المقاومة التي لا تُقهر
الصمود||مقالات||زياد الحداء||
ونحن على بُعد أسابيع من انقضاء عام كامل على معركة الطوفان التي هي معركة الإسلام ضد الكفر والباطل تعلن قيادة جيش الاحتلال عن إصابة 4357 جنديًّا وضابطًا ومصرع 695 آخرين.
الخبر لا يستحق أن نمر عليه مرور الكرام -خَاصَّة مع ما يقوم به العملاء والمنافقون من التشكيك والحرب الإعلامية الشرسة ضد المقاومة ورموزها وتحَرّكها حتى أنه تورط في ذلك علماء السوء والبلاط؛ فهو خبر أكبر من كونه إحصائيات للحصر والأرشفة بل يمتد إلى مستوى نصر كبير للأُمَّـة بكلها قبل المقاومة نفسها، وهزيمة مدوية لـ “إسرائيل” صاحبة القوة العظمى وجيشها الذي لا يُقهر، وللصهيونية العالمية التي حرصت على بناء إمبراطوريات عظمى تحفظ لها مكانتها على عرش العالم.
لم يسبق خلال فترة الصراع مع العدوّ الصهيوني أن حصل مثل هذا بالرغم أن المعارك السابقة للعدو كانت مع جيوش عربية قوية بما فيها الجيش المصري والسوري وغيره ولم تكن هذه الجيوش تتمكّن من الصمود لبضعة أَيَّـام في أكثر الحالات حتى لو كانت مجتمعة -بغض النظر عن الأسباب- حتى ذاع بين العالمين أن العصابة الصهيونية لا تقهر وارتسمت هذه الأُسطورة بين أوساط العرب ومثلت ضربة قاضية لمعنويات أُمَّـة بأكملها.
لكن ما حصل على يد المقاومة اعاد الكيان الغاصب لمستواه وحجمه الطبيعي ككيان محتلّ للأرض ومنتهك للحرمات ينطبق عليه ما ينطبق على من سبقه في ذلك وأن مصيره هو الزوال الحتمي وأن المسألة هي مسألة وقت لا أكثر، والدلائل في واقع الأُمَّــة كثيرة فقد استمر الاستعمار في بعض البلدان لأكثر من مِئة عام ولكنه في الأخير مصيره محتوم ومرتبط فقط بإرادَة الشعب المحتلّ وصاحب الأرض.
بالعودةِ إلى الرقم المذكور نلحظ أنه رقم كبير ويشكل صورة نصر كبير للمقاومة لم تستطع أن تجنيَ مثله دول مجتمعة؛ فالأمر ليس مُجَـرّد رقم كما قلنا -مع أنه ملفت خَاصَّة أن الكيان لا يعترف بكامل الحقيقة التي مضمونُها: أن (العدد أكبر من ذلك بكثير)- فهذا الرقم يبعث على الكثير من التساؤلات التي من ضمنها:
كيف استطاعت الثلةُ المجاهدة أن تفعل ذلك؟
وكيف استطاعت الحفاظَ على تماسكها إلى اليوم بالرغم مما عمله العدو؟
ويبقى السؤال الأبرز هو كم عدد الشهداء الذين تمكّن العدوّ الصهيوني من قتلهم مقابل خسارته هذه سوى اعتدائه على المدنيين وتفننه في قتل النساء والأطفال؛ الأمر الذي يزيد من قبحه ووحشيته؟
تبقى الإجابات محيرة جِـدًّا لأصحاب الدراسات العسكرية والخبراء المحللين الذين يعتمدون على المعطيات المادية ومراكز صنع القرارات السياسية وموازينها في صنع النتائج لهكذا حروب ومعارك، ولا لوم عليهم في ذلك فهم لا يفقهون معنى أن تكون صاحب معية إلهية وقضية عادلة وإرادَة قوية لا تقبل بالهزيمة أَو التراجع، لا يفهمون قضية أن شعباً باع نفسه لله وصنع من نفسه مشروع شهادة وكرّس كُـلّ طاقته وإمْكَاناته لأجل قضيته فحظي برعاية الله ونصره حين خذله السوادُ الأعظم، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِـمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسم اللهِ كَثيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
نحن أمام معركة محيرة للعالم فقد بذل اليهود وجيشهم كُـلّ قوتهم وأقصى ما يستطيعون ومن ورائهم أمريكا وقوتها الضاربة، وبريطانيا العظمى بكل أنواع الدعم وبأقصى ما تستطيع، أمام مجموعة مستضعفة بإمْكَانيات بدائية بسيطة جِـدًّا ولم تستطِع أن تصل إلى أيٍّ من أهدافها، بل أصبحت في تخبط واضح وفقدت الرؤية من حولها فهي كمن ضل في صحراء قاحلة لا يوجد بها سوى الرمل والسراب تركض وراء السراب ولا تهتدي إلى الخروج سبيلًا، ومع الأيّام تبدّل الحال وانكسرت الأُسطورة التي لا تُقهر والقوى العظمى وتغدو الثلة المؤمنة المجاهدة لتصبح المقاومةُ التي لا تُقهر.