إسكات الحرب أولى من الرد: هل يقبل المحور؟
الصمود||مقالات||عبدالحميد الغرباني||
يتعرَّضُ ثَبَاتُ محورِ المقاومة -على موقفِ حتميةِ الرد على الجرائم الإسرائيلية الأخيرة- لهجماتٍ متواصلةٍ من جبهة الكفر تُقدِّمُ الحقَّ المشروعَ بالرد والانتقام كمهدِّدٍ خطير للتوصل إلى وقف إطلاق النار بغزةَ، وقد عزَّزت هذه الجبهةُ المعادية خطابَها الإعلامي بحراكٍ سياسي تُوِّجَ بزيارة وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، للمنطقة للمرة العاشرة منذ بدء العدوان! كيف يمكن تفسيرُ هذا السلوك؟ هل يمكنُ اعتبارُه مقدّمةَ عرضٍ أمريكي إسرائيلي يُقايضُ ردَّ المحورِ بوقف إطلاق النار في قطاع غزة؟ وهل يمكن أن يرضَى المحورُ بهذا الثمن أَم يُثبِتُ حتميةَ الرد وَينفِّذُه بما يعبِّرُ عن جوهرِ مفهوم الردع وَتوازُنِ الرعب؟
ثم ما الأفق؟ إلى أين نحن ذاهبون؟
مناورةٌ سياسية:
السلوكُ الأمريكي الإسرائيلي المشترك منذ الجرائم الأخيرة مناورةٌ سياسية كبرى حاولت إظهارَ أن وقفَ إطلاق النار في غزة أولى من الردّ أَو توسيع نطاق الحرب أكثر، لكنها لم تقدم الفعلَ الأولَ ثمنًا للفعل الثاني، وهذا ما عَبَّــرت عنه وترجمته أَيَّـامُ المباحثات في الدوحة، ثم ما أعلنته تصريحاتُ بلينكن المختلفةُ المرافِقةُ لجولته الأخيرة وتصريحاتُ مجرمِ الحرب نتنياهو نفسه وَحديثُه عن الموافقة على مقترحٍ محدَّث، وهو ما أكّـد استمرارَ رفض الصهاينة لورقةِ بايدن أَو مقترحَ الثاني من يوليو الماضي؛ وهذا يعني أن السلوكَ الأمريكي تحتَ عنوان “وقف إطلاق النار في غزة” لا ينفصِلُ عن مساعي احتواءِ رَدِّ المحور، في وقت ما يزالُ فيه الإسرائيلي في موقع الباحِثِ عن الخروج من مأزِقِ غزةَ والرد المرتقَب كصاحب اليد العُليا في الميدان، وكل هذا لا يستبعدُ أننا كنا أمامَ جولة استطلاع أمريكية باحثةٍ عن رَدِّ المحور على هذه المقايضة غيرِ المُعلَنة بشكل مباشر.
غموضُ المحور:
ما سبق يقودُنا للإجَابَة على السؤال الثالث، في الرد، ثَـــــمَّ من يرى أن موافقة المحور أَو رفضَه هذه المقايضةَ تبقى شأنًا مجهولًا ورهنَ دوائر صُنع القرار في المحور.
أصحابُ هذا الرأي يشيرون أَو يتوقفون عند نجاح المحور إزاء مناورة العدوّ بتطويقها بموقف غامض.
لكنَّ هناك فريقًا آخرَ يرى أن المحورَ سيرفُضُ تماماً وَبشكل قاطع، عرضَ وقف إطلاق النار في غزةَ مقابل تعطيل الرد على الجرائم الأخيرة، وَينطلقُ رأيُ هذا الفريق من تصريحٍ لخارجية الجمهورية الإسلامية في إيران فَصَل تماماً بين حتمية الرد على اغتيال هنية من جهة وَوقف إطلاق النار في غزة من جهة أُخرى، بالتالي يمكنُ أن ينسحِبَ الموقفُ إزاء الجرائم الأُخرى في ظل معرفةِ أن وقفَ إطلاق النار ضمنَ سقف وشروط المقاومة الفلسطينية سبق وتحقّقَ في ما باتَ يُعرَفَ بـ (مقترَحِ بايدن) وبالتالي فالمحور لا يحتاجُ للتنازل عن حقٍّ مشروعٍ لتحصيل استحقاقات أمكن تحصيلُها.
مع ذلك هناكَ فريقٌ ثالث يجادلُ ويرى أن المحورَ قد يرضَى بوقفِ إطلاق النار في غزةَ ثمنًا يدفعُه العدوُّ بمعزِلٍ عن تحصيلِ ذلك في ورقة بايدن أَو اتّفاق الثاني من يوليو الماضي، وأصحابُ هذا الرأي ينطلقون من حقيقةِ أن العدوّ عطّلَ الاتّفاقَ ورفَضَه آنذاك وَيُقدِّمُه محدَّثًا؛ لتحقيق بعض شروطه؛ وهذه نقطةُ مفترق طرق بين أن يتنازَلَ نتنياهو عن شروطه في مقابل أن يكونَ وقفُ إطلاق النار والحرب على غزة بسقفٍ ترضاه المقاومة، هو الثمنُ المدفوعُ مقابلَ الجرائم الأخيرة في طهرانَ ولبنانَ واليمن.
الأُفُقُ مُعتِمٌ:
غير الآراءِ السالفة الذكر يمكنُ الإشارةُ إلى أن عدداً من السياسيين والمراقبين كتبوا وتحدَّثوا في سياقِ الردِّ على ماذا نحن مقبِلون عليه، أن المنطقةَ تتأرجَّحُ بين اللاحرب والحرب الكبرى، وهي أقربُ للأخيرة في حال توالت الأيّامُ بلا اتّفاقٍ آني خاصٍّ لا يقفُ عند غزةَ فقط.
وهكذا فلا أُفُقَ واضحًا لما قد تُصبِحُ أَو تُمسي عليه المنطقةُ والقلقُ لا يساورُنا أنَّما هو مُقيمٌ في معسكر الأعداء، أما محورُنا فمتوثِّبٌ ولن يهرُبَ من الواجب.