المقاومة تحُقق نصرًا كبيرًا ومستحقًا في الحرب النفسية على العدو الصهيوني رغم تفوقه
مرزاح العسل
ففي الوقت الذي تستعر فيه حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على قطاع غزة الصامد، هناك حرب أخرى لا تقلّ ضراوة تخوضها المقاومة، وهي الحرب النفسية ضد العدو الصهيوني وأعوانه ومن ويساندهم من المُطبّعين والمُخذّلين الذين آثروا الوقوف في صف العدوّ ضدّ أبناء جلدتهم، طمعاً في مغنم، أو خوفاً من مغرم، أو مجرّد حقد وحسد.
وبعد أن نجح العدو الصهيوني في الترويج لأكاذيب، وافتراءات تَصم “حركة حماس” ومقاتليها بالإرهاب والداعشية، على خلفية “طوفان الأقصى”، بمشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصيًا، الذي يردد المزاعم الصهيونية بلا دليل، ولا حياء، ومعه قادة وساسة أوروبيون، ووراءهم جميعًا وسائل إعلام غربية، متحيزة وعنصرية، فاقدة للشرف المهني.
وفي هذا السياق وكنوع من الحرب النفسية يعَمد العدو الصهيوني إلى تخويف الفلسطينيين بهدف تهجيرهم من “مناطق عملياته”، ويُلقي منشورات تطالب الفلسطينيين بالامتثال لأوامر جيش الاحتلال، ويخاطبهم عبر صفحات الناطقين باسم جيشه على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تتواطأ بعض الدول الحليفة للعدو الصهيوني مع بعض الحيل الإعلامية التي يتبناها بهذا الشأن، كقبول وتسويق فكرة المناطق الآمنة، رغم أنها كانت وسيلة للتهجير.
بدورها.. تعمل المقاومة على تفنيد الخطاب الإعلامي الصهيوني الداعي إلى التهجير باعتباره أداة لخدمة العمليات العسكرية للعدو، إضافة إلى خطره الإستراتيجي، وتشاركها في ذلك القوى المؤيدة والحليفة لها.
وهذه الافتراءات، والأكاذيب، ما لبثت أن تلاشت، وأزاحتها صور الأسرى الصهاينة، وهم يودّعون مقاتلي القسام بودّ، وحنو، وصدق، عند مغادرتهم غزة- على مرأى من العالم كله-؛ إنفاذًا لصفقة تبادل الأسرى السابقة، وكذا شهادات أسيرات لوسائل إعلام صهيونية، عن حُسن أخلاق “القسام”، ورعايتهم لهنَّ، ولهذا السبب قرر العدو منع الأسرى الصهاينة، وعائلاتهم من التعاطي مع وسائل الإعلام.
ويلعب النُشطاء والمثقفون وحتى المواطنون العاديّون دوراً مهمّاً في مواجهة تلك الحرب النفسية، من خلال مواجهة الدعاية المضللة للعدو الصهيوني وأعوانه وداعميه، التي تستهدف وعي الشعب وإيمانه بعدالة قضيته.
ويشار إلى أنه قبل أكثر من عقدين من الزمن، شكّل جيش العدو الصهيوني وحدة عسكرية للحرب النفسية، تهدف للقيام بحملات للتأثير على مواقف الجمهور الفلسطيني، من خلال الدعاية، والحرب النفسية، ومناورات التضليل.
وكشفت صحيفة “هآرتس” الصهيونية، حينها عن وجود تلك الوحدة.. مبينةً أنّها تستغل وسائل الإعلام الصهيونية والأجنبية لترويج روايتها وتقاريرها، ومرّت الوحدة في فترات من الخمول، لكن كان يتمّ إحياؤها عند الحاجة وخاصة أوقات الحرب، ولا زالت تعمل حتى الآن.
كما تهدف الوحدة إلى التأثير على معنويات الفلسطينيين وأفكارهم، من خلال الترويج لأسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، وإظهار تفوق الكيان الصهيوني التكنولوجي، ونشر الأخبار المضللة عن المقاومة، وتبرير الأعمال العسكرية الصهيونية بحجّة مكافحة الإرهاب.
ولا تنفكّ دعاية الحكومة الصهيونية في بث سمومها والتعبير عن صلفها واستكبارها، فبعد ساعات من هجومها الغادر الذي أدّى إلى استشهاد القائد إسماعيل هنية، اتهمت حكومة العدو الصهيوني، حركة حماس بأنّها لا تزال ترفض التوصل لاتفاق بخصوص الرهائن، وهو الموقف الذي وصفه الكاتب المصري فهمي هويدي بأنّه استعلاء ووقاحة، وينمّ عن استهانة بالعالم العربي وازدراء له.
في السياق ذاته، انبرت العديد من وسائل الإعلام العربية لمساندة الرواية الصهيونية، وإطلاق سهامها نحو المقاومة، لتطعنها في وطنيتها، وتهاجم رموزها، وتُشكك في ولائهم، كما انطلق الذباب الإلكتروني ليقدح في المقاومة وقادتها بكافة السبل، مستغلاً أوجاع الناس ومعاناتهم، لتحقيق أهدافه الخبيثة التي لا تصبّ إلا في مصلحة العدو الصهيوني.
ولكن وعي النشطاء من المدافعين عن الحق يدفعهم إلى سدّ تلك الثغرة في جبهة الحرب، ليكونوا عوناً للمجاهدين بسلاحهم المُضحّين بأنفسهم دفاعاً عن وطنهم وكرامة أمتهم.
وعلق الكاتب حسني محمد نصر في مقال له بعنوان (إعلام التطبيع.. والحرب على غزة) على أداء المنصات الإعلامية العربية خلال حرب الإبادة الصهيونية في غزة.. مؤكّداً أنّ وسائل الإعلام في دولنا العربية على دين أنظمتها وليست على دين شعوبها ومصالحها العليا.
وقال نصر: إنّه باستثناء دول الممانعة والدول الرافضة للتطبيع مع الكيان المحتلّ، فإنّ التيار السائد في تلك الدول هو الداعم لكيان الاحتلال، والساعي إلى التخلص من كل أشكال المقاومة، حتى وإن كانت ضدّ المحتل، ويمثل هذا التيار وسائل إعلام الدول المطبّعة أو التي كانت في طريقها إلى التطبيع.
وأوضح الكاتب أنّ “إعلام التطبيع” حاول إلقاء تبعات الحرب على المقاومة الفلسطينية في غزة نتيجة ما قامت به في السابع من أكتوبر الماضي، وبالتالي، فقد أصبح ذلك الإعلام ذراعاً من أذرع الدعاية الصهيونية التي ساهمت في استمرار حرب الإبادة إلى اليوم دون وجود أفق لإنهائها.
وفي مقابل الخطاب الصهيوني ومن يسير في ركبه، كان للمقاومة خطابها.. حيث يقول أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب الفلسطيني عماد عبد اللطيف في هذا السياق: إنّ خطاب المقاومة الفلسطينية تمكن من مواجهة الخطاب الصهيوني المدعوم من الغرب.. معتبراً أنّ “أبو عبيدة”، المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، هو المعادل الخطابي لبندقية “الغول”، وقذائف “الياسين”.
ويرى عبد اللطيف في حوار مع مجلة المجتمع الكويتية، أنّ مقاومة الاحتلال نضال متعدد الساحات، تجري معاركه في الخنادق والأنفاق كما تجري في شاشات التلفاز وصفحات “الفيسبوك” وغرف التفاوض.
ويؤكد أنّ الغاية الأساسية لأي احتلال استيطاني هي هزيمة النفوس والعقول، والاستسلام أو الموت، أو الرحيل.. ولتحقيق ذلك يستهدف المُحتل أجساد أصحاب الأرض بالبنادق والقنابل والصواريخ، ويستهدف أرواحهم ونفوسهم بالكلمة والصورة.
وأوضح عبد اللطيف، أن المقاومة أنجزت في حرب الخطابات انتصاراً لا يقل أهمية عن الصمود العسكري الأسطوري في ميادين القتال؛ حيث تمكن خطاب المقاومة من مواجهة خطاب التلاعب الصهيوني المدعوم من الغرب بأسره.
وأشار إلى أن ذلك تجلّى في تفنيد الأكذوبة التي تصف المقاومة بالإرهاب، وإسقاط أكذوبة الجيش الذي لا يُقهر، وإظهار الوجه الحقيقي للجندي الصهيوني، بوصفه جباناً، مفتقداً للكفاءة، عنصرياً، متوحشاً.
ونشر موقع المجد الأمني التابع للمقاومة الفلسطينية بياناً أوضح فيه، أنّ الكيان الصهيوني خسر حربه النفسية ضد الفلسطينيين محلياً وإقليمياً وعالمياً رغم أنف الإعلام المتواطئ.. مضيفاً: إنّ المقاومة الفلسطينية حققت انتصاراً معنوياً هائلاً.
واعتبر البيان أنّ اللجوء إلى تفعيل “بكائية العداء للسامية” أقصر الطرق التي يلجأ إليها كيان الاحتلال لإعادة تقديم نفسه للعالم على أنه الضحية المُعتدى عليها، حيث يتهم الكيان الصهيوني العالم كله بالانحياز ضده، والتعاطف مع الشعب الفلسطيني، بدءاً من الأمم المتحدة إلى الصليب الأحمر الدولي، ومنظمات الإغاثة الإنسانية.
كما أكّد البيان أنّ كيان العدو يستدعي عقدة الاضطهاد النازي، لكي يُلوح بها ضد الفلسطينيين، الذين كانوا وما زالوا ضحايا للاضطهاد الصهيوني البشع منذ نحو قرن من الزمان.. مضيفاً: إنّ تكرار الأكاذيب الصهيونية من قطع رؤوس الأطفال وحرقهم أحياء، واغتصاب النساء، أدّى إلى حالة من الملل العالمي من الخطاب الدعائي الصهيوني وانعدام مصداقيته.
وبحسب ما أوردته كل من “موسوعة أكسفورد للتاريخ العسكري والدبلوماسي الأمريكي” و”موسوعة الاستخبارات ومكافحة التجسس”، فإن الحرب النفسية تقوم بدور مهم جدا في حسم المعركة، فالحرب النفسية تسعى إلى تحقيق أهداف عسكرية عبر التأثير على عقول العدو، وغالبا ما يكون ذلك عن طريق التلاعب بالمعلومات لتضليل العدو أو إضعاف معنوياته من خلال وسائل غير مميتة.
ويذكر أن الحرب النفسية كانت إحدى حيل الحرب منذ فجر العنف المنظم، وقد أكد ذلك بقوة المفكر العسكري الصيني صن تزو في القرن الرابع قبل الميلاد في كتابه “فن الحرب” بقوله: “إن القتال والانتصار في كل معاركك ليس أعلى درجات التميز، فالتفوق الأسمى هو كسر مقاومة العدو دون قتال”.
وزادت الأعراض النفسية لدى الصهاينة وسط عدم استيعاب منظومة الصحة النفسية الأعداد الكبيرة من المراجعين، كما أفادت التقديرات الصهيونية بأن ما بين 20 في المائة و30 في المائة سيعيشون مع هذه الصدمة النفسية طول حياتهم، وأنهم لن ينجحوا في التخلص من أعراضها.
وتُظهِر الآثار النفسية السلبية في المجتمع والجيش الصهيونيين جراء الحرب على غزة، التي بدأها العدو في السابع من أكتوبر 2023، صورة قاتمة ومركبة تفيد بأن كيان الاحتلال يعاني من أعراض صدمة نفسية عميقة وغير مسبوقة تطال كل فئات المجتمع، وفي مقدمتهم الجنود الذين شاركوا في القتال في القطاع وعادوا منه أحياء لكن مع أزمات وعُقَد ستلازمهم طويلاً.
واستخدم موقع “ذا ماركر” الصهيوني تعبير “تسونامي” لوصف الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يتوجهون لعيادات الطب النفسي، وانتشار أعراض مثل اضطراب الأكل، منذ بداية الحرب على غزة.
وتفيد تقارير منظومة الصحة النفسية في الكيان الغاصب بأن في أعداد الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب وشعور بالصدمة والقلق ارتفاعاً كبيراً، يقابله إقبال كبير على تناول الأدوية التي تساعد على النوم والمهدئات، مع تكرار التعرض لكوابيس وأحلام تتكرر فيها مشاهد مثل الوجود في نفق مظلم وضيّق، وثقل مع اختناق، أو سيارات عسكرية مصفحة يعتليها مسلحون وملثمون وأن الشخص معرض للخطف أو أنهم في الاعتقال.
ولا تختلف الصورة كثيراً لدى الجنود والضباط في صفوف جيش العدو، إذ أفادت الإحصائيات حتى الشهر الثاني من الحرب بأن 9000 جندي احتاجوا إلى العلاج النفسي، من بينهم 1500 جندي احتاجوا إلى الخضوع لعلاج نفسي متواصل، وأن ربع الجنود لم يعودوا إلى القتال بسبب حالتهم النفسية، وأن الجيش خصص 838 معالجاً نفسياً لمرافقة الجنود في القتال.