة فاتورتها مع مرور الوقت وتطورات الحرب.
ووفق السقاف فان التكاليف المباشرة سوف تشمل نفقات جيش الكيان الإسرائيلي والأجهزة الأمنية من دفع ثمن الذخيرة والمعدات اللوجستية وتعويضات أهالي القتلى وتكاليف إعادة تأهيل الجرحى، حيث أن تلك النفقات سوف تتجاوز أضعافاً كثيرة لتكاليف حرب لبنان عام 2006 و2015م، وأخيراً وبما لا يدع مجالاً للشك فإن تصعيد العمليات ضمن المرحلة الخامسة، ومنع الملاحة الصهيونية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، يفرض معادلة جديدة على مستوى العالم وهي أن الكيان الصهيوني باعتباره يعتمد على بقائه وقوته وغطرسته على الترسانة الاقتصادية كما تعتمد على المساندة الدولية له من أمريكا ودول أوروبا على مصالحها الاقتصادية معه فإن الانهيار الاقتصادي سيكون بداية النهاية والزوال لهذا الكيان الصهيوني المحتل.
المتوسط يجبر العدو على الاستسلام:
وعن آثار وتداعيات التصعيد في البحرين الأحمر والعربي، والمحيط الهندي، على اقتصاد العدو الإسرائيلي وحلفائه الأمريكي والبريطاني وغيرهما، يقول الدكتور إبراهيم مفضل أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء إن آثار وتداعيات التصعيد اليمني، على اقتصاد العدو صارت واضحة أمام الجميع منذ انطلاق المرحلة الثالثة والرابعة، ولكن امتداد التصعيد ضمن المرحلة الخامسة إلى البحر الأبيض المتوسط هي الخطوة الاستراتيجية والجوهرية وذات الأثر الكبير على أولئك، خصوصاً إذا ما علمنا الأهمية الاستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط، الذي يقع في مكان استراتيجي يعتبر هاماً للعديد من الدول الأوروبية والدول المشاطة له، ويعتبر أحد أكثر بحار العالم ازدحاماً، وذلك نتيجةً لحركة التجارة والشحن فيه، فكان هناك نمواً كبيراً في أنشطة النقل البحري في البحر المتوسط على مدى العقود الماضية.
ويضيف: “البحر المتوسط يحتل مركزاً متوسطاً لثلاث قارات مختلفة، هي أوروبا، وأفريقيا، وآسيا، ويعتبر أضخم مركز لتحميل وتفريغ، ونقل المنتجات النفطية، بما نسبته 18% من النقل العالمي، كما يوجد ما يقارب 600 ميناء على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ويعتبر بعضها من بين أهم الموانئ في العالم”.
ولهذا يؤكد الدكتور مفضل في تصريح خاص للمسيرة، أن البحر الأبيض المتوسط يعتبر اليوم المنفذ الوحيد للعدو الإسرائيلي أمام العالم خصوصاً بعد أن أغلق اليمن البحر الأحمر أمامه، ولذلك فإن امتداد المرحلة الخامسة من المساندة اليمنية لفلسطين إلى البحر الأبيض المتوسط، إذا ما وجد دعم ومساندة عربية إسلامية فاعلة، قد يؤدي إلى خنق العدو اليهودي الإسرائيلي، ليس لوقف عدوانه على غزة فحسب بل الى استسلامه أيضا.
ويرى الدكتور مفضل أن تصعيد العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة بشكل خاص، وكذلك العمليات المشتركة مع المقاومة العراقية أو اللبنانية، ضمن المرحلة الخامسة، سيكون لها تأثير كبير على دول العدوان الأمريكي البريطاني، بل ستكون شديدة الوطأة كونها تعتمد على البحر الأبيض المتوسط في نقل معظم وارداتها وصادراتها، باختصار سوف يتم اغلاق نصف العالم أمام العدو الأمريكي البريطاني وسوف يكون مضطراً إلى الإبحار عبر المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، وهذا يعني مضاعفة تكاليف النقل والتأمين البحري وبالتبعية ارتفاع معدل التضخم وانعكاسات ذلك الخطيرة على اقتصاده.