صمود وانتصار

رواية قطاع غزة بين المآسي والانتصارات

الصمود||تقرير||

على مدار عامٍ كامل، شهد قطاع غزة عدوانًا همجياً غير مسبوق، حيث نفذ جيش العدو الصهيوني أكثر من ربع مليون غارة وقصف مدفعي. أسفر هذا العدوان عن سقوط أكثر من مائة وخمسين ألف شهيد ومفقود وجريح، ما يُبرز جِسامة الفاجعة التي حلت بالمواطنين في هذه الرقعة الجغرافية المحدودة.

 استخدم العدو أكثر من مائة ألف طن من المتفجرات، فضلًا عن الألغام غير المنفجرة التي تُخفي خطرًا مستمرًا على المدنيين. بينما لم تُسجل آلاف الجثامين للضحايا الذين قضوا، بسبب الظروف القاسية وأساليب الحرب الغاشمة التي اتبعها العدو، مما يعكس حجم الجريمة التي ارتُكِبت بحق الإنسانية.

لقد استجلب العدو الصهيوني كل قواه العسكرية، مدعومًا من حلفائه بالغرب، لتنفيذ هجماته على غزة، المدينة الصغيرة المكتظة بالسكان، ولكنها محصنة بإرادة شعبٍ لا ينكسر.

غزة تحت القصف

باتت شوارع غزة شاهد عيان على قبلات الموت التي نالت من القلوب والأحلام.. عامٌ من القتل والتدمير والتهجير القسري، برعاية قوى الظلم في العالم، وأبرزها الإدارة الأمريكية التي لم تتوانَ عن دعم آلة الحرب الإسرائيلية بكل ما أوتيت من قوة.

عام كامل مرّ على جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، جريمة تتجلى فيها بشاعة الإنسانية واستمرار الظلم، لقد ألقى جيش العدو الهمجي على قطاع غزة وعلى الأحياء السكنية فيها والأبراج السكنية أكثر من 85,000 طن من المتفجرات وهو ما يعادل أكثر من 5 قنابل نووية.

قال الفلسطينيون: لقد فقدنا، على مدار هذا العام، أكثر من 150,000 من الأرواح. بينهم 51,800 شهيد ومفقود. وصل منهم إلى المستشفيات أكثر من 41,800 شهيد، فيما بقي أكثر من 10,000 شهيد تحت الأنقاض وتحت البنايات المدمرة، ومفقودين لا نعلم مصيرهم، ومن بينهم أكثر من 16,000 طفل، أزهار الحياة التي بُترت أحلامهم في مهدها، حتى أن 171 رضيعا وُلدوا ليغادروا الحياة قبل أن تتاح لهم فرصة الوجود. وبينما تتوالى الأرقام، تسيل دموع الأمهات على أغلى ما خسرته الإنسانية، أكثر من 11,400 شهيدة من النساء تركن خلفهن فراغا يملأه الحزن.

تتابع قوائم العائلات المنكوبة تحت وقع القصف. 902 عائلة أُبيدت ومسحت من الوجود، كأنهم لم يكونوا يوماً على قيد الحياة. جريمة يسجّلها التاريخ بعين الرضا عن صمت المجتمع الدولي، بينما تتواصل المجازر الوحشية، أكثر من 3,600 مجزرة ارتكبت، والتي لطخت سماء غزة بلون الدم، ولم تجد من يدلّل على بشاعتها.

سنة كاملة وتتواصل المأساة. وللأسف، شاهدنا مواقف الدول العربية والإسلامية، وكأنهم يجلسون في مدرجات عُزلة، يتأملون شلال الدم المتدفق في غزة، يتركون الشعب الفلسطيني في معركة منفردة ضد جبروت العدو. إنهم شهود عيان على مأساة إنسانية تتفاقم، ومع حلول كل يوم جديد، تزداد الأوضاع سوءً، تمتد أصابع الظلم لتفرض حصارًا خانقًا يمنع الطعام والدواء ويسدد ضرباته القاسية إلى قلوب الأطفال الذين يُحرمون من حليبهم ومن أبسط حقوقهم.

آمال جريحة تنتظر استجابة

تحت وطأة الحصار والظروف القاسية، يكافح أكثر من 2 مليون نازح للنجاة، في بيئة شديدة القسوة، تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة. الأمراض تتفشى بينهم، مرض شلل الأطفال يطل برأسه، والأوبئة تعصف بهم، تاركة خلفها مضاعفات مريعة.

في خيامهم التي تآكلت بفعل الزمن والقصف، يعيش النازحون آمالاً جريحة تنتظر استجابة العالم. خيام قُصف منها 187 مركزاً للإيواء والنزوح، وراح ضحيتها أكثر من 1060 شهيدًا داخل تلك الملاجئ التي تفتقر للحماية، واهترأت 100,000 خيمة من خيامهم على مدار سنة كاملة من المعاناة والمأساة والجريمة. وفي كل خيمة، صدى أنين الأمهات وصوت الأطفال المكسور، في انتظار من يمد لهم يد العون.

سنة كاملة، وما زالت غزة تنادي، تصرخ بأعلى صوتها، تبحث عن أملٍ ضائع، عن غدٍ أقل وجعًا، عن إنسانية غابت بين جدران الحصار والحرب. فينا أرق على أحداث التاريخ، وعبرات تتنهد في سواد المساء، لكننا سنبقى صامدين، محاولين إنقاذ بصيص الأمل، حتى تنقشع غيوم الظلم وتشرق شمس الحرية.

تُسجل الذكرى السنوية الأولى للعدوان الصهيوني (الغاشم على غزة واقعًا مأساويًا يُعبر عن حجم الدمار الذي لحق بالشعب الفلسطيني، والذي تعيشه المنظومة الصحية وقطاعات التعليم والخدمات الأساسية. أصبح العام الأول للذكرى شاهدًا على تجاوزات فظيعة تمارس بحق أبناء الشعب الفلسطيني، حيث تفشت الأرقام المروعة لتشكل لوحة مأساوية ترتسم في الذاكرة.

المنظومة الصحية وحصار المعابر

على مدار سنة كاملة، عانت المنظومة الصحية الفلسطينية من تدمير ممنهج، حيث حوّل العدو الصهيوني المستشفيات إلى هدف عسكري معلن ومراكز للتحقيق والتعذيب، مخرجًا إياها عن الخدمة بشكل كامل. الطواقم الطبية البطلة، بالرغم من النقص الحاد في الأدوات والموارد، واجهت هذه التحديات بشجاعة، حيث فقدت 986 من أفرادها، مما أثر على القدرة على تقديم الرعاية الصحية لمئات الآلاف من الجرحى والمحتاجين.

استمرار إغلاق المعابر منع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، وأثر سلبًا على إمكانية علاج 25,000 من الجرحى والمرضى الذين في حاجة ملحة للعلاج. هذا الحصار، الذي يعكس صورة أليمة عن واقع الإنسانية، ساهم في تفاقم الأوضاع الصحية بشكل غير مسبوق.

الطواقم الإنسانية والاعلام.. أسر واعتقالات

الاستهداف الصهيوني الإجرامي الممنهج والدائم طال القطاع الصحي ليحرم ما يزيد عن مليوني شخص في قطاع غزة من تلقي الخدمات الصحية الأساسية فهناك ما يزيد عن 50 ألف امرأة حامل محرومه من تقديم الخدمات الصحية ورعاية الامومة. وبالإضافة إلى المئات من مرضى غسيل الكلى الذين فارقوا الحياة نتيجة عدم توفر رعاية صحية لهم وانعدام خدمات غسيل الكلى في كثير من المستشفيات. هناك 12000 مريض سرطان ينهش المرض أجسامهم لا يتلقون العلاجات الأساسية حتى المسكنات. فيما بلغ عدد شهداء القطاع الصحي 986 كادر صحي منهم 4 داخل سجون العدو الإسرائيلي من أصل 312 معتقل. لم تسلم الطواقم الطبية والإعلامية والخدمية من مخالب العدو ، إذ تم قتل 85 ضابطاً من الدفاع المدني، وأكثر من 700 من رجال الشرطة، و175 صحفيًا، مما يؤكد على سياسة القمع والتصفية المتعمدة التي تنتهجها سلطات العدو.

وتزامنًا مع هذه الانتهاكات، تم اختطاف 5,000 معتقل، تعرض العديد منهم لتعذيب جسدي ونفسي قاسي، مع تسجيل موت 37 أسيرًا داخل السجون، وبعضهم كان أطباء، وهو مؤشر صارخ على الفظائع التي يُمارسها الاحتلال حتى على الذين يسعون لمساعدة الآخرين.

سنة كاملة والعدو الإسرائيلي يقتل ويستهدف الطواقم التي تقدم الخدمات الإنسانية والحماية المدنية، فقد استشهد 85 ضابطاً من ضباط الدفاع المدني، وأكثر من 700 من رجال الشرطة الفلسطينية، كما استشهد  175 صحفياً وإعلامياً بدون أية أسباب تذكر سوى أنه ينفذ جريمة الإبادة بحذافيرها، ويحاول يائساً إخفاء معالمها وآثارها.

 سنة كاملة والعدو الإسرائيلي يختطف 5,000 معتقل وأسير بدون أسباب، ويمارس ضدهم التعذيب الشديد، ويقتل منهم داخل السجون 37 أسيراً بالصعق بالكهرباء وبالتعذيب النفسي والجسدي، ومن بينهم أعدم العدو داخل السجون 3 أطباء ممن عُرفت أسماؤهم، وهم الطبيب د. عدنان البرش، والطبيب د. إياد الرنتيسي، والطبيب د. زياد الدلو، وغيرهم من أبناء شعبنا العظيم الذين قتلهم الاحتلال داخل السجون بدون أي دور منظور للمنظمات الدولية التي طالها التقصير في واجباتها، ولم تقم بدورها المنوط بها.

الدمار التعليمي وفداحة الخسائر

سنة كاملة من الدمار الذي خلفه العدو  الإسرائيلي المجرم بلغت نسبة الدمار في قطاع غزة 86% دون أن يحرك العالم ساكناً، فيما بلغت قيمة الخسائر الأولية المباشرة لجريمة وحرب الإبادة الجماعية 35 مليار دولار، وهو ما يمثل وصمة عار على جبين الإنسانية وعلى جبين العالم الظالم الذي يقف مُتفرجاً على هذه الكارثة الإنسانية التي لم يسبق لها مثيل.  

كما دمر العدو الإسرائيلي  125 جامعة مدرسة تدميراً كلياً، وأكثر من 337 جامعة ومدرسة تدميراً جزيئاً، واستشهد  750 معلماً وموظفاً تربوياً في سلك التعليم، كما أعدم العدو  130 عالماً وأكاديمياً وأستاذاً جامعياً، بالإضافة لاستشهاد  12,700 طالب وطالبة، فيما حرم  أكثر من 780,000 طالب وطالبة من التعليم للعام الثاني على التوالي، والعالم يتفرج على هذه الكارثة دون أن يحرك ساكناً.

كما دمر 814 مسجداً تدميراً كلياً وعشرات المساجد دمرها تدميرا جزئياً، كما ودمر 3 كنائس بشكل مباشر، وطمس معالم 19 مقبرة بشكل همجي، وسرق منها 2,300 جثمان، دون أدنى احترام لآدمية وقدسية الأموات والشهداء في جريمة ضد الإنسانية.

 وعملت آلة التدمير الصهيونية على قصف 150,000 وحدة سكنية ليلحق التدمير كلياً، فيما صارت أكثر من 80,000 وحدة سكنية غير صالحة للسكن. أكثر من 3,000 كيلو متر من أطوال شبكات الكهرباء، تعرضت للتدمير الشامل، كما دمر أكثر من 330,000 متر طولي من شبكات المياه، وأصبح أكثر من 655,000 متر طولي من شبكات الصرف الصحي، بالإضافة إلى أكثر من 2,835 كيلو متر طولي من شبكات الطُرق والشوارع في جميع محافظات قطاع غزة خارج الخدمة.

وخلال عامه الأول، دمر العدوان الصهيوني على غزة أكثر من 200 موقع أثري وتراثي، وأكثر من 35 منشأة وملعباً وصالة رياضية في محافظات قطاع غزة خرجت عن الخدمة بشكل نهائي.

دعوة للوعي بالأزمة الإنسانية

وواصل الفلسطينيون النداء. عام كامل مرّ دون أن يتحرك العالم بشكل فعلي لرفع مستوى العنف والظلم، في وقت يتذكر فيه الشعب الفلسطيني كيف تتفجر أصوات المناشدات. وما زلنا نُذكّر المجتمع الدولي بواجباته تجاه حقوق الإنسان، ونطالب بتطبيق القانون الدولي الذي يتجاهله العدو بشكل يومي. إن ما يحدث في غزة ليس قضية سياسية فحسب، بل هي قضية إنسانية تتطلب تحرّكًا فوريًا من جميع الأطراف المعنية.

إنه زمن التغيير؛ فقد حان الوقت لتوجيه البوصلة نحو الإنسانية وتحريك ضمير العالم لإعادة الاعتبار لشعب عانى طويلًا في صمته ولا مبالاته. غزة لا تستحق سوى الحياة بكرامة، ولن يتوقف العمل العسكري والسياسي حتى تنجلي الغمة ويعود الحق لأصحابه.

إن الرسالة من غزة تعكس مشاعر عميقة وصادقة عن معاناة الشعب الفلسطيني، وهي تعبر عن قلق شديد تجاه الأزمة الإنسانية التي يعيشها الناس هناك في ظل الحصار والاحتلال.

غزة تعيش حالة من الخوف والألم المستمر، حيث أثرت الأوضاع الحالية على جميع جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك الصحة والتعليم والسكن والموارد الأساسية. هذه الأوضاع تدعو المجتمع الدولي للتفكير بجدية في الأبعاد الأخلاقية والسياسية لما يحدث.

الإصرار على الأمل والإدانة الدولية

الحديث عن الإدانة الجماعية للأحداث يتطلب من الدول والمنظمات الدولية أن تكون أكثر حسماً في مواقفها، وأن تتبنى سياسات واضحة تدعم الحق الفلسطيني وتضع حدًا للاعتداءات. يجب على الدول أن تتجاوز مجرد الإدانات اللفظية وتعمل على اتخاذ خطوات ملموسة لحماية المدنيين وإنهاء العدوان الإسرائيلي.

إن الدعوة لإعادة الإعمار وتأهيل القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم والخدمات هي خطوات حيوية لاستعادة الحياة الطبيعية. تحتاج غزة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى دعم حقيقي وفاعلين دوليين ملتزمين بتحقيق الاستقرار وإعادة الأمل. الأمل في التحرير والإنقاذ لا يزال موجودًا، ويعزز من خلال صمود الشعب الفلسطيني وقوته في مواجهة كافة التحديات.

إن الرسالة الفلسطينية توضح أن الحق سيبقى قائمًا، وأن الضمير العالمي يجب أن يستيقظ لتحمل مسؤولياته. وأن الأصابع الفلسطينية ستظل ضاغطة على الزناد حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني من أيدي الغاصب الصهيوني المؤقت.

الرسالة الفلسطينية

 إن الفلسطينيين، اليوم، في أشد الحاجة إلى المزيد من الأفعال لا الأصوات التي تعمل من أجل إنهاء الفظائع ورفع مستوى الوعي حول هذه القضية الإنسانية الكبرى. أفعال، تتذكر أن كل دعوة للتغيير إذا أرادت أن تسهم في إعادة الأمل بالانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني، فلابد أن تقدم البرهان فعلا يردع الغطرسة الصهيونية وينهي الاستكبار بمنح الحق لأهله الفلسطينيون في التحرر وإقامة دولتهم على تراب الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

التاريخ وحده ليس كافيًا. يجب أن يتعلم العالم من الدروس السابقة لمنع تكرارها. الأجيال القادمة تستحق أن تعيش في بيئة آمنة ومزدهرة، وبإدراك العواقب التاريخية للعدو الإسرائيلي، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية لإنهاء هذه المعاناة المستمرة، وهي المعاناة التي لن تنته إلا باستئصال الغدة السرطانية المسببة (إسرائيل).