عمليات حزب الله: تحدي تحقيق الأهداف “ممنوع عودة المستوطنين”
الصمود||تقرير||يحيى الشامي||
في مناورته الأخيرة، قرر رئيس وزراء العدو الإسرائيلي مجرم الحرب “بنيامين نتنياهو” في منتصف سبتمبر الجاري إضافة هدف جديد لأهداف عدوانه التي يطاردها مثل السراب منذ أحد عشر شهرا بحثا عن النصر عن طريق تحقيقها، وهو “إعادة المستوطنين إلى بيوتهم في الشمال”، وذلك بعد سابقة إخلاء ما لا يقل عن 60 ألف مستوطنٍ من المناطق الحدودية مع لبنان، خوفاً من أن يتكرر معهم ما حدث لسكان مستوطنات غلاف غزة صبيحة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي.
كان هدفٌ العدو الذي أعلنه “نتنياهو” هو المحك الذي يتبين منه الخاسر من الناجح في معركة عض الأصابع بين حزب الله وكيان العدو، وقد كان واضحاً وذكياً السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير حين تجاوز كل الضجيج المفتعل والجدل المحتدم عن الفعل والرد المقابل، واضعاً نصب عين المقاومة هدفاً حقيقياً ملموساً ومؤثراً، هو منع تحقيق هدف “نتنياهو”، وقد كان على قدر من الدهاء وكفيل بقلب موازين المعادلة العسكرية لصالح المقاومة، “أليس نتنياهو أعلن عزمه إعادة المستوطنين إلى الشمال؟! هذا الهدف، يقول السيد حسن لن يتحقق ثم يكرّسه في معادلة التحدّي، لن يعودوا ثم يطلب من الجمهور والمتابعين توجيه أعينهم إلى الميدان، “الأيام والميدان بيننا”.
وبقدر ما هو تحدٍ محرج بالنسبة للعدو الصهيوني على الصعيد السياسي والعسكري، هو أيضاً تحفيز ضمني للشارع اليهودي المنقسم أصلاً والساخط على حكومة نتنياهو، يكرسها السيد حسن بكل بساطة وبقدر من دهاء من يخبر أساليب الحرب النفسية وتمزيق المعنويات، ويقود السيد حسن نصر الله المعركة في ساحتها الإعلامية متوازيةً ومتسقة مع أهدافها في الساحة العسكرية، في لحظة قلق عميق اعترى جمهور المقاومة في كل العالم ليس في لبنان وحسب.
تكتيكات حزب الله العسكرية
وبالتزامن، زادت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية من وتيرة عض أصابع حزب الله بهدف تغيير معادلات القتال القائمة منذ بدء الحرب على غزة، فهي تريد إعادة المستوطنين إلى مناطقهم ، والتخلص من عار إقامة منطقة أمنية في الشمال للمرة الأولى منذ تأسيس كيان العدو الإسرائيلي، كما تسعى لفرض كلفة باهظة الثمن على حزب الله تدفعه لفك الارتباط الذي أعلنه حزب الله بين جبهة الإسناد اللبنانية بوقف الحرب في غزة، وذلك للانفراد بعزة وإضعاف موقف مقاومتها وبالتالي تهيئة مزيد من الأجواء الضاغطة تسوقها للقبول بصفقة وقف إطلاق نار بشروط العدو الإسرائيلي التعجيزية التي كانت سبباً في فشل المفاوضات.
لكن يبقى السؤال عن الرؤية التي يدير بها حزب الله المعركة خاصة مع محاولات العدو التي لا تتوقف لجره لمواجهةٍ وفق حساباته وضمن ترتيباته الإقليمية والدولية بينما يبدي حزب الله قدراً من الحذر الاستراتيجي والحيطة الاستباقية؟.
نتذكر جميعاً أن مقاومة لبنان انخرطت أصلاً في المواجهة ضمن معركة إسناد المحور في اليوم الثاني من الطوفان ( الثامن أكتوبر)، وقد أدار المواجهة ضمن إيقاع يتصاعد مع حسابات دقيقة نجحت في محصلتها لأن تشكّل ضغطاً عسكرياً واستنزافياً هائلاً على جيش العدو بالإضافة الى كونها ورقةً ثقيلة في جعبة المفاوض الفلسطيني، ضمن إسناد المحور متعدد الجبهات والمشروط بتوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة وهذا بذاته يمثل هدف عمليات الإسناد الذي أعاد السيد حسن نصر الله التأكيد عليه والتمسك به،(أكد السيد حسن نصر الله أن جبهة لبنان ستظل مرتبطة بجبهة غزة مهما كانت الخسائر والتضحيات، ثم تحدى نتنياهو وغالانت علنا بأنهما لن يستطيعا إعادة السكان إلى بيوتهم في الشمال ما لم تتوقف الحرب مع غزة).
المقاومة توسع الخرق
وبالنظر الى وتيرة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان فهي تتصاعد مع كل عدوان عسكري إٍسرائيلي يحاول إيقافها، وهنا وبحسابات الميدان فالمقاومة توسع الخرق على محاولات الرتق الأمريكية والإسرائيلية وبطريقة تراعي ظروفها وتتحاشى مسارات الجرجرة الاستنزافية المقابلة، وتحافظ بنجاح على هدفها الأساس كجبهة إسناد ومناصرة يستحيل فصلها عن غزة.
ومؤخراً أظهرت المقاومة الإسلامية في لبنان أن الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية ترتد عكسياً في وجه العدو أو تبعده أكثر عن تحقيق أهدافه، على سبيل المثال ورغم القصف الإسرائيلي المكثف مؤخّراً على الجنوب اللبناني بهدف – كما يقول العدو- تدمير منصات صواريخ الحزب ومقدراته العسكرية، فإن الحزب نفَّذ صبيحة 22 سبتمبر الجاري هجماته الصاروخية الأوسع مدى، حيث بلغت صواريخه جنوب حيفا، كما استخدم طُرزا جديدة من الصواريخ مثل فادي 1 و2، التي يبلغ مدى الأول منها 70 كيلومترا، والثاني 105 كيلومترات.
وللتذكير فإن حزب الله لم يستخدم حتى الآن أسلحة نوعية من بينها صواريخه الدقيقة طويلة المدى، ولم يقصف “تل أبيب”، واقتصرت هجماته على مقرات وقواعد عسكرية، مثل قاعدة ومطار رامات ديفيد والمجمعات الصناعية التابعة لشركة رافائيل للصناعات العسكرية، كما أنه نجح في وضع مئات الآلاف من الإسرائيليين تحت النار لإثبات أن عودة السكان إلى الشمال ما زالت بعيدة المنال، بل وأن دائرة المتضررين من القتال ستتسع بعكس أهداف نتنياهو وجيشه وحكومته.
الشريك الأمريكي يتقمَص دور الوسيط:
المؤكد أن نتنياهو لم يكن ليذهب إلى هذا الإيغال من التوحش والتصعيد في الجبهة اللبنانية دون غطاء الدعم الأميركي، ولا يهم هنا التصريحات المتكررة لمسؤولين أمريكيين برفض واشنطن نشوب حرب في لبنان، ورغم محاولاتها الظهور كوسيط بدعوة الجانبين للتفاوض، ويُسجل دبلوماسيوها حضوراً شبه دائم في المنطقة خاصة مبعوث بايدن إلى لبنان هوكشتاين، علاوة عن كيربي وسوليفان وسواهم لكن المهم هنا أن سراً جوياً لم ينقطع يُقدم صنوف الدعم العسكري والعتاد الحربي لكيان العدو الإسرائيلي وهو ما تحرص واشنطن على إخفائه وإبعاد الأضواء عنه.
وللتذكير بالحضور الأمريكي في كل مفاصل وتفاصيل العدوان الإسرائيلي حيث قبل أيام من التصعيد الإسرائيلي على جبهة لبنان، زار قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا “إسرائيل”، واجتمع في مقر القيادة الشمالية لجيش العدو في مدينة صفد مع كبار القادة لبحث تجهيزاتهم لتوسيع نطاق القتال في لبنان، وهو الأمر الذي تكرر مع كل فصل جديد من فصول العدوان، أيضاً وعقب العدوان الإسرائيلي الجديد وغير المسبوق المتمثل بتفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكيات، أعلن البنتاغون أن مجموعة حاملة الطائرات “ترومان” ستُبحر لمنطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط، أي بالقرب من سواحل لبنان، الأمر ذاته الذي حدث بداية العدوان على غزة فيما عزاه البنتاغون حينها لحرص واشنطن على عدم توسع النار، والمقصود في كل هذا ومنه إتاحة الفرصة للعدو الإسرائيلي للانفراد بغزة ومنع مناصرتها.
هذا الدعم المفتوح والشراكة الواضحة والجرم المفضوح يُؤكد دائماً أن واشنطن ليست مستعدة لتقليص دعمها فضلاً عن تخليها عن ربيبتها “إسرائيل” أياً تكن الظروف ومهما كان حجم الضغوط، وخلافات نتنياهو مع بايدن مجرّد مسرحية تحاول واشنطن عبرها الحفاظ على خط فاصل تتمسك به في وجه الضغوط الدولية المتصاعدة سواء في الداخل الأمريكي أو الأوساط الدولية من منظمات ومحاكم وهيئات حقوقية وقانونية خاصة مع بلوغ مستوى الجرائم الصهيونية في غزة مستويات غير معهودة ولا مسبوقة في تاريخ الحروب، لكن الحقائق على الأرض والوقائع تؤكد بشكل قطعي أن مجرمي الحرب الصهاينة مهما فعلوا فسيجدون دائماً واشنطن إلى جانبهم لتُقيلهم من عثراته وتحميهم من أي شكل من أشكال الملاحقة القانونية، وهو وضع يقود المنطقة نحو الحرب الشاملة التي تدّعي واشنطن أنها لا تريدها
ومع أن حقيقة الشراكة الأمريكية يستحيل إخفاؤها في الوقت الراهن على الأقل، إلا أنه من المهم الاستمرار في التأكيد عليها وإبرازها في وجه الدعاية الإعلامية والسياسية الأمريكية التي لا تكف عن تقديم نفسها كوسيط وللأسف لا يخجل الإعلام العربي في غالبيته عن الترويج له وخدمته.