صمود وانتصار

مكر واشنطن ومراوغة “نتنياهو” .. كلمة الفصل بيد حزب الله

الصمود||تقرير||

تسجل القدرات الصاروخية لحزب الله تقدمًا ملحوظًا، حيث تنفذ عمليات نوعية تستهدف مقرات عسكرية في عمق الكيان الإسرائيلي، مما يعكس تطورًا في التكتيكات المستخدمة. ويرسل الحزب من خلال ردوده الصاروخية على القصف المكثف للطيران الإسرائيلي رسالة بأن قواعد إطلاق الصواريخ بعيدة المنال عن أهداف هذه الغارات، مما يغير مسار الصراع إلى معركة استنزاف للعدو الإسرائيلي.

وصول الصاروخ اللبناني الجديد “قادر 1” إلى عمق الكيان الإسرائيلي يعكس قدرات حزب الله التقنية المتطورة في اختراق السيطرة الجوية التي تحاول الطائرات الحربية الإسرائيلية فرضها على الأجواء اللبنانية. كما يتيح للحزب فرض معادلة الردع بتنفيذ هجمات صاروخية بتقنيات أكثر حداثة ودقة في الإصابة وتأثير الهجمات.

من الجانب الجيوسياسي للصراع، تسعى أمريكا إلى تحسين صورتها عبر تكتيكات موجهة، ولعل مبادرة السلام المشتركة مع فرنسا واحدة من تلك المحاولة. المشكلة أن أمريكا متجاهلةً دعمها للعدو الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي.

على صعيد اتساع نطاق المواجهة في العمق الجغرافي، تبدو نية الكيان الصهيوني واضحة في السعي نحو حرب شاملة، ليس بالضرورة لأنه قادر على حسم النتائج، بل من أجل جذب أطراف أخرى للمشاركة، مما يخفف العبء عن كاهله وتقاسم الفشل مع أطرف أخرى. تأمل “تل أبيب”.

في المقابل، يسعى حزب الله إلى استنزاف قدرات العدو الإسرائيلي دون بدء معركة كبرى يتحاشاها كتكتيكي سياسي ويتمنى حدوثها كتكتيك عسكري، وهو ما يعرف بسياسة الردع المتوازنة. وقد أدت قدرة حزب الله المتطورة على التسلح إلى إعادة تشكيل التوازن العسكري في المنطقة، حيث يأتي تعزيز قدراته في إطار استراتيجية أوسع يتبناها محور المقاومة لمواجهة الأهداف الصهيو-أمريكية في المنطقة، حيث يمثل حزب الله عنصرا فاعلا في محور الجهاد والمقاومة، مما يعقد الوضع على العدو الإسرائيلي ويضعه أمام تحديات جديدة.

قادر 1 في مقر الموساد في “تل أبيب”

هذا الوضع يعكس، بالفعل، ديناميكية معقدة، خصوصا وقد بات من قدرات حزب الله الوصول بأهدافه العسكرية إلى العمق الإسرائيلي، حيث أعلن حزب الله ، أمس الأربعاء، استهداف مقر قيادة الموساد في ضواحي “تل أبيب” بصاروخ باليستي من نوع “قادر 1″، وأكد أن مقر قيادة الموساد المستهدف “مسؤول عن اغتيال القادة وتفجير أجهزة الاتصال”.

وأكد بيان المقاومة، أنّ المقر المستهدف هو المسؤول عن اغتيال ‏القادة وعن تفجير البايجرز وأجهزة اللاسلكي.‏ وكانت وسائل إعلام عبرية، قد ذكرت، أنّ صفارات الإنذار دوّت في “تل أبيب”، ولفتت إلى أصوات انفجارات سُمعت في “الشارون” وفي “غوش دان” في منطقة الوسط. كذلك، وبعد الاستهداف، توقفت حركة الطيران في مطار “بن غوريون”.

وهذا أول هجوم لحزب الله بهذا النوع من الصواريخ  والذي يتمتع بدرة تدميرية كبيرة حيث يصل وزن رأسه الحربي إلى نصف طن وقادر على ضرب أهداف على بعد 190 كم ما يجعل منشآت العدو الحساسة في مرمى النيران، بعد فترة طويلة من التصعيد ادعى خلالها العدو الإسرائيلي تدمير 50% من قدرات حزب الله الصاروخية.

ماذا نعرف عن صاروخ قادر؟

يعتبر صاروخ قادر 1 عنصرًا مهمًا في ترسانة حزب الله، حيث يوفر قدرة ردع أكبر ويجعل حزب الله قوة تشكل تهديدًا أكثر جدية للعدو. كما أن ظهور صواريخ باليستية جديدة في المنطقة يغير قواعد اللعبة ويجعل الصراعات أكثر تعقيدًا وخطورة. وهو تهديد مباشر للعدو .

وفي سياق متصل، كتبت صحيفة “جام جم” الإيرانية:” أظهر الهجوم الصاروخي الذي شنّه حزب الله على “تل أبيب”، أن تقديرات الاستخبارات العسكرية الصهيونية كانت خاطئة تمامًا وأن النظام الصهيوني لم يتمكّن من تحقيق هدفه المتمثل بإضعاف القوة العسكرية للمقاومة بهجماته الواسعة على جنوب لبنان. حزب الله الذي دأب، خلال الأشهر القليلة الماضية، على مهاجمة المناطق الشمالية من فلسطين المحتلة والقواعد العسكرية الصهيونية بصواريخه وطائراته المسيرة، صباح الأربعاء ولأول مرة خلال المعركة مع الصهيوني، هاجم بصاروخ باليستي من نوع “قادر 1” مقر الموساد في ضواحي “تل أبيب”

وتابعت الصحيفة:” يعدّ قيام الحزب باستهداف هذا المقر تطورًا مهمًا في المواجهة الحالية بين “إسرائيل” والمقاومة. ويقول محللون عسكريون وسياسيون: “إن الرسالة الأساسية والواضحة للحزب من هذه العملية هي أن يظهر للمحتلين أنه قادر على استهداف منشآت حساسة ومهمة في قلب منظماتهم الصهيونية، ووصفوا الهجوم بالعنيف وغير المسبوق نُفذ باستخدام صواريخ بعيدة المدى”.

وقالت الصحيفة:”إنّ استمرار لبنان في إطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة؛ بالرغم من جرائم النظام الصهيوني الأخيرة في جنوب لبنان، يظهر أن الصهاينة أخطأوا في حساباتهم بمهاجمة لبنان. وفي المجال نفسه؛ يؤكد المحللون الغربيون أن الاحتياطي الصاروخي للحزب يتجاوز تقديرات الاستخبارات “الإسرائيلية” وأن هجمات النظام الصهيوني غير قادرة على تدمير هذه الاحتياطيات”.

المبادرة الأمريكية- الفرنسية

أطلقت مبادرة مشتركة مع عدة دول غربية وعربية للدعوة إلى وقف إطلاق النار بين حزب الله اللبناني و”إسرائيل” لمدة 21 يوما من أجل إفساح المجال للتوصل إلى تسوية سياسية.

وقال الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك نشر فجر الخميس “لقد عملنا معا في الأيام الأخيرة على دعوة مشتركة لوقف مؤقت لإطلاق النار لمنح الدبلوماسية فرصة للنجاح وتجنب مزيد من التصعيد عبر الحدود”.

وأضاف بايدن وماكرون أن “البيان الذي تفاوضنا عليه بات الآن يحظى بتأييد كل من الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر”. وقالت الدول الموقعة على البيان المشترك “لقد حان الوقت لإبرام تسوية دبلوماسية تمكن المدنيين على جانبي الحدود من العودة إلى ديارهم بأمان”.

وأضافت أن “الدبلوماسية لا يمكن أن تنجح وسط تصعيد لهذا النزاع، وبالتالي فإننا ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوما عبر الحدود اللبنانية “الإسرائيلية” لإفساح المجال أمام الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية”

نتنياهو: لا وقف لإطلاق النار

في المقابل، قال “رئيس الوزراء” في الكيان الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”، إن التقارير الإعلامية التي تشير إلى أنه قد يكون هناك وقف وشيك لإطلاق النار في لبنان “غير صحيحة”، وأكد أنه أمر الجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال “بكل قوة”، ولم يرد نتنياهو على اقتراح وقف إطلاق النار الذي قدمته الولايات المتحدة وفرنسا، حسب بيان صادر من مكتبه.

وجاء في البيان: “الأنباء عن وقف إطلاق النار غير صحيحة. هذا اقتراح أمريكي- فرنسي، حتى أن رئيس الوزراء لم يرد عليه”.

لعبة خبيثة في صراع الإرادات

وتعقيباً على تلك المبادرة، عقب محللون سياسيون أن ما لم يحققه العدو الإسرائيلي بالنار، يحاول الوسطاء تحقيقه بالدبلوماسية والمقترحات الملغومة. جاء ذلك فيما نقلته وكالة شهاب في تقرير نشرته تحت عنوان “ما وراء مبادرة واشنطن لوقف النار بين حزب الله والاحتلال؟” عن محللين أكدوا أن واشنطن تسعى من وراء تلك المبادرة فصل جبهة لبنان وإسنادها لغزة، بفرض وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية وإبقاء حرب الإبادة متواصلة في غزة، لتدمير ما تبقى من القطاع ومواصلة الجرائم والمجازر.

وأشار المحللون إلى أن هذا الأمر سبق للبنان رفضه بعد الرسائل التي وصلت عبر الوسطاء بعد تفجيرات أجهزة البايجر واللاسلكي، بأن على بيروت وقف اسنادها لغزة مقابل وقت الهجمات.

وخلال خطاب الأمين العام لحزب الله عقب التفجيرات، وجه رسالة تحد للاحتلال بأن الجبهة اللبنانية ستبقى مرتبطة بغزة، ولن تقف إلا بوقف إطلاق النار على غزة.

ولفت المحللون إلى أن تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري، توضح الموقف اللبناني من تلك المبادرة حيث قال:” الساعات الـ24 المقبلة ستكون حاسمة في نجاح مساعي وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان أو فشلها، والجهود التي أقوم بها تراعي عدم الفصل بين ملفي لبنان وغزة”.

وفي ذات السياق، قال مختصون في الشأن الإسرائيلي إن المبادرة الأخيرة لوقف القتال على الجبهة الشمالية هي لعبة خبيثة تحيكها واشنطن لدعم “إسرائيل” في خطواتها التصعيدية القادمة.

وأضاف المختصون أن واشنطن لديها معلومات مسبقة بنوايا “إسرائيل” تجاه لبنان وإمكانية الاقدام على عملية برية في الجنوب اللبناني، رغم مواقفها المعلنة برفض تلك الخطوات.

ولفت المختصون، إن تلك المبادرة وإمكانية رفضها من لبنان كبيرة، كونها تفصل بين غزة ولبنان، وبالتالي قد تكون فرصة لإعطاء الشرعية أمام العالم للاحتلال بالقيام بعملية برية واسعة، وإلصاق تهمة توسيع الصراع على لبنان، كما كان يحدث وما زال يحدث في ملف قطاع غزة.

مواقف المحور ثابتة

من ناحية أخرى، الهجمات الأخيرة التي شنها العدو الإسرائيلي عززت إرادة وتماسك جبهات المقاومة الأخرى في دعم الحزب والمقاومة الفلسطينية. وهذه القضية أضيفت إلى مشكلات العدو الإسرائيلي، وستكون هذه القضية تحديًا لا يمكن التغلب عليه بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، إلى جانب الانخفاض الشديد في القدرة على الصمود العام لمجتمع الكيان بعد تمديد الوضع الاستثنائي.

في خطاب له اليوم الخميس، تناول قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي عددًا من القضايا المهمة المتعلقة بجبهة الإسناد لفلسطين ولبنان، والتطورات العسكرية في اليمن.

وأوضح قائد الثورة أن “حزب الله وبتأييد من الله ألحق أكبر الهزائم بالعدو الإسرائيلي في مراحل كان فيها لا يمتلك من العدة والعدد ما يمتلكه اليوم، وأكد “حاضنة حزب الله تعيش الجو الجهادي وتقدم التضحيات وتحرز الانتصارات من خلال رجالها المجاهدين وهي معتزة بموقفها”، مشيرا إلى “أن الهدف الإسرائيلي من التصعيد في لبنان هو منع حزب الله من إسناد غزة والشعب الفلسطيني، وهو هدف لن يتحقق“. وأشاد ” موقف حزب الله من إسناد غزة مبدأي وديني وإنساني وأخلاقي، وهو في الوقت نفسه في مصلحة لبنان”.

وفي السياق، جدد السيد القائد أن “شعبنا العزيز سيواصل كل أنشطته، هو ثابت على موقفه مع غزة والشعب الفلسطيني، ومع لبنان وحزب الله، بل سيكون في الموقف الصادق الثابت لنصرة كل بلد إسلامي يواجه اعتداء من عدو الأمة، شعبنا لن يأبه بكل ما يفعله الأمريكي وعملاؤه وأعوانه وأبواقه، وسنتجه لمواجهة أي تصعيد بالتصعيد، مشددا سيكون لهذه المرحلة بإذن الله فاعلية أكبر لموقف بلدنا في ظل تطوير القدرات وصناعة صاروخ “فلسطين 2” وغيره من القدرات، وأفاد أن التطوير مستمر للقدرات العسكرية مع استمرار الزخم والتفاعل الشعبي الواسع الذي ينطلق بإيمان وصبر ووفاء.

وتحدث عن محاولات الضغط الاقتصادية والعسكرية التي يمارسها الأمريكيون، مؤكدًا أن هذه الضغوط لم تؤثر على موقف الشعب اليمني، الذي يظل متمسكًا بدعمه لفلسطين، داعيا الشعب اليمني إلى المشاركة في خروج مليونية يوم غد الجمعة في صنعاء والمحافظات لنصرة الشعبين الفلسطيني واللبناني، مؤكدًا على الصمود والثبات.

وكشف السيد القائد عن تنفيذ عدة عمليات خلال الأسبوع الماضي باستخدام 39 صاروخًا باليستيًا ومجنحًا، مشيدًا بدخول صاروخ “فلسطين 2” الخدمة كإنجاز كبير يدعم المرحلة الخامسة من التصعيد المساند لغزة، مؤكدا أن المنطقة أصبحت محظورة تمامًا أمام العدو الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، وأن البوارج الحربية الأمريكية تمر بسرية وتحت التهديد.

جبهة الإسناد في العراق تتسم هي الأخرى بالقوة، حيث تزداد العمليات التي تقوم بها تأثيرًا من غور الأردن إلى أم الرشراش، مشددًا على موقف اليمن الثابت إلى جانب فلسطين ولبنان.

الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، وفي كلمته التي القاها، في الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد “لقد هُزِم الكيان الإسرائيلي في غزة ولا يستطيع استعادة اسطورة جيشه الذي لا يقهر بجرائمه ووحشيته وسعيه لتوسيع نطاق الحرب، ولن تمر دون رد جرائمه العمياء والارهابية خلال الايام الاخيرة وعدوانه الواسع على لبنان والتي ضرج فيها الالاف من الابرياء بالدماء وتقع مسؤولية نتائجه على عاتق الحكومات التي تقف ضد الجهود الدولية الرامية لإنهاء هذه المأساة الرهيبة وما زالت تطلق على نفسها اسم المدافعين عن حقوق الإنسان”.