من “هرتسيليا” إلى “بنيامينا”: ثباتُ معادلات حزب الله
الصمود||مقالات||عبدالحميد الغرباني
أمامَ مأزِقِ العُبُورِ، تراوِحُ قواتُ العدوّ على شريطِ لبنان الحدودي، تصدِّي المقاومة الإسلامية الباسلة يتواصَلُ على الأرض؛ فيما مَدَيَاتُ عملياتها تبلُغُ ما بعد يافا وَبزخم غير مسبوق، لدرجة أنَّ الكيانَ المؤقَّتَ لم يكد يُزحزِحُ نفسَه من دائرة رُعب الهجوم على منطقة هرتسيليا بيافا بعد استهدافها، أمس الأول، بمُسيَّرتين انقضَّتا على أهدافهما؛ حتى صعقته المقاومة بسرب من المسيَّرات هاجمت معسكر تدريب للواء غولاني جنوبي مدينة حيفا، وكل المعطيات المرصودة من إعلام العدوّ تكشف تعرضه لمجزرة دامية في ضباطه وجنوده وهو يُقِــرُّ أنه أمام حدث أمني هو الأصعب منذ بداية الحرب.
هذه ترجمة أولية لأول تحذير أشهرها الحزب بوجه المستوطنين في المدن المحتلّة الكبرى كحيفا وطبريا وَعكا من البقاء قريبًا من قواعد إدارة العدوان على لبنان في هذه المدن حتى إشعار آخر من حزب الله قد يتأخر وكَثيرًا في حال استمر العدوان على فلسطين ولبنان؛ ما يعني أن على الصهاينة -وَهم ينتظرون ذلك- أن يعلموا أن لا مكانَ لهم تحت شمس فلسطين؛ فثمة من يُنازلهم وَهو يرقب وعد الآخرة ويقاتل بكل سبيل حتى تميد أرضنا الفلسطينية المحتلّة من تحت كُـلّ الطارئين عليه.
عمليتا حزب الله بالمسيرات الانقضاضية في يافا وحيفا تبرُزانِ كمؤشر أولي على تثبيت المقاومة معادلة (يافا مقابل بيروت) و(حيفا مقابل الضاحية) من جهة، ومن أُخرى كدليل إضافي على توافر قدرة نارية تشكِّلُ قاعدةَ انتقال لمرحلة جديدة من المواجهة وَإدارة الحرب والانتقال لمعادلات أكثر شدة وقسوة على العدوّ الإسرائيلي؛ لإجباره على إعادة حساباته، خَاصَّة بعد أن ثبَّتت المقاومة زخمًا متصاعِدًا لعمليات خيبر.
وَتركيزُها على حيفا يضرِبُ عَصَبًا مُهِمًّا لكيان العدوّ يضر بالاقتصاد ويعمِّقُ انقسامَ جبهته الداخلية، كما يُشَكِّلُ أَيْـضًا ضغطًا على المستوطنين ويترك تأثيرًا معنويًّا كَبيرًا عليهم.
وتحقيقُ العمليات هذه الأهداف يُعَاظِمُ ثقلَ إنجازها وَمكاسبها -برأي مراقبين- ويضع العدوّ أمام معضلة استراتيجية، يبحث معها عن سبل تمنع نزوح المستوطنين من حيفا، في أعقاب وعود مُجرمي الحرب الصهاينة مستوطني الحافة الشمالية بالعودة سريعًا، هذه المعضلة تتعمَّقُ في ظل انتهاء العدوّ من بنك أهدافه في الضاحية الجنوبية وعدم امتلاكه أوراقًا ضاغطة على المقاومة وبيئتها؛ وهو ما يجعلها أكثر قدرة على تثبيت معادلة “حيفا مقابل الضاحية” بما يسمح بعودة النازحين إليها وإمْكَانية تحييدها كليًّا عن الاستهداف.
في المقابل لا يستطيع العدوُّ تحمُّلَ موجة نزوح كبيرة وضخمة من حيفا وجنوبها في وقت باتت معها المدن المحتلّة الكبرى هدفًا دائمًا لعمليات الإسناد من اليمن والعراق، ومع إمْكَانية تضاعف ذلك؛ ما يعني أن لا مكانَ آمِنًا للصهاينة يفرون إليه.
وفي ضوء كُـلّ ما سبق -خَاصَّة منها انتظامَ عمليات حزب الله وتوظيفَ أسلحة جديدة في الكثير منها- يمكن الجزم بيقين أن منظومة القيادة والسيطرة في الحزب لم تتضرر -رغم ما تعرض له من عدوان يهدُّ دُوَلًا ويُسقِطُ جيوشًا-؛ لأَنَّ من الطبيعي جِـدًّا أن تكون منظومة القيادة والسيطرة بالنسبة للحزب أَو أي تنظيم عبارة عن تسلسل هرمي لا يقتصر عند القادة في الصفوف الأعلى وإنما يمتد حتى يصل عند مَن يرأسُ السرية، بل أصغر مجموعة من المجاهدين قد لا يتجاوز عدد أفرادها أصابع اليد.
ما يعني أن بناءَ العدوّ على ما حقّقه من نتائج تحييد وتغييب أصحاب القرارات الكبرى في هيكل حزب الله هو مشكلة العدوّ الجوهرية، وقد لا يكون مرد ذلك العجلة في تقييم نتائج عملياته ضد البنية القيادية للحزب وقدراته وقدرته على إعادة تثبيت المعادلات، بل إن ما تعرَّضَ له من اختراقٍ استخباراتي محدودٍ، وإن كان قد وصل أعلى الهرم، ولربما كان العدوّ يراهن على أن إزاحة القيادات التاريخية سينجز كُـلّ شيء وَسينهي المعركة ويؤسس لـ “شرقِ أوسطَ جديدٍ”.
وها قد تكشَّفُ أن حزبَ الله استوعب كُـلَّ ما أصابه ويختزنُ الكثيرَ مما يحافِظُ على الردع، وقد أضاف إليها الميدان البري، وهذه ورقةٌ ستُدمِي العدوَّ بشكل غير مسبوق.
ونحن ننتظرُ أن يتقدَّمَ الصهاينةُ صوبَ ما يعتبرُه حزبُ الله مناطقَ مُحرَّمةً ومواقِعَ وتِلَالًا حاكمة؛ لنشهدَ سفكَ دماء جنود وضباط العدوّ على مدار الساعة، أَو نشهدَ كيف أن الأمينَ العامَّ باقٍ يقضي على الصهاينة، وحتمًا ستكونُ المآلاتُ النهائيةُ للمواجهة بتوقيعِ محور الجهاد حتى القدس.