الإبداع في صناعة الصورة الذهنية وإدارة سمعة المؤسسات
تعد الصورة الذهنية الهدف الأساسي للعلاقات العامة … فالصورة الذهنية “image” هي التي تعكس الواقع، وهي التي تحمل المعلومات عنه إلى العقل الإنساني، الذي لا يواجه الواقع مباشرة، وإنما يواجهه بطريق غير مباشر وهو الوصف، والعلاقات العامة تقوم بجزء كبير من وظيفتها من خلال التـقديم غير المباشر للواقع.
وقد تزايد الاهتمام بموضوع الصورة الذهنية وأهميتها بالنسبة للمجتمعات والمؤسسات نظرًا للقيمة التي تؤديها في تشكيل الآراء وتكوين الانطباعات الحقيقية نحوها وخلق السلوك الإيجابي Positive behavior للأفراد تجاه المؤسسة، حيث أصبح تكوين الصورة الطيبة هدفًا تسعى إليه معظم الشركات التي تنشد النجاح.
وقد أدركت الشركات والمؤسسات أهمية دراسة وقياس الصورة الذهنية الموجودة في أذهان جماهيرها لكي تبني السياسات والاستراتيجيات التي تعنى بتحسين الانطباعات والمعارف الذهنية للجماهير، كما برزت أهمية الصورة على المستوى الدولي في تهيئة المناخ النفسي الملائم لتحقيق أهداف الدولة ونجاح سياستها الخارجية، والترويج لأوجه النشاط المختلفة.
وتعمل المؤسسات الحديثة على تطوير صورتها لدى الجمهور، والحرص على إيجاد مكانة لصورتها عند الآخرين، بهدف إيجاد القبول لمنتجاتها وخدماتها وتسويقها على أوسع نطاق، سواء كان المنتج مادياً أو فكرياً ثقافيا، وعلى هذا فالصورة الذهنية هي إنطباع صورة الشيء في الذهن، أو حضور صورة الشيء في الذهن، ويعرفها البعض بأنها “الخريطة التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يفهم ويدرك ويفسر الأشياء.
لذلك تعتبر الرسالة التي ترسلها المؤسسة لجمهورها في غاية الأهمية، فهي تُلخص مجموعة من المحددات والرؤى المهمة مثل :أهداف المؤسسة وأسباب تواجدها وسياساتها وجمهورها الحالي والمرتقب ونوع السلعة أو الخدمة ومزاياها، وتستمد الرسالة أهميتها من أهمية الدور الذي تقوم بها على مستوى الإدارة العليا ومساعدتها عند تخطيط للمؤسسة أو العاملين بها، حيث تعتبر رسالة المؤسسة إحدى مكونات الصورة الذهنية الحسنة.
حيث تبنى الصورة الذهنية من المعلومات التي يحصل عليها الفرد والجمهور حول المؤسسة، من حيث أسمها، وهويتها أو شعارها، وموظفيها، وقادتها، وخدماتها، وفلسفتها وسياستها، وقراراتها، وتاريخها وإنجازاتها، ودورها في المجتمع، ومساهماتها في الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتشمل أيضًا إخفاقاتها ومشكلاتها وأزماتها وآثارها السلبية على البيئة والإنسان.
ونمى مفهوم الصورة الذهنية في أحضان الدراسات الغربية إذ يعد الصحفي الأمريكي “Lipman” أول من تناول موضوع الصورة النمطية في كتابه المشهور “الرأي العام ” الذي نشر لأول مر في سنة 1922م. وينسب إلى “Lipman” انه أول من ربط بين الاتصال ووسائل الإعلام والصورة الذهنية ، وقوله أن هذه الوسائل تتوسط بين الإنسان والبيئة المحيطة به، وأن مقدرة الإنسان محدودة في التعرف على العالم من حوله . فقد أشار “Lipman” إلى أن العالم الذي نعيش فيه لا يمكن الإحاطة به كله مباشرة عن طريق حواسنا المعروفة لذلك يحتاج الإنسان منا إلى اكتشاف هذا العالم عن طريق التصور والتخيل، فيتعلم هذه الحقيقة أن يرى بعقله وخياله جزءاً كبيراً من هذا العالم الذي لا يدركه بحواسه.
ويقرر “Lipman” أن الصورة الذهنية التي تتكون لدى الإنسان عن طريق العالم ما هي إلا تمثيل مبسط لبيئة غير حقيقية وينتج هذا التمثيل بسبب قلة الفرص المتاحة للإنسان على حقائق العالم من جهة، وضيق الوقت الذي لا يتيح للإنسان فرصة التعرف بنفسه على هذه الحقائق من جهة أخرى.
وانطلاقاً من العلاقة بين الصورة الذهنية وتكون الرأي العام للمجتمع فإنه يتحتم على المؤسسات أن تهتم بدراسة الصورة السائدة عنها في مختلف طبقات المجتمع، من أجل التمهيد لوضع الاستراتيجيات الكفيلة بإيجاد صور ذهنية إيجابية عن هذه الجهات وإيجاد رأى عام مناصر لقضاياها ومواقفها ويدعمها في الظروف المختلفة.
ولقد ضاعفت التغيرات الأخيرة المتسارعة من أهمية دراسة الصورة الذهنية عن المؤسسات بين مختلف شرائح المجتمع، والعوامل المتعلقة بتكوينها والبرامج اللازمة لتحسينها، وبخاصة في ظل تنامي الحملات الإعلامية التي باتت تواجهها المؤسسات من الداخل والخارج.
فالمؤسسات اليوم وفي ظل احتدام المنافسة تحرص أكثر من أي وقت مضى على صورتها في أذهان جماهيرها، وذلك لأن لكل مؤسسة صورة في أذهان جميع المتعاملين معها شاءت أم لم تشأ، وسواء خططت لذلك أم لم تخطط، ولاشك أن الصورة الحسنة تسهم في نجاح المنظمة واستمراريتها، فالمؤسسات مطالبة بأن تدير صورتها لتتمكن من خلق الصورة الايجابية التي من شانها أن تحقق ميزة على منتجاتها وخدماتها وعلى منافسيها في نفس المجال.
كما أن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت انتشاراً واسعاً لمفهوم الصورة الذهنية في إطار الدراسات السياسية والاجتماعية وعلى نحو خاص الدراسات المتعلقة بالاتصال وكان لهذا النمو ارتباط كبير بالأهمية التي كشفت عنها الدراسات حول الدور الذي تؤديه الصورة في صياغة وتوجيه شكل العلاقة ما بين الأمم والشعوب وبين الجماعات الفرعية المتنوعة داخل المجتمع الواحد. ونتج عن هذا الاستخدام أن تبلور المفهوم واستقراره بصيغة متداولة.
يتضح لنا من خلال المفاهيم السابقة للصورة الذهنية أن عمل العلاقات العامة لبناء صورة المؤسسة يبدأ مع بداية تفكير الجمهور في تشكيل آرائه نحوها ، وتتابع العلاقات العامة هذه الآراء بالتزامن مع كل خطوة من خطوات بنائها للصورة ، وذلك من خلال بحوث ودراسات الجمهور وبما تقوم به من تحليل لما ينشر في وسائل الإعلام، وبناءًا عليه تبني العلاقات العامة سياستها الاتصالية، فالعلاقات العامة تسعى لإيجاد نوع من التفاهم المشترك والمفيد لكافة الأطراف في المؤسسة، لذا يتضح أن العلاقات العامة تلعب دورًا حيويًا في بناء الصورة الذهنية وإدارتها، من خلال دمجها لفرعين هامين هما الاتصال وعلم النفس، فهي تستفيد من نظريات ونماذج علم النفس والاجتماع من جانب، وتكتيكات الاتصال ونظرياته من جانب آخر.