ماذا يعني امتلاك اليمن صواريخ فرط صوتية؟
الصمود||تقرير||ضرار الطيب||
لم يكن صاروخ “فلسطين2” هو أول صاروخ “فرط صوتي” تكشف عنه القوات المسلحة اليمنية، فقد كشفت قبله عن صاروخ “حاطم2″، لكن أصداء الكشف عن الصاروخ الجديد كانت أكبر بالنظر إلى العملية التأريخية التي سجل ظهوره الأول فيها، والتي جعلت المفاجأة تتجاوز مسألة الوصول إلى التقنية النادرة فحسب، وتضع العدو أمام معادلة “ردع” تأريخية غير مألوفة له بكل عناصرها.
في مارس الماضي بدأ ملامح الاختراق التقني بالظهور مع تسريبات نشرتها وسائل إعلام روسية حول امتلاك القوات المسلحة اليمنية صواريخ فرط صوتية، وذلك على وقع تأكيدات متكررة من السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بشأن مفاجآت قادمة، وبرغم أن الأعداء حاولوا تجاهل ما تحدثت عنه تلك التسريبات وإنكارها، فإن وسائل إعلامهم لم تجد بدا من تسليط الضوء على التقنية نفسها، حيث ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” وقتها في تقرير أنه “يمكن للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي تطير بسرعات أعلى من 5 ماخ، أن تشكل تحديات حاسمة لأنظمة الدفاع الصاروخي بسبب سرعتها وقدرتها على المناورة” مضيفة أن “الخطر الناجم عن صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت يعتمد على مدى قدرته على المناورة، حيث تطير الصواريخ الباليستية على مسار يمكن من خلاله للأنظمة المضادة للصواريخ مثل باتريوت الأمريكية الصنع توقع مسارها واعتراضها، ولكن كلما كان مسار طيران الصاروخ غير منتظم، مثل الصاروخ الذي تفوق سرعته سرعة الصوت مع القدرة على تغيير الاتجاهات، كلما أصبح اعتراضه أكثر صعوبة”.
ربما استطاع العدو وقتها أن يجد فسحة للإنكار بحكم أن صنعاء لم تكن قد أعلنت عن الأمر بعد، لكن تهديد امتلاك اليمن لهذه التقنية كان واضحا بما فيه الكفاية في ذلك الوقت، فهذه التقنية تمثل ببساطة ضربة قاتلة لواحد من أهم عناصر استراتيجيات الحرب لدى الولايات المتحدة والعدو الصهيوني في هذه المعركة، وهو عنصر الدفاع الجوي المتقدم، والذي يعد من أساسيات خطة “التفوق العسكري” الذي حرص الأمريكيون والصهاينة على ضمان الانفراد به في المنطقة ليكون الأرضية الرئيسية التي يقفون عليها في الصراع.
اهتزاز الردع الصهيوني
وقد برزت قيمة “التفوق الدفاعي” في استراتيجيات الأعداء بشكل واضح خلال هذه المعركة، حيث كانت الثقة بهذا التفوق من أهم دوافع الاعتداءات الصهيونية الإقليمية على إيران واليمن ولبنان وسوريا، حيث كان استنفار القدرات الدفاعية سواء داخل كيان الاحتلال أو خارجه هو الاستراتيجية التي يعتمد عليها العدو بل ويثق في أنها ستجعله يتجاوز الردود بخسائر غير كبيرة وفقا لحساباته التي تشمل أيضا تقديراته لحجم الردود، فهو يعلم أيضا أنه لا زال هناك مسافة معينة على الحرب الشاملة، ولكنه لن يفوت فرصة محاولة رسم صورة -ولو مؤقتة وغير دقيقة- لكيان محمي بشكل جيد.
ومن هنا فإن إطلاق صاروخ “فلسطين2” الفرط صوتي على “تل أبيب” لم يكن مجرد اختراق خطير لحظي، بل هزة عنيفة لاستراتيجية (الردع/ الحماية) ولقضية “التفوق العسكري” التي لا يوجد عنها بديل لأنها أساس وليس مجرد تفصيل، ولذلك ركز جيش العدو الإسرائيلي بشدة على نفي امتلاك اليمن لهذه التقنية، أكثر من تركيزه على التعامل مع التساؤلات الكثيرة التي أثيرت حول الفشل في اعتراض الصاروخ واكتشافه مبكرا، لأنه يرى أنه قد يكون هناك مساحة مناورة متبقية إذا لم يعلم المستوطنون يقينا أن اليمن لديه هذه التقنية.
وقد عبر مسؤول عسكري تحدث لصحيفة “كالكاليست” العبرية يوم العملية عن هذه الهزة بوضوح، حيث قال إنه “لو كان الصاروخ فعلا فرط صوتي فإن ذلك سيعني تغييرا جوهريا في المنطقة” وهي إشارة واضحة إلى أن التحول الذي تشكله الضربة ليس ثانويا، بل أساسيا يتعلق بالأبجديات الرئيسية لاستراتيجيات الحرب، ذلك أن امتلاك اليمن صواريخ قادرة على تجاوز أحزمة الدفاعات والرصد التي تشكلها عدة دول بالإضافة إلى كافة المنظومات الإسرائيلية، هو معادلة “ردع” مكتملة الأركان تجعل صنعاء قادرة عمليا على تطبيق استراتيجيات مثل “العين بالعين” على كل المستويات، بل أيضا توجيه ضربات استباقية إن لزم الأمر.
لا خطوط حمراء
ومع ذلك فإن هذه المعادلة لا تتعلق بالتقنية وحدها، بل تشمل أيضا القرار، وهنا يكمن تفصيل مزعج للغاية بالنسبة للعدو، لأن جبهة الإسناد اليمنية تميزت بشكل واضح بالسقف المفتوح من حيث القرارات، فإطلاق صاروخ فرط صوتي على قلب كيان العدو ليس مرتبطا هنا بخطوط حمراء سياسية أو عسكرية بعيدة قد يحرص العدو على الالتفاف عليها لتجنب الضربة، بل مرتبط بتوفر الإمكانيات فقط، وباستمرار الإبادة الجماعية في غزة، وبالتالي فإن العدو لا يستطيع أن يضع تقديرات وتوقعات لحجم ومستوى الضربات اليمنية إلا إذا توفرت له معلومات دقيقة عن مستوى ما وصلت إليه الترسانة اليمنية، وهذا المجال “ثقب أسود” لا يمكن اكتشافه، بحسب تعبير أحد قادة مجموعة حاملة الطائرات الأمريكية (أيزنهاور).
وبالنظر إلى أن الضربة جاءت في ظل استنفار دفاعي كبير، وكانت الثانية خلال شهرين، وفي ظل عدم وجود معلومات تتيح للعدو تقدير السقف المرحلي، مع استمرار الإبادة الجماعية في غزة، فإن الجبهة اليمنية تشكل الآن مأزقا استراتيجيا غير مألوف على الإطلاق، يمتد من الخوف حيال التعرض لضربات جديدة ناجحة خلال الفترة المقبلة، ويمر بالخوف من إنتاج أسلحة جديدة أكثر فتكا ودقة، ويصل إلى القلق الوجودي المستقبلي إزاء وجود قوة جديدة قادرة على صفع “إسرائيل” بشكل مباشر في 11 دقيقة ونصف ردا على أي اعتداء، ولديها الشجاعة لفعل ذلك بعيدا عن كل اعتبارات سياسية ودبلوماسية، وهو ما يعني انهيار قيمة “التفوق العسكري” الإسرائيلي ماديا ومعنويا، فحتى محاولة الحفاظ على صورة هذا التفوق من خلال الألاعيب والحيل التي قد تعيق وقوع ردود قوية على أي اعتداءات، لا مجال لنجاحها أمام اليمن الذي بادر أصلا بقصف “تل أبيب” قبل أن تعتدي عليه الطائرات الإسرائيلية بشكل مباشر.
في تعليقه على الضربة الصاروخية المباركة، قال الباحث والصحافي الإسرائيلي يوني بن مناحيم، في مقالة على مجلة “إيبوك” إنه ينبغي على كيان العدو الحذر لأن القوات المسلحة اليمنية “خطيرة وعنيدة وانتقامية خاضت صراعا عسكريا مستمرا لسنوات ضد السعودية والإمارات، بل ونجحت في شل جزء كبير من صناعة النفط السعودية والتسبب في أضرار اقتصادية جسيمة من خلال الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار”.
والآن تمتلك هذه القوة صواريخ فرط صوتية!.