“نصر الله في الميدان”.. حزب الله يدفع بـ”الخسارة” بعيداً عن موازين الإسناد والردع
الصمود||تقرير|| ضرار الطيب||
لم يكن اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله حدثا عاديا، ولم يحاول أي أحد في المحور أن ينكر ما مثله ذلك من خسارة كبيرة لجبهة المقاومة، لكن سعي العدو وشركاءه الإقليميين والدوليين لتسليط الضوء على هذه الخسارة فحسب كان اقتطاعا للحدث من سياقه الكامل، ومحاولة لاستحضار أمور لا تنتمي لذلك السياق أصلا، وهو ما أثبتته بوضوح مجريات جبهة الإسناد اللبنانية بعد عملية الاغتيال وصولا إلى مواجهة التوغل البري الإسرائيلي.
السياق الذي جاءت فيه شهادة سماحة السيد حسن نصر الله، كان سياق التضحية في ظل معركة مفتوحة كل نقاطها الاستراتيجية محسوبة لصالح المقاومة في واقع الميدان الآن وفي المستقبل، فما أنجزته جبهة المقاومة منذ بداية معركة طوفان الأقصى، وما أنجزه سماحة السيد الشهيد على مدى عقود، كان واقعا حقيقيا متكاملا عنوانه “زمن الانتصارات” وهذا الوقع برهن في الكثير من المحطات والمراحل أن معادلاته ثابتة ولا تهتز بخسارة القادة الكبار، حتى وإن كانوا بحجم الشهيد السيد، الذي لا يمكن تعويضه.
معادلات نصر الله مستمرة
لقد حاولت الحرب النفسية الهائلة التي شنها إعلام العدو (بواجهاته العربية) أن تفرض على الجميع مقاربة خاطئة للخسارة المتمثلة في فقد سماحة الأمين العام لحزب الله، وهي مقاربة تربط تلك الخسارة بما تم إنجازه، بحيث يكون الاستنتاج النهائي هو أن كل شيء قد انتهى برحيل القائد، لكن الحقيقة هي أن موقع تلك الخسارة كان بعيدا كل البعد عن الإنجازات وواقع الميدان، وقد كان ذلك في وعي ورؤية السيد الشهيد الذي بنى تلك الإنجازات بالصورة التي تكون فيها أكثر ثباتا من أن تنتهي برحيل صانعيها.
هذا ما برهنته بسرعة مجريات جبهة الإسناد اللبنانية أولا، حيث لم تتباطأ وتيرة الضربات على عمق العدو الصهيوني ولم تهبط إلى مستوى دون ما هو مخطط له في استراتيجيات الجبهة، وبرغم أن عمليات الاغتيال كانت بالحجم والكثافة التي تستطيع أن تربك جيوشا نظامية كبيرة، ولو على مستوى اتخاذ القرارات فقط، فإن عمليات حزب الله خلال الظروف الصعبة التي رافقت وأعقبت اغتيال الشهيد السيد وعدد من القادة الكبار، بدت وكأنها معزولة بشكل مدهش عن تأثير تلك الاغتيالات حتى على المستوى الذي ربما كان يفكر به معظم جمهور المقاومة والذي يتعلق التصعيد الانفعالي، حيث بقيت المحددات الرئيسية لعمل الجبهة ثابتة بأولويات واضحة هي إسناد غزة والحفاظ على التحدي الذي أعلنه السيد الشهيد قبل رحيله فيما يخص استحالة عودة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة واستحالة وقف العمليات العسكرية، بالإضافة إلى الدفاع عن لبنان ومواجهة التصعيد الصهيوني بالصورة التي لا تخرج عن النهج الذي كان معروفا عن سماحة السيد وهو “مراكمة الإنجازات المهمة” والتصعيد بتدريج مدروس يثبت معادلات الردع ويحرم العدو من الإمساك بزمام المواجهة عن طريق العشوائية.
لقد كانت عبارة “نصر الله في الميدان” التي رددت كثيرا في الأيام اللاحقة للاغتيال في سياق التعليق على ضربات حزب الله (التي وصلت إلى تل أبيب لتنسف صورة الحسم التي حاول العدو أن يكرسها من خلال الحرب النفسية) توصيفا دقيقا لوضع جبهة الإسناد اللبنانية، حيث بدا وكأن سماحة السيد هو من لا يزال يقود العمليات بحكمته، بما في ذلك مسار الرد على جريمة اغتياله.
الدخول عموديا والخروج أفقيا
ولاحقا جاء توجه العدو الصهيوني إلى المعركة البرية ومحاولة التوغل إلى لبنان، بالصورة التي تشهد بأن “الإنجاز” الذي حاول أن يرسم صورته من خلال جريمة الاغتيال كان هو أيضا بعيدا عن واقع الميدان، فمع أول محاولات تسلل “محدودة” إلى لبنان، الأربعاء، كانت المقاومة بالمرصاد وكان عنوان “الدخول عموديا والخروج أفقيا” الذي وضعه سماحة السيد يوما ما هو أول ما برز على المشهد متجاوزا حتى الرقابة العسكرية التي يفرضها جيش العدو على الخسائر، حيث تم الاعتراف بشكل رسمي وغير رسمي بالعشرات من القتلى والجرحى في صفوف جيش العدو، ونشرت مقاطع فيديو توثق إجلاء العديد من القتلى والمصابين بالمروحيات.
وبتجاوز الخسارة غير الميدانية لجبهة المقاومة، وسقوط الإنجاز غير الميداني لجبهة العدو فيما يتعلق باغتيال سماحة الشهيد السيد حسن نصر الله، فإن ما يتبقى على الميدان هو أن جيش الاحتلال دخل مستنقعا جديدا وتورط في مغامرة قاتلة لم تجعلها جريمة الاغتيال أقل سوءا مما كانت عليه من قبل عندما كان قادة جيش العدو وإعلامه يقرون بأن الدخول في معركة برية مع حزب الله سيكون خطأ كارثيا، وقد كانت حصيلة قتلى وجرحى جيش العدو في الساعات الأولى من الاشتباك البري كافية للتأكيد على أن موازين الميدان لم تتغير، وإن كان هناك تغيير فهو لناحية زيادة يقظة وجهوزية حزب الله الذي بات لديه المزيد من الدوافع للتنكيل بجيش العدو.
وبرغم الرقابة العسكرية المفروضة على الخسائر والمجريات، لن يطول الوقت قبل أن تتصدر مناقشة جدوى التصعيد ضد لبنان واجهة المشهد داخل كيان العدو، وعندها سيتم مقارنة الأهداف بالنتائج، ولن يكون من الصعب الحكم بأن كل ما فعله نتنياهو هو تعميق المأزق الإسرائيلي في معركة طوفان الأقصى وأيضا في مستقبل الصراع، فبعد أن كانت نيران حزب الله تطال مستوطنات محدودة في الشمال، أصبح هناك سلسلة عمليات “خيبر” البالستية، وأصبحت حيفا والعديد من المدن المحتلة في العمق تحت القصف اليومي، وعلى الحدود صار العشرات من جنود العدو يسقطون بكمائن وضربات المقاومة، وفي المقابل، لم ينته حزب الله ولم يضعف وما زال “نصر الله في الميدان”!.