ثورة 21 سبتمبر ونهج السلم والشراكة.. “الحلقة الأخيرة”
الصمود||تقرير||أنس القاضي||
كان اتفاق السلم والشراكة حدثاً غريباً بالنسبة للقوى السياسية اليَمَنية، فطوال التاريخ اليَمَني الجمهوري، من بعد ثورة 26 أيلول/سبتمبر 1962م شمالاً والاستقلال الوطني 30 تشرين ثاني/ نوفمبر1967م جنوباً، حتى 11 شباط/فبراير 2011م، لم يسبق التوصل إلى اتفاق مماثل، ولم تقدم القوى المنتصرة والصاعدة إلى السُلطة في مختلف الحروب والانقلابات والحركات التصحيحية على انتهاج السلم والشراكة تجاه خصومها أو حلفائها، كما فعلت قيادة ثورة 21 سبتمبر في خطاب انتصار الثورة والذي مثّل انتصاراً للسلم والشراكة.
قضايا اتفاق السلم والشراكة
جاءت وثيقة اتفاق السلم والشراكة لتعيد ترتيب أولويات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بما يراعي الأوضاع اليَمَنية الملموسة، وقد اتجهت مواد اتفاق السلم والشراكة نحو القضايا التي تم تجاوزها في مؤتمر الحوار الوطني والتعامل معها من خارج قاعدة التوافق الوطني في مساعٍ قديمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية في الانقلاب على مؤتمر الحوار.
ارتبطت أهم القضايا العاجلة والملموسة التي وردت في اتفاق السلم والشراكة، بإسقاط الجرعة السعرية وإصلاح الوضع الاقتصادي ومحاربة الفساد، وإسقاط الحكومة التي تشكلت عبر المحاصصة بين أطراف “المبادرة الخليجية”، وتشكيل “حكومة وطنية” قائمة على التوافق، ومحاربة “الإرهاب” التكفيري وإصلاح الوضع الأمني، وإعادة النظر في شكل الدولة التي حسمت بشكل استبدادي من خارج التوافق بستة أقاليم، وتصحيح وضع هيئة الإشراف والرقابة على تنفيذ المخرجات ولجنة صياغة الدستور، وتعيين مستشارين لرئيس الجمهورية يمثلون أنصارالله والحراك الجنوبي من أجل حضور التوافق في قرارات رئيس الجمهورية الانتقالي، وتوسيع مجلس الشورى من أجل استيعاب القوى الرئيسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني والتي ليس لها تمثيل في المجلس وهي أنصارالله والحراك الجنوبي.
توجهت مختلف موضوعات مؤتمر الحوار الوطني إلى إصلاح الوضع السياسي المتعثر، والذي كان يُفترض أن يتم قبل عام من اتفاق السلم والشراكة أي بعد انتهاء مؤتمر الحوار، وفي مقدمة ذلك تشكيل حكومة وطنية من القوى المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل الأجهزة والهيئات التي سوف تقوم بتنفيذ المخرجات والرقابة على تنفيذها. كما أنه كان يُفترض تنفيذ النقاط العشرين، وكذلك النقاط الإحدى عشر، وكل هذه الموضوعات كان يُفترض أن تتم قبل أعوام لو أن المسار السياسي كان خاضعاً للتوافق الوطني ولا يتم التأثير عليه من قبل القوى الدولية المعادية ووكلائها الرجعيين وعلى رأسهم هادي.
المواقف المحلية والدولة من اتفاق السلم الشراكة
القوى اليَمَنية
بناء على حقيقة أن اتفاق السلم والشراكة سابقة في التاريخ اليَمَني بدعوة المنتصر خصومه ومنافسيه وأصدقائه إلى الشراكة وعدم إقصاء أي طرف، فقد سارعت القوى السياسية الرئيسية إلى توقيع اتفاق السلم والشراكة ومباركته وكان من الغريب أن يقوم طرف ما بإقصاء نفسه وعدم الموافقة على الاتفاق الذي حظي بدعم أممي والذي يعد نقطة تطور في مجرى الانتقال السياسي اليَمَني من بعد ثورة 11 فبراير 2011م.
وقعت مختلف القوى السياسية الرئيسية في البلد على الاتفاق كما أصدرت القوى السياسية في أوقات لاحقة بيانات وتصريحات مؤيدة لاتفاق السلم والشراكة، بما فيها القوى السياسية التي تنتهج الإقصاء تاريخياً والتي لا تريد الشراكة وجدت نفسها مضطرة إلى التوقيع وعدم المجاهرة بموقفها المضاد للشراكة، كما جرت مناقشات للاتفاق وتقييم لتنفيذه برعاية منظمات المجتمع المدني.
وفي طبيعة الحال فإن هذه القوى المعادية للشراكة لم تنفذ الاتفاق فيما بعد، وكانت هي التي رفضت قبل ذلك تنفيذ النقاط العشرين والنقاط الإحدى عشر الأساس الموضوعي لنجاح الحوار، وأعاقت تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل المتوافق عليها، وخالفت مبدأ التوافق والنظام الداخلي لمؤتمر الحوار أثناء مجريات جلساته. كما بارك الاتفاق سياسيون وأكاديميون ومنظمات مجتمع مدني، حيث أجمعوا على الحقيقة الموضوعية للاتفاق الذي جاء كخطوة تصحيحية لمسار مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وتعبيراً عن السياسة الداخلية لثورة 21 أيلول/سبتمبر.
وفي العموم كان هناك توافق عام موضوعي على أن اتفاق السلم والشراكة هو الحل للعقدة السياسية وعلى ضرورة تنفيذه والإسراع في ذلك، وهو توافق منطقي للقوى اليَمَنية والدولية لم يسبق في أي من الدول التي شهدت اضطرابات سياسية من بعد ” الربيع العربي” كليبيا وسوريا وتونس ومصر والبحرين.
القوى الدولية
لم يكن موقف القوى الدولية مغايراً لموقف القوى السياسية اليَمَنية، فقد اتجهت لمباركته مختلف القوى الدولية التي لها تأثير على الحوار في اليمن والمعروفة بالدول العشر ممثلة بسفرائها في اليمن، والتي كانت هي الراعية للمبادرة الخليجية ومن ثم مؤتمر الحوار الوطني.
كان الاجماع الذي حظيت به اتفاقية السلم والشراكة غير مسبوق، وقد توجهت هذه الدول إلى تأييد الاتفاق من منطلقين، فالدول الصديقة والمحبة للسلام والتي تريد الخير لليمن ولها مع اليمن مصالح متبادلة مشروعة وجدت في الاتفاقية حلاً واقعياً للأزمة ودفعاً للمسار السياسي المتعثر، ومن جهتها فالدول العُدْوَانية والتي لديها مصالح إمبريالية غير مشروعة في اليمن باركت هذه الاتفاقية لأنها لم تقصِ وكلاءها والقوى السياسية الموالية لها، ومن جهة ثانية فقد وجدت الدول الإمبريالية في الاتفاقية فرصة للتحضير للعدوان على اليمن وهو ما كشف عنه مسؤول سعوي لاحقاً ، كما أن اضطرار هذه الدول لمباركة الاتفاقية وهي تضمر الشر، تجلى في الأيام القليلة السابقة للعدوان على اليمن حيث تجاهلت المملكة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اتفاق السلم والشراكة كمرجعية للتوافق في اليمن وذكرت فقط المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني.
وقد باركت الاتفاقية الأمم المتحدة وأمريكا، والاتحاد الأوربي وروسيا، والصين وإيران ،وتركيا، والسعودية ، وسلطنة عمان، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، وقطر. واختلفت مواقف هذه الدول من التدخل العسكري 26 آذار/مارس 2015م، وهو إلى جانب كونه انتهاكاً لسيادة اليمن فهو أيضاً نقض لهذه الاتفاقية، فالدول التي كانت صادقة في مباركة اتفاق السلم والشراكة رفضت التدخل العسكري في اليمن ولم تؤيده فيما الدول التي وافقت على الاتفاق وهي غير مقتنعة به فقد حرضت عليه وأيدت التدخل العسكري.
الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة
كان الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة مبيتاً منذ توقيعه ومباركته من قبل القوى المعادية، فلم يكن الأمريكي والسعودي وعملاؤهم من هادي وحزب الإصلاح وجناح هادي وصالح في المؤتمر الشَّعْبي العام موافقين على اتفاق السلم والشراكة من حيث حقيقة أنهم من مانعوا من قبل ذلك تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ونهج التوافق في أعمال مؤتمر الحوار، وكذلك رفض قانون العدالة الانتقالية ومحاولة التغطية عليه بقانون المصالحة الوطنية للتهرب من الجرائم التاريخية التي ارتكبتها النخبة المسيطرة.
من قبل انتصار ثورة 21 أيلول/سبتمبر بيومين، في تاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2014م اجتمع “هادي” بسفراء الدول العشر في صنعاء وقال إن تفجير الوضع (الثورة) من قبل الحوثيين “محاولة انقلابية لإسقاط الدولة” وقد كان هذا التصريح واللقاء معبراً عن الموقف الراسخ للقوى الداخلية والأجنبية المعادية للثورة والسلم والشراكة والاستقلال الوطني وفي يوم 20 أيلول/سبتمبر 2014م اجتمع “هادي” باللجنة العامة للمؤتمر الشَّعْبي العام ودعا إلى ما أسماه “بالاصطفاف الوطني” الذي كان يعني بشكل دقيق اصطفاف القوى المعادية للثورة وفي 23 أيلول/سبتمبر عقد “هادي” اجتماعاً موسعاً مع مجلس النواب والوزراء والشورى، بعد يوم من توقيع اتفاق السلم والشراكة وقال: “طعنا وغدرنا والمؤامرة كانت فوق التصور وتعدت حدود الوطن وفي 24 أيلول/سبتمبر 2014م، تلقى “هادي” اتصالاً من مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة “الإرهاب” ليزا موناكا وفي ذات اليوم استقبل “هادي” في العاصمة صنعاء السفير الأمريكي ماثيو تولر.
وهناك معزى لكون أول طرف يتصل بهادي من بعد انتصار الثورة هو مستشار الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب فهذا الأمر أكد حقيقة أن الولايات المتحدة تعاملت مع ثورة 21 أيلول/سبتمبر كعمل “إرهابي”، ولقنت “هادي” هذا الموقف.
كان الموقف العُدْوَاني تجاه الثورة والسعي للانقلاب على الاتفاق هو الموقف الراسخ لدى القوى الدولية والمحلية المضادة للثورة وللسلم والشراكة والسيادة الوطنية، وقد برز هذا الموقف في التصريحات الأمريكية والسعودية وكذلك تصريحات هادي بنبرتها التشنجية المعادية للاتفاق.
كان الموقف الاستراتيجي لقوى الثورة المضادة المعادية للسلم والشراكة وسيادة الوطن، هو رفض اتفاق السلم والشراكة وعرقلة تنفيذه وكسب الوقت لعمل عدواني ضد الثورة والوطن اليَمَني، وفي سبيل تنفيذ هذا الموقف قامت القوى المضادة للثورة بمناورات سياسية التفافية كتعيين رئيس للوزراء شخصية من خارج التوافق الوطني، وقامت ميدانياً بأعمال “إرهابية” واغتيالات استهدفت الأفراد والشخصيات والقيادات الأمنية والمتظاهرين والأطفال والمحتفلين والنقاط والمراكز العسكرية والأمنية، وصولاً إلى خروج الجماعات التكفيرية إلى العلن والسيطرة على مناطق في عدد من المحافظات اليَمَنية والانتشار فيها، كمديرية العدين في محافظة إب ومدينة الحوطة في لحج وأجزاء من مديرية شرعب الرونة محافظة تعز وأجزاء من البيضاء ومأرب وعدن وأبين وحضرموت ومدينة تعز.
عندما كانت تتعقد الأوضاع وتقدم قوى الثورة على خطوات ثورية رادعة كانت القوى الدولية والمحلية تؤكد أن منشأ العراقيل هو التباطؤ في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة، فيما كان هذا القرار بيد “هادي”، كما كان بيده سابقاً تنفيذ النقاط العشرين والإحدى عشر وإخضاع قرار شكل الدولة للتوافق الوطني، لو أنه لم يكن يعمل على إفراغ مؤتمر الحوار من مضمونه وتحويله إلى فعالية شكلية لتمرير سياسات النخبة الحاكمة والدول المهيمنة.
إدخال البلد في الفراغ
لقد كان المنعطف الأخطر التمهيدي للعدوان على بلادنا والتي باشرته القوى المضادة الثورة والشراكة والسيادة، هو محاولة مدير مكتب “هادي” أحمد عوض بن مبارك إقرار مسودة الدستور غير المتوافق عليها، وحين فشلت هذه النقطة، وجه هادي(وفي وقت لاحق) قوات الحماية الرئاسية بمهاجمة نقاط اللجان الشَّعْبية في السبعين، وبعدها قدم هادي استقالته إلى البرلمان الذي يسيطر عليه المؤتمر عملياً والمحكوم بالتوافق الذي كان لا يستطيع أن يبت في أمر كهذا ثم تقديم بحاح استقالته لهادي الذي لا يملك صلاحية قبولها أو رفضها، ومن ثم رفض هذه الحكومة تصريف الأعمال، وإدخال البلد في فراغ سياسي وهو ما دفع قوى الثورة إلى عقد مؤتمر وطني موسع خرج بقرار قيام الثورة بإعلان دستوري لم يحدد الإعلان الدستوري من الرئيس والنائب كالإعلانات الانقلابية التي تأتي بقائمة قيادات السلطة الجديدة وتعلن سجن وإعدام قيادات السلطة القديمة، بل تركت قوى الثورة المواقع السياسية شاغرة من أجل أن تتوافق عليها القوى السياسية، إلا أن القوى المعادية للثورة انتقلت إلى خطوة أخرى ممثلة بقيام هادي بالهروب إلى عدن، ومن ثم نقل السفارات إلى عدن وتراجع هادي عن استقالته، وتحشيد الجماعات الداعشية والمرتزقة الذين بدأوا باستهداف المعسكرات ، تمهيداً للعدوان الأمريكي السعودي المباشر.
مسار المفاوضات السياسية من بعد الإعلان الدستوري
في 17 كانون الثاني/يناير 2015 حاول الرئيس الانتقالي “هادي” تمرير مسودة الدستور غير التوافقية للتصويت عليها، وجاء ذلك في ظل اختلالات في أوضاع الهيئة الوطنية للرقابة والإشراف على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور وعدم تنفيذ اتفاق السلم والشراكة وخاصة الجزء المتعلق بشكل الدولة اليمنية وحل القضية الجنوبية الذي كان محط خلافات سياسية شديدة، في هذه الظروف السياسية حاول “هادي” فرض الدستور غير التوافقي، وكانت الحادثة بمثابة متغير سياسي جديد أثار العملية السياسية والعسكرية معاً.
عندما فشلت محاولة تمرير الدستور غير التوافقي أقدم ” هادي” وحكومة بحاح وكذلك على تقديم الاستقالة، وهو ما دفع قوى الثورة إلى عقد مؤتمر وطني موسع في العاصمة صنعاء خلال الفترة من 31 كانون ثاني/يناير 2015م حتى ١ شباط/فبراير2015م والذي كان من مخرجاته توصية للجنة الثورية أن تصدر إعلاناً دستورياً؛ وقد جاء الإعلان الدستوري استجابة للحاجة الموضوعية من أجل ملء الفراغ الدستوري في البلد، ولم يكن الإعلان موجهاً ضد طرف من الأطراف فهادي كان مستقيلاً وكذلك حكومة بحاح.
تركز الإعلان الدستوري في ثلاث نقاط مهمة هي تشكيل مجلس وطني، ومجلس رئاسي، وبدوره يقوم المجلس الرئاسي بتشكيل حكومة وحدة وطنية على أسس التوافق والشراكة الوطنية لتقوم بتنفيذ اتفاق السلم والشراكة ومخرجات الحوار الوطني. الإعلان الدستوري طرح هذه المهام والموقع الرسمية ولكن دون أن يملأها بل ترك أمر ملأها لتوافق القوى السياسية المختلفة التي كانت نظرياً تدرك طبيعة الحل؛ وقد كانت مسألة تشكيل مجلس وطني -يستوعب كل الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار الوطنية- متفق عليها ومطروحة منذ مؤتمر الحوار ولم تكن بعيدة عن التوافق.
مفاوضات “موفنبيكك”
بعد الإعلان الدستوري دخلت القوى السياسية في مفاوضات في فندق “موفمبيك” في العاصمة صنعاء، وكانت متفقة على الحل النهائي القاضي بتشكيل مجلس وطني ومجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية باعتبارها أسس بناء المستقبل، فيما الخلافات حول التفاصيل، وكان حزب الإصلاح هو الطرف الأبرز الذي يتعنت في مواجهة التوافق الوطني امتداداً لموقفه السابق المعادي لثورة ٢١ سبتمبر ولاتفاق السلم والشراكة ومخرجات الحوار والنقاط العشرين والإحدى عشر واتفاقية العهد والاتفاق ودستور الوحدة، فهو معروف تاريخياً برفضه للشراكة ونزعته الاقصائية.
جاء انتقال “هادي” إلى عدن أواخر فبراير ٢٠١٥م من أجل أن يضع حداً للتوافقات السياسية التي تجري في صنعاء برعاية أممية سواء في موفمبيك أو في الحوارات الموازية في لقاءات القيادات السياسية، فحين وجدت الدول العدوانية ومعها “هادي” أن استقالة الرئاسة والحكومة لم تؤثر على الوضع السياسي وأن الإعلان الدستور ملء الفراغ، عند هذه النقطة انتقل “هادي” إلى عدن بإيعاز من الولايات المتحدة والمملكة السعودية من أجل أن يقطع المسار السياسي ويدخل البلد في فوضى، وقد كان ذلك تمهيداً للتدخل الأجنبي.
تزامن انتقال “هادي” إلى عدن مع تفعيل مختلف الأساليب العدوانية للتأثير على القرار السياسي للثورة الشعبية ومنها التفجيرات “الإرهابية” والمجازر والعبوات الناسفة وذبح الجنود، وكان من أبرزها ذبح الجنود في لحج وعدن وتفجيري مسجدي بدر والحشحوش في العاصمة صنعاء وهو ما دفع قوى الثورة إلى إعلان التعبئة العامة من أجل مواجهة “الإرهاب” التكفيري الاستخباراتي.
جاءت العمليات التخريبية بالتوازي مع ضغط سياسي خارجي ودعوات من “هادي” إلى نقل المفاوضات إلى الرياض وبرعاية مجلس التعاون الخليجي لا الأمم المتحدة، في ذلك الوقت جرى نقل السفارات إلى عدن، وضخ إعلامي عدواني ضد اليمن وعصبوي باتجاه تمزيق المجتمع اليمني على أسس طائفية وعرقية ومناطقية ومذهبية ضمن سياق التمهيد للعدوان الذي كان يحضر في ذلك الوقت، وهو ما اعترف به وزير الخارجية السعودي لدى الولايات المتحدة في وقت لاحق من العدوان.
بالتزامن مع هذا الضغط السياسي الإعلامي “الإرهابي”، كانت القوى الانتهازية من القوى السياسية في موفمبيك وفي مقدمتها حزب الإصلاح تتعامل بلؤم مع حرص القيادة الثورية على التوافق السياسي، فكانت تعطل الحوار السياسي وتحرص على كسب الوقت لتفعيل الخيارات العسكرية ولم تكن مصادفة أن حزب الإصلاح هو الحزب السياسي الوحيد الذي أيد العدوان على اليمن فقد كان مشاركاً في أعمال التهيئة للعدوان كما اتضح من سياق مواقفه.
في مواجهة التعطيل السياسي والانتهازية السياسية وعدم استشعار المسؤولية تجاه مستقبل الشعب والوطن وبعد تفجير مسجدي بدر والحشحوش صرحت القيادة الثورية أنها ذاهبة نحو استكمال الإعلان الدستوري إذا استمر التعطيل السياسي، وفي نهاية المطاف في الحوارات الموازية لموفمبيك توافقت مختلف القوى المتحاورة على طبيعة الحل في تكوين مجلس وطني ومجلس رئاسي وحكومة وطنية وتم التوافق على الحصص فيها وتم توقيع الاتفاق من قبل أحزاب المشترك والمؤتمر الشعبي العام وأنصار الله والحراك الجنوبي وكذلك من قبل قائد الثورة، وكانت القوى السياسية اليمنية قد حددت يوم ٢٦ مارس ٢٠١٥م يوم إعلان هذا الاتفاق، إلا أن العدوان جاء في مساء ذلك اليوم (الخميس ٢٦ آذار/مارس 2015م) بفعل هذا المتغير الجديد المتمثل في العدوان الأجنبي تأخر ممثلو أحزاب المشترك عن الحضور وعند حضورهم ولقائهم ممثلي بقية القوى السياسية من أجل إشهار هذا الحل عبر ممثلة المشترك عن تراجعهم عن الاتفاق وتمكسهم “بشرعية هادي” استناداً إلى التدخل العسكري الذي جاء ليرجح من قوة طرف ضد طرف ويضرب التوافق الوطني، هذه الحقيقة أشار إليها المبعوث الأممي جمال بن عمر حين قال أن التدخل السعودي جاء إلى اليمن فيما كان اليمنيون على مشارف التوصل إلى اتفاق تاريخي وهو الاتفاق الذي تم توقيعه من مقبل مختلف القوى السياسية.
جاء العدوان على اليمن عشية ذلك اليوم من أجل تخريب هذا التوافق السياسي وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، وكان دافع القوى السياسية المعادية للسلم والشراكة في تعطيل هذا الاتفاق هو نفسه دافعها في نقض وعرقلة مختلف الاتفاقيات السابقة وهي نزعتها الإقصائية وتعارض مصالحها الاحتكارية ومواقعها السلطوية الاستبدادية مع الشراكة الوطنية إضافة إلى ذلك فقناعاتها السياسية والثقافية التي ترسخت تاريخياً لا تعترف بالآخر ولا تؤمن بالشراكة والعدالة.