الكيان المؤقت .. أحلام التوسع وعقبات التنفيذ
الصمود||تقرير||علي الدرواني
أشار السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأسبوعي الأخير، إلى خطورة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية والعربية، والتهديد الوجودي الذي يمثله كيان العدو الصهيوني، وذكر أحلام توسع الكيان، مشيرا في ذات الوقت إلى العقبات التي تحول دون التنفيذ.
وقد شدد السيد القائد على أن: المحيط المجاور لفلسطين مستهدفٌ بالدرجة الأولى، وأن المشروع الصهيوني يهدف إلى تمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على ما يسمونه بالشرق الأوسط، لتشكيل ما يسمونه بإسرائيل الكبرى، والتي رسموا خريطتها من النيل إلى الفرات، وتشمل مجموعة بلدان عربية، منها لبنان، وسوريا، والأردن، مع فلسطين، يعني: بلاد الشام بكلها، ومنها العراق ومصر، أو أجزاء- بالحد الأدنى- من العراق ومصر، ومنها كما يقولون هم: ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية، منها مكة والمدينة.
مفهوم “إسرائيل الكبرى”
عبارة “إسرائيل الكبرى” تشير إلى مفهوم أيديولوجي يرتبط بأفكار توسعية للتيارات الصهيونية، ويعود أساسه إلى نصوص دينية وتاريخية، تعتبر مناطق معينة جزءًا مما يسمونه “أرض الميعاد“.
ويحاول الصهاينة ترسيخ هذا المفهوم وتوضيح حدوده بمقولة “إسرائيل من النهر إلى النهر” وهو المصطلح الذي يرتبط في السياق المعاصر ببعض الشخصيات الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مثل ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، والذي تحدث عن “أرض الميعاد” كمكان يجمع الشعب اليهودي، وكذلك بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل.
في بعض الأحيان يتم تقديم تفسير ضيق لمفهوم النهر إلى النهر، بما يشمل فقط نهر الأردن، والبحر المتوسط، لكن بمرور الزمن، أصبحت هذه العبارة تُستخدم للإشارة إلى الطموحات التوسعية للكيان، بما يعني نهر النيل في جمهورية مصر العربية، إلى نهر الفرات في العراق، وما بينهما من أراضي أردنية، وسعودية، وفلسطينية، وسورية.
بعض التفسيرات التوراتية تشمل شبه جزيرة سيناء وجزءًا من نهر النيل كحدود ضمن “إسرائيل الكبرى”. تُظهر هذه النصوص “حدود الميعاد” التي يصفها البعض بأنها تمتد إلى نهر النيل كرمز للحافة الغربية للأرض الموعودة.
بينما يرتبط الاهتمام بالعراق بالتاريخ اليهودي القديم، حيث توجد في بعض الأدبيات اليهودية والتوراتية إشارة إلى نهر الفرات كحدود شرقية لأرض الميعاد.
نهر الليطاني في لبنان أيضا ورد في بعض الإشارات التاريخية لمخططات صهيونية تسعى إلى السيطرة على منطقة جنوب لبنان، وتحديدًا مياه نهر الليطاني، التي تعتبرها تيارات يهودية مهمة لتأمين مصادر المياه للكيان، وقد تم ذكر نهر الليطاني في بعض الخطابات كجزء من مفهوم “إسرائيل الكبرى“.
رغم الانسحاب الإسرائيلي المذل من جنوب لبنان عام 2000، فإن “إسرائيل” عملت على الاحتفاظ بنفوذ عسكري عبر مواصلة استراتيجياتها الخبيثة والعدائية ضد لبنان بهدف منع أي وجود عسكري مناوئ، خاصة مع حزب الله.، حيث ظل الكيان الإسرائيلي ينفذ عمليات عسكرية واستطلاعات أمنية مستمرة في المنطقة كجزء من المخاوف من تنامي قدرات حزب الله في الجنوب اللبناني، رغم وجود القرار الأممي 1701، والذي قام الكيان بخرقه أكثر من 3000 مرة.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الأحلام التي ظلت تراود الكيان ويعمل على تحقيقها، طوال الفترة الماضية، وما عمليات الاغتيال والتفجيرات التي طالت أجهزة البيجر واللاسلكي، إلا مثالا لهذه التحضيرات والاستعدادات طويلة الأمد، لتحقيق تلك الأحلام.
عقبات التنفيذ
هناك عقبتان رئيسيتان في طريق تنفيذ مخطط ما يسمى إسرائيل الكبرى، أشار إليهما السيد القائد:
الأول: هو المقاومة.
الثاني: هو العديد البشري اللازم للتنفيذ.
المقاومة:
إن وجود المقاومة هو وحده ما يمنع التوسع الإسرائيلي، والخطر المحدق ببلدان المنطقة، لاسيما تلك المشمولة في مفهوم إسرائيل الكبرى، فوجود المقاومة الفلسطينية واللبنانية يشكل عائقًا كبيرًا أمام أي خطط توسعية إسرائيلية، ويؤثر بعمق على القرارات والسياسات الإسرائيلية بطرق متعددة، سواءً عبر الوسائل العسكرية أو السياسية أو الشعبية، التي لها تأثيرات استراتيجية تقيّد قدرة الكيان على التوسع وتخلق تحديات تواجهها على عدة مستويات.
المقاومة المسلحة تجعل محاولات التوسع الإسرائيلي ذات تكلفة باهظة، حيث تفرض على الكيان الحاجة إلى تكريس موارد ضخمة للأمن، والحفاظ على تواجد عسكري مكثف في المناطق التي تسيطر عليها أو تسعى للسيطرة عليها، والعمليات المقاومة، سواءً كانت هجمات مسلحة أو انتفاضات شعبية، تتسبب في خسائر بشرية ومادية، وتدفع إسرائيل إلى التركيز على احتواء التوترات بدلاً من التفكير في التوسع.
النقص في العديد والزخم البشري:
مقارنة عدد اليهود المحتلين في فلسطين، بالمساحة الكبيرة لما يسمونه إسرائيل الكبرى، تجعل مثل هذا المشروع بعيد التحقق، على الأقل من الناحية النظرية، لأن مساحة تزيد عن 800 ألف كم مربع، هي المساحة المفترضة لما يسمى إسرائيل الكبرى، بينما المساحة التي يحتلها الكيان اليوم تصل إلى (22 ألف كم مربع فقط).
كما يصل عدد اليهود في فلسطين المحتلة، حوالي 7.1 مليون يهودي، ويُقدَّر عدد اليهود في العالم حاليًا بحوالي 15 مليون نسمة، وفقًا لإحصائيات عام 2023، يعيش الجزء الأكبر منهم خارج فلسطين، ففي الولايات المتحدة حوالي 6 ملايين يهودي، فيما النسبة المتبقية من اليهود، فيتوزعون على دول أخرى، أبرزها: فرنسا وكندا والأرجنتين وروسيا وألمانيا، لكن بأعداد أقل مقارنة بفلسطين المحتلة والولايات المتحدة.
وقد قام الكيان على فكرة الهجرات المتواصلة إلى فلسطين منذ مطلع القرن الماضي، وتواصلت حتى العقود الأخيرة (منذ أوائل التسعينيات حتى 2023)، حيث قدِم إلى فلسطين حوالي مليوني يهودي، وفق تقديرات الوكالة اليهودية والمصادر الإحصائية الإسرائيلية، شملت نحو مليون يهودي من روسيا وأوكرانيا ودول الاتحاد السوفييتي السابقة بعد انهياره.
كما ازدادت الهجرة من دول أخرى مثل فرنسا، خصوصًا مع تزايد الحوادث المصنفة بالمعادية للسامية في أوروبا، كما وصلت أعداد من يهود أمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية هناك.
وتشير الإحصائيات الى موجتين من الهجرة ليهود الفلاشا الإثيوبيين، تقدر بحوالي 50,000 يهودي إثيوبي إلى فلسطين خلال تلك الفترة.
هذه الموجات المستمرة من الهجرة ساهمت في نمو عدد المستوطنين اليهود في فلسطين ودعمت أهدافًا ديموغرافية وسياسية للكيان، لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة بشكل لافت، تحت ضغط الحروب المستمرة مع المقاومة الفلسطينية، وتوترات الوضع الأمني، وتراجع الأمن داخل الكيان، كما كان ارتفاع تكلفة المعيشة، خاصة في العقارات، يشكل مانعا بشكل نسبي، مما يجعل الانتقال إلى فلسطين تحديًا اقتصاديًا كبيرا للكثيرين.
لم يتوقف الحال عند هذا الحد بل وصل إلى أكثر من ذلك، وهو ظهور مفهوم الهجرة العكسية نتيجة لكل تلك التطورات والاسباب، حيث تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف مليون إلى مليون صهيوني يعيشون خارج فلسطين المحتلة، كما ظهرت حركات ومنظمات تدعو للهجرة العكسية لأسباب مختلفة، أبرزها أسباب اقتصادية ودينية وسياسية.
محاولات تخطي العقبات
قبل طوفان الأقصى، كان الكيان الصهيوني لا يحتمل استمرار حرب أكثر من شهر، كما حصل في حرب تموز، وحروب غزة المتوالية، لكنه هذه المرة بدأ بالشعور بما يسميه الخطر الوجودي، وعمل على تسخير كافة موارده وأحداث طوفان الأقصى، لحشد الدعم الداخلي لمواصلة هذه الحرب العدوانية، بما يجعل مجتمع الكيان قابلا لتحمل التكاليف البشرية والمادية، والتي بطبيعة الحال لن تكون بسقوف مفتوحة، ولن تستمر طويلا، لا سيما وقد بدأت مؤشرات الخسائر الكبرى من الحافة الجنوبية للبنان، وحتى هذه اللحظة يعترف الكيان بالمئات من القتلى والجرحى فقط على تلك الجبهة، وهذا يعني أن الأرقام الحقيقة أكثر من ذلك بكثير، وربما يصل العدد الفعلي أضعاف المعلن.
بالإضافة إلى ذلك، تستمر الصواريخ بدك المستعمرات شمال فلسطين المحتلة، وفي عمق الكيان، لتتحول حيفا إلى كريات شمونة أخرى في معدلات ضربها بالصواريخ، وكذلك يافا “تل أبيب”، وهذا سيلقي بثقله على قادة الكيان، إلى جانب المعادلة الجديدة التي ترسيها المقاومة (التهجير بالتهجير)، بعد إعلان التحذير لمستوطني 25 مغتصبة شمال فلسطين المحتلة بالإخلاء بعد تحولها إلى ثكنات عسكرية للكيان.
نتيجة لهذا الواقع، بدأ الكيان الصهيوني بالتفكير بأن الحرب الحالية هي حرب تهدد وجوده، وليس فقط توسعه، ويستغل قادة الكيان هذه الحالة بدفع المستوطنين لتقبل المدى الطويل لهذه الحرب، وتحمل التكاليف الكبيرة بشريا وماديا وعلى كل الصعد، الاجتماعية والاقتصادية تحديدا، بما يسمح للجيش الصهيوني بمواصلة حربه، لتخطي عقبة المقاومة وتوفير ما يمكن من الأمن للمستوطنين، ومنعهم من الهجرة المضادة، التي تزايدت في السنوات الأخيرة.
*******
ومما سبق نجد أن مشروع إسرائيل الكبرى، بحاجة إلى عديد بشري كبير، ونظرا لعدم توفر العدد الكافي من اليهود، فإن المشروع الصهيوني كما أشار السيد القائد في خطابه الأخير بقوله: ( يستهدف هذه الرقعة الجغرافية بالاحتلال المباشر، ويستهدف بقية البلاد العربية بالسيطرة، وإن لم يكن بالاحتلال المباشر؛ نتيجةً لما يعانيه اليهود من عجزٍ في العديد والزخم البشري، يعني: هم لا يمتلكون من الزخم البشري ما يتمكنون به من التغطية المباشرة، والاحتلال الكامل، والانتشار في بقية البلدان العربية، لكن قد يعالجون المسألة، ويوفدون من شعوب وأمم أخرى من يغطّون هذا الفراغ إلى حدٍ ما، في ظل سيطرتهم المباشرة، وكذلك يريدون أن يخضعوا البقيَّة إخضاعًا تامًا لهم، وأن يسوموهم سوء العذاب، وأن يكونوا مستغلين، مستعبدين، مقهورين، مستسلمين، في حالةٍ من الهوان، والاستسلام، والعذاب، والعبودية، والقهر، تحت سيطرتهم، ومن خلال تلك السيطرة التي يرومونها، ويسعون لها، في معتقدهم أنهم سيتمكنون من فرض نفوذٍ عالمي، بحيث يكون مركز الحكم للعالم بكله في يد الصهيونية اليهودية من فلسطين، وأكثر من فلسطين من البلاد العربية بعد احتلالها، مما يسمونه هم بإسرائيل الكبرى، ليكون لهم من خلاله سيطرة عالمية).
وهذا يعني أن الكيان الغاصب، يعمل حاليا ليس للاحتلال المباشر لأراضي ما يسمى إسرائيل الكبرى، وإنما لما يمكنه من السيطرة السياسية ومصادرة القرار، عبر إنشاء التحالفات الخبيثة والتي سمعنا عنها في السنوات الأخيرة تحت عنوان التطبيع واتفاقات “إبراهام”، وهي لا تقل خطورة عن الاحتلال المباشر، والسيطرة المباشرة، بل هي بالنسبة للكيان تعفيه عن تحمل مسؤولية الموارد البشرية، في ظل تطويع الأنظمة ومن ينضوي فيها، وتسخيرهم لخدمة أهداف الكيان التوسعية، ويمكنها من الوصول إلى الثروات النفطية والغازية والطاقة والأسواق، وطرق التجارة الدولية، ناهيك عما تمثله التحالفات العسكرية والأمنية التي يكون للعدو الإسرائيلي اليد العليا فيها، من سيطرة على قرار المنطقة، سياسيا واقتصاديا وامنيا وعسكريا.
وهذا في حقيقة الأمر ليس خطرا على المنطقة فحسب، بل على كل دول العالم، بما فيها دول مثل الصين وروسيا، الأمر الذي يجعل الحرب الحالية حربا لصالح البشرية، وليس فقط للدفاع عن غزة ولبنان ومحور المقاومة.
وهذا بالضبط ما حاول السيد القائد عبد الملك الحوثي توضيح أبعاده وخلفياته ومآلاته ومخاطره في خطاباته الأخيرة.