صمود وانتصار

القادة وقممُ البيانات: إلى متى يستمرُّ الاعتمادُ على الغرب؟

طالب عمير

في ظل استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، تجد القمم العربية والإسلامية نفسها، المرة تلو الأُخرى، تكتفي بإصدار بيانات الشجب والاستنكار، مع توجيه النداءات المعتادة إلى الولايات المتحدة والدول الغربية لوقف الانتهاكات. لكن هذا النمط من التوجّـه بات يُثير تساؤلات عميقة حول جدوى الاعتماد على القوى الغربية لتحقيق العدالة ووقف الجرائم بحق الشعوب العربية، وأثره الفعلي على مجمل القضايا العربية المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

 

الاعتماد على الغرب: دلالاته وتداعياته

بات الاعتماد على الغرب أحد السمات البارزة لسياسات القمم العربية، والتي تميل في معظمها إلى مطالبة الولايات المتحدة وأُورُوبا باتِّخاذ خطوات للضغط على “إسرائيل”، رغم أن هذه القوى الغربية هي نفسها التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي وتزوِّدُه بالمساعدات العسكرية والسياسية الضخمة. فما الجدوى من التوجّـه إلى من يدعم الاحتلال بالأَسَاس؟

إن هذه التبعية تقوّض من قدرة الأمة على اتِّخاذ مواقف مستقلة وفعالة، وتحول دون بناء استراتيجيات إقليمية تؤسس لنظام عربي قوي قادر على الدفاع عن حقوقه دون الحاجة إلى “وساطة” القوى الكبرى.

 

القمم العربية: بين الخطاب والعمل

من المؤسف أن القمم العربية تميل بشكل متكرّر إلى إصدار بيانات وتصريحات لا تتجاوز حدود الورق.

بياناتٌ قد تحمل نبرة شديدة اللهجة، لكنها تبقى عاجزة عن إحداث أثر ملموس على أرض الواقع. فبينما تتوالى اجتماعات القمم ومؤتمراتها، تتزايد الاعتداءات والانتهاكات، ويزداد الواقع الفلسطيني تأزمًا.

إن الشعوب العربية تتساءل اليوم: لماذا لا تترجم تلك البيانات إلى أفعال حقيقية؟ لماذا لا تنبثق عن هذه الاجتماعات قرارات تنفيذية أَو تحَرّكات مؤثرة لوقف الاعتداءات؟

هذا العجز يترك انطباعًا بأن القمم العربية باتت تسير على نمط ثابت، يعتمدُ على بيانات خالية من التأثير العملي؛ مما أفقدها المصداقية وأدى إلى تآكل الثقة بها بين الشعوب.

فما معنى الشجب والاستنكار إذَا كانت الحكومات العربية تمتلك الأدوات التي تمكّنها من اتِّخاذ مواقف أقوى لا تفعِّلها؟ على سبيل المثال، لماذا لا يتم تبني مبادرات عربية فعّالة، أَو حتى فرض ضغوط اقتصادية وسياسية على الأطراف الداعمة للاحتلال؟

 

الحاجة إلى استراتيجيات عربية مستقلة:

لقد حان الوقت لأن يدرك الزعماء العرب أن الاعتماد على أمريكا والغرب لم ولن يكون السبيل لاستعادة الحقوق وتحقيق العدالة. يجب أن تكون القمم العربية على وعي بأن تحقيق أهداف الأُمَّــة يتطلب بناء تحالفات إقليمية تعزز التضامن العربي وتدعم استقلال القرار العربي بعيدًا عن التبعية الخارجية. فالقوة الحقيقية تكمن في الاتّحاد الإسلامي، وفي توظيف الإمْكَانيات الهائلة التي تملكها الأمة لتحقيق توازن جديد يحمي مصالحها ويصون كرامتها.

إن المطلوب اليوم هو صياغة استراتيجية موحدة، تتضمن رؤية واضحة لحماية حقوق الشعوب، ودعم القضية الفلسطينية ليس فقط بالكلمات، بل بخطوات ملموسة. يمكن للقمم العربية تبني سياسات اقتصادية وسياسية تضغط على داعمي الاحتلال، وتعزز من التوجّـهات التي تدعم صمود الفلسطينيين وتمنحهم القوة في مواجهة آلة الاحتلال.

الأمل يكمن في أن تخرج القمم العربية الإسلامية عن نمط “البيانات المعتادة”، وتتخذ خطوات تعبر عن إرادَة الشعوب. لقد أبدت الشعوب استعدادها للتضحية والوقوف بجانب القضايا العادلة، لكنها تتطلع إلى أن ترى مواقف رسمية حقيقية تعبر عن هذا الوعي الشعبي. فالإرادَة الشعبيّة باتت تتوق إلى سياسات مستقلة، تنبذ التبعية وتعيد للأُمَّـة كرامتها، وتكرس قيم التضامن والوحدة في القضايا المصيرية، بعيدًا عن أي انتظار لدعم خارجي.

 

بين الماضي والحاضر: هل تغيرت مواقف القمم؟

مما يدعو للأسف أن القمم العربية الحالية لا تختلف كَثيرًا عن سابقتها، حَيثُ ظلت معظمها رهينة الخطابات والمناشدات. في وقت كانت الأنظمة العربية قد اتخذت في مراحلَ سابقة مواقف أكثر قوة تجاه القضايا المشتركة، تتراجع الآن القمم نحو نهج أقلَّ تأثيرًا، دون تفعيل قرارات أَو مبادرات حقيقية. فالأزماتُ الراهنةُ تتطلَّبُ رؤية جديدة، تتجاوز النمط التقليدي، وتضع حَدًّا لمعادلة التبعية التي أضعفت مواقف الأُمَّــة على مدى عقود.

 

نحو مرحلة جديدة من القرارات الشجاعة:

إذا أرادت الأُمَّــة استعادة مكانتها واحترامها، فلا بد للقمم أن تستجيب لتطلعات الشعوب وتتحلى بالشجاعة اللازمة لاتِّخاذ مواقف حقيقية وفعالة، تعبر عن وحدة الأُمَّــة ورغبتها في الاستقلال. لقد حان الوقت لتأسيس سياسة قائمة على الكرامة واحترام إرادَة الشعوب، بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الغرب، لتكون هذه القمم أدَاةً لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، بعيدًا عن البيانات الجوفاء.