صمود وانتصار

التصنيع العسكري اليمني .. نواة أمل لاستعادة الكرامة العربية

الصمود||تقرير||

في ربط تاريخي للأحداث المتعاقبة على الواقع اليمني وتأثيرها على الصراع مع الإسرائيلي، يمكن القول إن ثورة 26 سبتمبر1962م التي رفعت شعار بناء جيش وطني قوي تعكس اخفاقا في العديد من الجوانب في تحقيق الأهداف المعلنة. فقد أظهرت حقبة الخمسين عامًا منذ اندلاع الثورة بوضوح كيف تم استخدام الجيش لأغراض سياسية ضيقة، تتمثل في حماية نظام عائلي معين وتوزيع الثروات على المقربين من صناع القرار.

في هذا السياق، يمكن ملاحظة تداخل الأبعاد العسكرية والسياسية في حالتي ما قبل الـ 21 من سبتمبر 2014م وما بعدها. فكما كانت هناك آمال في بناء جيش وطني يحقق للأمة أمنها واستقرارها، نجد اليوم أن الجيش اليمني عقب ثورة 21 سبتمبر2014م  صار يمتلك قدرات عالية و أسلحة متطورة مثل الصواريخ الفرط صوتية.

 في المقابل، برزت إخفاقات الأنظمة المتعاقبة على مدى عقود ما قبل 21 سبتمبر في أبسط مستوى، وهو توفير الأمن والسيادة الوطنية. بل على النقيض من ذلك تمامًا، فقد ظهر واقع جيش تلك الحقبة غير قادر على التصدي لأبسط التحديات.

النقطة الفارقة بين الوضعين لا تحتاج إلى عمق تفكير بقدر ما تستوجب من الجميع الاعتزاز بما صارت تحتله اليمن من مكانة عربية ودولية بفضل ما تملكه من جيش قوي يركز اهتماماته على حماية السيادة الوطنية ويحتفظ بالقرار السياسي مستقلاً، بل ويمتلك القدرة غير المشروطة في نصرة القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية، في أهم محور لها، وهو محور القدس وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية على ترابها بهويتها العربية الإسلامية وعاصمتها القدس.

وفي سياق متصل، يظهر الدليل العملي لهذه المكانة فيما أثاره إطلاق صاروخ”فلسطين2″ فرط صوتي من قبل قوات الجيش اليمني تجاه العمق الإسرائيلي من اهتمام مراكز القوى العالمية، الذي فتح بابًا كبيرًا من الجدل حول ما الذي يمكن أن تصنعه اليمن بما تظهره من قدرات عسكرية فائقة التقنية على مستوى إعادة تشكيل خارطة القوى المؤثرة في القرار العالمي.

فضلاً عن أن وصول صاروخ فلسطين 2 اليمني إلى العمق الإسرائيلي قد وضع الإدارتين “الإسرائيلية” والأمريكية أمام تحديات جديدة فيما يخص الأمن “الإسرائيلي” والأوضاع الداخلية للكيان.

في الإطار العسكري والتكنولوجي، أظهر الجيش اليمني عبر إنتاجه الحربي قدرات عسكرية جديدة تتضمن تقنية الصواريخ الفرط صوتية، التي تعتبر متقدمة جدًا وتزيد من التهديدات الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي، حيث تعكس الأحداث هشاشة أنظمة الدفاع الصاروخي “الإسرائيلية” في مواجهة هذه الصواريخ، وتشير إلى التقنية العالية التي وصل إليها التصنيع الحربي اليمني. فقد أكدت التقارير أن الدفاعات الجوية “الإسرائيلية” لم تتمكن من اعتراض الصاروخ، مؤكدة وجود ضعف ملموس في المنظومات الدفاعية للعدو.

تعبات امتلاك صاروخ”فلسطين2″

تعكس محاولة العدو الإسرائيلي تبرير عدم نجاحه في اعتراض الصاروخ، مع الإشارة إلى أن النظام المستخدم ربما لم يكن مناسبًا لهذا النوع من التهديدات، مدى التناقض بين التأكيدات التي تشير إلى اعتراض جزئي وبين الواقع الذي يعكس مخاوف حقيقية، قد يدل على تراجع الثقة في القدرة العسكرية الإسرائيلية.

وعن احتمالات الميراث والتداعيات المستقبلية على مستقبل المنطقة، يُظهر التبرير الصهيوني كيف يمكن أن يؤدي تصاعد القدرات الصاروخية اليمنية إلى التغيير في ميزان القوى في المنطقة، مما يُعقّد الصراعات الأوسع بسبب تزايد التهديدات المحتملة. لاسيما مع القلق من أن استمرار القتال قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات على مختلف الأصعدة، ما يشير إلى احتمال زيادة الاحتقان الداخلي والضغط الخارجي على “حكومة” الكيان الإسرائيلي.

مجمل هذه المتغيرات لا شك تؤكد أن تطور التقنية العسكرية اليمنية حدثا بات يشير إلى بداية مرحلة دقيقة، تبرز فيها تقنيات عسكرية جديدة ترتبط بشكل مباشر بالمعركة المصيرية مع العدو الإسرائيلي . و يسلط الضوء على لحظة حساسة تعكس قدرة الجيش اليمني على تصنيع أسلحة متطورة قد تُحدِث انقلابًا في الصراع المحتدم بالمنطقة. كما أنه يقدم لمحة عن العواقب المحتملة لاستمرار عشوائية الكيان وتخبطه في عدوانه على كلا من غزة وجنوب لبنان، وهو ما قد يدفع المسؤولين الإسرائيليين إلى مزيد من التخبط في إعادة تقييم استراتيجياتهم الأمنية والعسكرية، ويتيح المجال لوقوع أحداث قد تؤثر في العمق على مستقبل الاستقرار السياسي الداخلي للكيان نفسه.

تهديد استراتيجي

في غضون ذلك، أشارت صحيفة “ماكورريشون” الصهيونية، في تقرير لها أن اليمن أصبح يشكل الآن “تهديدًا استراتيجيًّا متعدد الأبعاد على إسرائيل، سواء على المستوى الأمني أَو الاقتصادي، بالإضافة إلى المستوى العسكري، من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار عن بُعد”.

وحذرت الصحيفة أنه “من الأفضل لـ “إسرائيل” ألا تتجاهلَ التهديدَ اليمني، في إطار استخلاص الدروس من فشل السابع من أُكتوبر بالنسبة للجيش الإسرائيلي بشكل عام، والقوات الجوية بشكل خاص”.

وأشارت الصحيفة إلى إنه من المثير للدهشة الاعتقاد أنه بعد مرور ما يقرب من 12 شهرًا على الحرب، ولم يتمكن قادتنا من فهم ما يعرفه كل مواطن في إسرائيل – الفشل في الرد يعادل الدعوة إلى المزيد من الهجمات، وانتهى الاحتواء في 7 أكتوبر 2023″.

وتساءلت الصحيفة لماذا لم تهاجم “إسرائيل” حتى الآن اليمن ردا على صاروخ أرض-أرض أطلق من هناك وكان من الممكن أن يتسبب في سقوط العديد من القتلى؟ حسب دراسة تناولها معهد مشجاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية.

عملية الصاروخ الفرط صوتي نوعية وستتكرر

في سياق متصل، أكد خبراء ومحللون في مراكز دراسات غربية لـ “بزنس إنسايدر” الأمريكي أن “الحوثيين” باتوا يشكلون تهديداً متزايداً على “إسرائيل”، مشيرين إلى أن عملية الصاروخ الفرط صوتي نوعية وستتكرر.

جاء ذلك في تأكيد نشره موقع “بزنس إنسايدر – Business Insider ” الأمريكي، أوضح فيه أن “الحوثيين” اختبروا الدفاعات “الإسرائيلية” بصاروخ باليستي، وأكد الموقع وصول صاروخ باليستي “حوثي” إلى “إسرائيل” من اليمن لأول مرة ، مشيراً إن “إسرائيل” قامت بتفعيل دفاعاتها الجوية وفشلت في التصدي له”.

ونقل الموقع عن المحلل العسكري والجيوسياسي “سيم تاك”، قوله: “من المرجح أن يؤدي الهجوم الباليستي الأخير إلى تحفيز المزيد من التفكير في الإجراءات اللازمة للتعامل مع هذه التهديدات المتكررة”. مرجحا احتمال سقوط صواريخ باليستية كبيرة على الكيان الإسرائيلي بعد الهجوم الأخير في حالة عدم نجاح عمليات الاعتراض بالكامل.

وقال تقرير موقع “بزنس إنسايدر”: “نفى الجيش الإسرائيلي – الذي قال إنه سيحقق في سبب فشل صاروخ “حيتس” في تدمير التهديد – ادعاء “الحوثيين” المشكوك فيه بأن الصاروخ فرط صوتي، حتى أن الجماعة رسمت كلمة “فرط صوتي” باللغة الإنجليزية عليه”.

أما المحلل البارز لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة RANE لتحليل المخاطر “ريان بوهل” فأشار إلى أن “الجزء الأكثر أهمية على الأرجح من الهجوم هو النطاق الجغرافي للصاروخ المُطلق من اليمن فـ “الحوثيين” يشكلون تهديداً متزايداً لإسرائيل وقد ينافس حزب الله من حيث التهديد بهجمات كبرى لكن هذا يتطلب تعزيزاً مستمراً، وهو ما أعتقد أنه ما زال بعيداً”.

وصرّح “ستيفن هوريل” العضو البارز في برنامج الدفاع والأمن عبر الأطلسي في مركز تحليل السياسات الأوروبية لموقع “بزنس إنسايدر”: “بالنسبة لإسرائيل، هناك مستوى عال من الثقة في الدفاع الصاروخي – متعدد الطبقات – ولكن الهجوم الأخير تذكير بأنه ليس مثالياً؛ فالخطر لا ينخفض أبداً إلى الصفر”.

وأوضح موقع “بزنس إنسايدر” أن البحرية الأمريكية حين اعترضت عدداً كبيراً من الطائرات بدون طيار والصواريخ “الحوثية” في البحر الأحمر، زعم أحدهم في مركز “CEPA” أن هذه الإجراءات تعادل “إسقاط السهام وليس القضاء على الرامي”.

العمق الإسرائيلي مكشوف

على الجانب الآخر من ردود الفعل الدولية، أكدت قناة “جينغ جينغ” الصينية أن “إسرائيل” باتت مكشوفة أمام قوات صنعاء بعد قصف عمقها بصواريخ فرط صوتية نوع “فلسطين 2”، مشيرة إلى أن الجيش الأمريكي لن يستطيع هو الآخر اعتراض صواريخ صنعاء.

وقالت قناة “جينغ جينغ” الصينية أن إطلاق قوات حكومة صنعاء لصاروخ فرط صوتي نحو العمق الإسرائيلي في 15 سبتمبر يشكل أزمة خطيرة لرئيس “حكومة” العدو بنيامين نتنياهو.

وأضافت أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية لم تتمكن من اعتراض الصاروخ، مما كشف عن ضعف “إسرائيل” أمام هذا النوع من الأسلحة. وتحدثت القناة عن استعراض “الحوثيين” لقدراتهم الصاروخية الجديدة، موضحة أن استمرار نتنياهو في القتال دون سعيه إلى وقف إطلاق النار في غزة قد يؤدي إلى تفاقم أزماته على المستويين الداخلي والخارجي.

وقالت القناة في تقريرها: “قبل أكثر من عشرة أيام، أعلن قائد “الحوثيين” عبد الملك الحوثي عزمه على استخدام أحدث التقنيات البرية لضرب الأعداء مثل الولايات المتحدة و”إسرائيل”. آنذاك، تكهن الجميع حول طبيعة التكنولوجيا الجديدة التي يمتلكها الحوثيون، وهل ربما وجدوا سلاحاً جديداً في الصحراء؟”.

وأضافت: “تم الكشف الآن عن الإجابة، حيث أعلن الحوثيون رسمياً عن تقنيتهم الجديدة وهي صواريخ فرط صوتية”.

وأوضحت القناة أنه في 15 سبتمبر، أعلن العدو الإسرائيلي عن إطلاق صاروخ أرض-أرض من اليمن وسقوطه في منطقة خالية وسط “إسرائيل”. ورغم عدم وقوع إصابات بشرية، إلا أن الهجوم أثار الرعب لأن صواريخ الحوثيين لم تصل سابقاً إلى هذا العمق.

وأضافت أن هذا يعني أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية لم تكن قادرة على اعتراض الصاروخ، مما جعل العمق الإسرائيلي مكشوفاً بالكامل وغير آمن تحت هجوم “الحوثيين”.

كما حاولت “إسرائيل” تقديم تفسيرات متعددة لفشل الاعتراض، حيث نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مصادر عسكرية أن نظام الدفاع الصاروخي “حيتس-3” المستخدم ربما لم يكن ملائماً لاعتراض هذا النوع من الصواريخ. وذكرت أيضاً أن الاعتراض كان جزئياً، ما حال دون وقوع إصابات، وأشارت بعض التقارير إلى أن الصاروخ تفكك في الأجواء الإسرائيلية وسقطت شظاياه فقط، مما اعتُبر اعتراضاً ناجحاً”.

إلا أن القناة أكدت أن السبب الحقيقي لفشل الاعتراض يعود إلى استخدام “الحوثيين” لصواريخ فرط صوتية، التي يصعب حتى على الجيش الأمريكي اعتراضها، فكيف بالجيش الإسرائيلي؟.

في خضم هذه التطورات

 يمكن القول إن التصنيع العسكري اليمني يمثل نواة أمل على طريق استعادة الكرامة العربية. هذه القدرات العسكرية الجديدة ليست مجرد إنجاز تقني، بل هي خطوة نحو تحقيق مساندة حقيقية للقضية المصيرية فلسطين. إن تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية لليمن يعكس إرادة قوية في دعم الحقوق العربية والمساهمة في إقامة الدولة الفلسطينية على ترابها الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.

إن هذه التطورات تعزز من مكانة اليمن كقوة مؤثرة في المنطقة، وتبعث برسالة واضحة بأن الشعوب العربية قادرة على تحقيق التقدم والدفاع عن حقوقها. في ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري تعزيز التعاون العربي والإسلامي لمواجهة التحديات المشتركة والعمل نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.