صمود وانتصار

الإمبراطورية الأمريكية تعيشُ أولى مراحل السقوط

إبراهيم مجاهد صلاح

بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات، بدأت الإمبراطورية الأمريكية في تعزيز موقعها كقوة عظمى وحيدة في العالم، هذا التحول خلق بيئة دولية جديدة، حَيثُ استثمرت واشنطن في بناء تحالفات استراتيجية مع دول مختلفة عبر العالم كوسيلة لتعزيز نفوذها.

استطاعت الولايات المتحدة استغلال نشوة انتصارها في الحرب الباردة لتوسيع قاعدتها من الحلفاء، من خلال التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري، وتمكّن زعماء الدول حول العالم من استشعار الحاجة إلى الانضمام إلى التحالف الأمريكي؛ لتأمين مصالحهم وللحفاظ على الاستقرار في بيئاتهم السياسية والاقتصادية، وإبقائهم على الحكم.

تجسدت هذه الديناميكيات في توسيع الناتو، وتعزيز العلاقات الثنائية مع العديد من دول آسيا وأُورُوبا وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى الاستفادة من مؤسّسات دولية متعددة الأطراف تعمل تحت إدارتها، مثل الأمم المتحدة الذي لم تكن إلا ضد الشعوب العربية والإسلامية، وقرارات مجلس الأمن الذي لم تصدر إلا وفق الإرادَة الأمريكية، ولم تصدر يومًا ضد أمريكا أَو “إسرائيل”، وصندوق النقد الدولي الخاضع للسياسة الأمريكية، كما برزت مفاهيم دخيلة على المجتمعات، مثل العولمة والديمقراطية كنموذجَينِ يُقدَّمان كجزء من النهج الأمريكي لإدارة النظام الدولي الذي يجب على العالم الالتزام بهما.

ومع مرور الوقت، بدأت التحديات تظهر بشكل متزايد، عقب صعود قوى جديدة مثل الصين وإيران، وتزايد التوترات الجيوسياسية؛ مما أَدَّى إلى تحول المشهد الدولي مرة أُخرى نحو الخروج من تحت العباءة الأمريكية التي أشعلت الحروب في أغلب بلدان العالم نتيجة سياستها السادية.

ظنت أمريكا أن إمبراطوريتها ستبقى بعد أن طوعت حكام الشعوب على السمع والطاعة لها، لكنها لم تحسب حساب الشعوب الحرة التي لم تقبل الذل والانبطاح للجلاد وستنتزع الحرية من بين أكتافه؛ فكونت الشعوب بدعم إيراني حركات من أوساطها وشكلت تحالفات لمواجهة المشروع الأمريكي، فخرج حزب الله في لبنان وحركة حماس وحركة فتح في فلسطين وَالحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن باسم محور المقاومة، كلها تردّد شعار الموت لأمريكا؛ فجن جنون أمريكا وأمرت حكام الشعوب بأنها هذه الحركات وفعلًا استجاب الحكام ووجهوا الجيوش لمحاربتهم لكنهم كانوا ينهون عملياتهم بخيبة أمل.

فتوسعت هذه الحركات وأصبحت قوة ردع حقيقية وتملك من الإمْكَانيات ما تؤهلها لمواجهة التحديات، بعد أن رأت هذه الحركات أن أمريكا أصابها العجر؛ بسَببِ التحديات الاقتصادية والانقسامات السياسية في الداخل الأمريكي والفشل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان الذي أثّر على قوتها كقوة والذي أَدَّى إلى التشكيك في قدرتها على تحقيق أي هدف، وبعد توتر العلاقات بينها وبين روسيا؛ بسَببِ حرب أوكرانيا، وتورطها في دعم الكيان الإسرائيلي، شكّلت غرفة عمليات مركزية استعدادًا للإطاحة بالإمبراطورية الأمريكية، من خلال توجيه ضربة قوية لها عبر نقطة ضعفها وهي الكيان الإسرائيلي؛ فتم تحديدُ يوم الـ7 من أُكتوبر عام 2023م اليوم الذي لن ينساه الإسرائيليون أبدًا، فكان أول سهم يُصيب الذراع الأمريكي ويبطلهُ تمامًا.

وبعد تمادي العدوّ الإسرائيلي في ارتكاب المجازر بحق الأبرياء في غزة ولبنان، تدخل المحور فكان اليمن هو البلد الذي سدد السهم الثاني في ساق الإمبراطورية الأمريكية وأعاقها من التحَرّك لدعم العدوّ الإسرائيلي عبر البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي، وشكلت جبهة حزب الله في لبنان سهمًا ثالثًا أصاب الإمبراطورية الأمريكية في الذارع الآخر الذي توقف عن إرجاع المستوطنين إلى حَيثُ كانوا، وفقد العدوّ الإسرائيلي المئات من الضباط والجنود خلال المواجهات، وكان دور الحشد الشعبي سهمًا أصابها في الساق الآخر فبقيت أمريكا متوقفة لا تستطيع الحركة رغم التوسل الإسرائيلي لها بالوقوف معه وإخراجه مما هو فيه.

راهنًا غدت عاجزة ولم يتبق لها إلا الرأس الذي يتيح لها الكلام، وقريبًا إن شاء الله سيتحد المحور ليوجه لها ضربة واحدة تطيح بالإمبراطورية الأمريكية على الأرض ولن تقوم لها قائمة بعدها ويبقى الزمن هو زمن الأحرار الذين وفروا من لقمة عيش أطفالهم ليصنعوا قوةً أطاحت بأمريكا بعدَ أن كانت إمبراطوريةً عظمى.