صمود وانتصار

الإدارات الأمريكية المتعاقبة .. استراتيجية واحدة لتدمير اليمن

الصمود||تقرير||أحمد داود         

يعود ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، وكل الأنظار تتجه صوب واشنطن، وما الذي يمكن أن تحمله السنوات المقبلة، لا سيما مع اشتعال المنطقة بعد معركة “طوفان الأقصى”.

النرجسية لترامب خبرها الجميع خلال فترة حكمه الماضية منذ عام 2017، فهو الذي حرك عجلة التطبيع، وتبنى صفقة القرن، وأظهر العداء العلني لمحور المقاومة.

بالنسبة لليمن، لا فرق بين رئيس وآخر، فالرؤساء الأمريكيون الذين وصلوا إلى سدة الحكم كان لهم موقفاً عدائياً من اليمن، من أوباما، مروراً بترامب، ثم بادين، ثم العودة الآن مع ترامب، حيث تركزت الاستراتيجية الأمريكية بشكل واضح على تدمير اليمن من خلال العدوان المباشر أو غير المباشر، ومحاولة تنصيب نظام مرتهن لأمريكا وحلفائها في المنطقة.

في أواخر عهد أوباما، جاء العدوان الأمريكي السعودي على اليمن في 26 مارس 2015م، ضمن تحالف قادته السعودية، وشاركت فيه دول عربية من أبرزها الإمارات، فكان إعلان العدوان من واشنطن بلسان السفير السعودي لدى أمريكا آنذاك عادل الجبير، فكان المعنى الضمني للمكان واضحاً، وفيه إشارة إلى أن السعودية ستخوض حرباً على اليمن بدعم وموافقة الولايات المتحدة.

وفي غضون ساعات من إعلان الجبير، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بياناً ذكرت فيه أن الرئيس أذن بتوفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية، مضيفاً أن الولايات المتحدة ستنشئ خلية تخطيط مشتركة مع السعودية لتنسيق ذلك الدعم، وبهذا فإن واشنطن اشتركت بشكل مباشر في العدوان على اليمن منذ اندلاعها.

وخلال السنوات الأولى من العدوان على اليمن، تعرضت العاصمة صنعاء، والمحافظات اليمنية الأخرى، لسلسلة من الغارات العنيفة، استشهد على إثرها المئات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وتم تدمير معظم البنى التحتية لليمن، من مصانع، ومستشفيات، وطرقات، ومطارات، ومدارس، ومساجد، ومعسكرات، وغيرها، حيث شارك خبراء عسكريون أمريكيون في هذه الغارات، وشكلوا غرفة عمليات لمساندة التحالف في اجرامه على اليمن.

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقد عملت إدارة أوباما على بيع أسلحة متنوعة إلى السعودية، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً في 17 نوفمبر 2015م، تضمن الموافقة على طلب السعودية بيعها أسلحة بمبلغ 1.3 مليار دولار بينها قنابل ذكية، وأثناء زيارته إلى الرياض في يوم 22 يناير 2016م، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: ” نحن ندعم التحالف الذي تقوده السعودية لمواجهة الحوثيين في اليمن.. إن علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج مبنية على أساس المصالح المشتركة، وهي استراتيجية، ونحن ملتزمون بدعمها لصد أي اعتداء، وأن واشنطن لن تتخاذل في حماية دول الخليج”.

ترامب يصعّد وتيرة العدوان

جاءت فترة ترامب في يناير 2017م، باستراتيجية أكثر حدة تجاه اليمن، وبدعم لا محدود للعدوان الغاشم على بلادنا.

وفي الأول من فبراير 2017 اتهم مستشار الأمن القومي الأمريكي “مايكل فلين” إيران صراحة بمساندتها “للحوثيين”، رغم أن إدارة ترامب لم تكن تمتلك أدلة على تدخل إيران في المشهد العسكري اليمني، لكنها حاولت توظيف ادعاءاتها لتنفيذ مخططاتها في المنطقة.

ونتيجة لما سبق جاءت زيارة أول وزير خارجية لترامب إلى السعودية في مايو 2017م، حيث شهدت بيع أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار، كما فرضت السعودية وتحالفها خلال إدارة ترامب حصاراً غاشماً على اليمن بدعم ومساندة أمريكية.

زادت الغارات الجوية على اليمن بفعل الدعم السخي لإدارة ترامب، في حين كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن فريقاً من القبعات الخضراء الأمريكية، يعمل رفقة القوات السعودية في الحدود مع اليمن، وأن هذا الفريق ساعد في تحديد وتدمير العديد من مخزونات الصواريخ الباليستية، ومواقع إطلاق الصواريخ للجيش اليمني، وهو ما يؤكد على أن القوات الأمريكية كانت أكثر انخراطاً بشكل أعمق في العدوان على بلادنا.

وخلال عهد ترامب، حرّك العدوان السعودي الأمريكي أدواته في الداخل اليمني، وشهدت صنعاء أخطر فتنة في تاريخها، حينما أعلن الرئيس الأسبق الخائن علي عبد الله صالح تحالفه العلني مع العدوان، في ديسمبر 2017م في تخادم واضح مع التحالف السعودي الإماراتي، غير أن الجيش اليمني تمكن بسرعة خلال أيام، من قتل علي عبد الله صالح، والقضاء على فتنته، وهو ما أزعج إدارة ترامب، وقال وزير الدفاع الأمريكي حينها “جيمس ماتيس” بعد مقتل صالح بيوم إن اليمن سيشهد تدهوراً في الأوضاع الإنسانية، وكأنه يلمح بأن خيار أمريكا بعد فشل ورقة صالح هي اللجوء إلى الورقة الإنسانية للمزيد من الضغط على صنعاء وقواتها المسلحة.

اتسمت غارات العدوان في مناسبات عدة بقسوتها وبشاعتها إبان حكم الرئيس الأمريكي ترامب، حيث تم استهداف حافلة مدرسية في منطقة ضحيان بمحافظة صعدة، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 50 مدنياً، بينهم 40 طفلاً، وكانت القنبلة المستخدمة في الغارة الجوية أمريكية الصنع، كما استمرت جرائم قتل المدنيين بوتيرة عالية، وقصف الأسواق، والطرقات، والمدارس، والمنشآت التعليمية، والمساجد، وغيرها، في محاولة أمريكية سعودية للضغط على صنعاء وإجبارها على التراجع والاستسلام.

ظل ترامب يقدم الدعم الكبير للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن، واختتم فترة رئاسته بتصنيف “أنصار الله” على لائحة الإرهاب، في خدمة واضحة وجلية للسعودية والإمارات وأدواتهما من العملاء اليمنيين.

قناع ناعم لبايدن

أفضى فوز جون بايدين بالرئاسة عام 2021م إلى مزيد من التأرجح في السياسة الأمريكية تجاه اليمن، فلم يكد يمضي سوى أيام على بدء ولايته إلا وتم تعليق قرار تصنيف “أنصار الله” كجماعة “إرهابية”، ثم قال بايدين بعدها بأيام في خطاب له إنه يعتزم إنهاء العمليات العسكرية على اليمن، وتم تعيين مبعوث أمريكي خاص لهذه المهمة، غير أن “تيم ليندركينغ” مبعوث بايدن، جاء بمهمة سياسية تهدف في المقام الأول إلى الضغط على صنعاء، وإجبارها على تقديم التنازلات من خلال المفاوضات، راجياً أن تحقق الدبلوماسية ما لم تحققه أصوات القنابل وأزيز الصواريخ.

أعلن المبعوث الأمريكي ليندركينغ في 2 أبريل 2022م عن التوصل لهدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد، ودخلت بلادنا بعدها في مرحلة اللاحرب واللاسلم، ولجأ العدوان السعودي الأمريكي بعدها للضغط على صنعاء وحكومتها اقتصادياً، ومن خلال محاولة اثارة الفتنة من الداخل، غير أن صنعاء استغلت هذه الفترة للتصنيع العسكري، وإعادة ترتيب أوراقها، للاستعداد لمرحلة مقبلة من المواجهة.

لم يستمر بايدن كثيراً في إدارته الناعمة تجاه اليمن، فجاءت معركة “طوفان الأقصى” لتظهير الوجه الحقيقي للبيت الأبيض، فالمساندة اليمنية لغزة، دفعت واشنطن إلى التحرك بأساطيلها وبوارجها الحربية إلى البحر الأحمر لمساندة “إسرائيل”، ومن ثم الدخول في عدوان مباشر على بلادنا في يناير 2024م، وهو عدوان لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.

لن نستغرق كثيراً في تفاصيل الأحداث، فهي معلومة للجميع، لكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قد تدفع إلى المزيد من إشعال الحرائق في المنطقة، وبلادنا ليست في منأى عنها، غير أن التجارب الماضية مع الإدارات الأمريكية، قد أكسبت صنعاء المزيد من الخبرة، فالأمريكي لن يكون يوماً ما صديقاً لليمن، والعلاقة بين البلدين تتسم بالعدائية، لكن ما يبعث على التفاؤل أن أمريكا وحلفاءها يعيشون مرحلة تخبط وانكسار وهزائم أمام اليمن وقواته المسلحة، وأن المرحلة المقبلة مهما كانت قاسية فلن تكون أصعب مما مضى.

وهذا ما أشار إليه السيد عبدالملك بدرالدين في خطابه اليوم، من أن بعض الأنظمة العربية وأبواقها الإعلامية تحاول التهويل على شعوبنا من ترامب ولكن لدينا في اليمن تجربة مع ترامب وكذلك المنطقة بكلها، وأضاف: “لا ترامب ولا بايدن ولا أي مجرم في هذا العالم سيتمكن من أن يثنينا عن موقفنا الثابت المبدئي الديني في نصرة الشعب الفلسطيني ومهما كان حجم أي تصعيد ضدنا وأي عدوان يستهدفنا فلن يثنينا نهائيا عن موقفنا المبدئي الديني في نصرة الشعب الفلسطيني.

وأوضح السيد أننا واجهنا – بالاعتماد على الله – العدوان الأمريكي وشركاءه في فترة رئاسة ترامب السابقة لأمريكا ونحن في وضع أضعف مما نحن فيه الآن وبالاعتماد على الله والرهان عليه لن نُعجب لا بكثرة ولا بنوع من الإمكانيات أصبح بأيدينا، وكل فاعلية ذلك مع التأييد الإلهي والرعاية الإلهية”. وأضاف: “حاضرون في المعركة مع الأمريكي ومستمرون في مساندة الشعب الفلسطيني، واقفون في هذا الموقف بكل ثبات سعيا لمرضاة الله وثقة به ونحن مواصلون بالتصعيد بكل ما نمتلك ونسعى لما هو أعظم وما هو أكبر وأقوى.