أثرياء من دماء الأبرياء
تمثل شركات السلاح الأمريكية أحد أبرز أركان الاقتصاد الحربي في الولايات المتحدة، حيث تسهم بشكل كبير في توجيه السياسة الخارجية عبر صناعة الحروب وإدامتها، ما يدر عليها أرباحاً طائلة من عقود التسلح والتدريب وإعادة الإعمار. ويثير هذا الوضع تساؤلات حول العلاقة بين صناع القرار في واشنطن وهذه الشركات التي لا تتوانى عن استخدام نفوذها لضمان ازدهار صناعتها على حساب الأرواح البشرية وحقوق الشعوب المتضررة.
في السابع عشر من يناير عام 1961، ألقى الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور خطاب رحيله عن الرئاسة، وقال فيه “إن على الأميركيين أن يأخذوا حذرهم من “المجمع العسكري الصناعي” الذي يزداد نفوذه في أعقاب الحرب العالمية الثانية بإطراد في كل مناحي الحياة، ويؤثر في القرارات المصيرية للأميركيين والعالم.
ولكن ما الذي حدث؟ هذا ما سنجيب عليه في هذا التقرير:
اقتصاد كامل قائم على الحروب
يمثل قطاع الأسلحة أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الأمريكي، حيث تحتل الولايات المتحدة موقع الصدارة في تصدير الأسلحة وتطوير الأنظمة العسكرية الحديثة، وقد أدى النمو المتزايد لشركات الأسلحة إلى تحول الاقتصاد الأمريكي إلى اقتصاد يعتمد بشكل كبير على الإنتاج الحربي.
شركات الأسلحة الأمريكية الكبرى، تحقق إيرادات ضخمة من مبيعات الأسلحة والأنظمة الدفاعية، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل عبر الصادرات الضخمة إلى حلفاء الولايات المتحدة في العالم. وقد أسهمت هذه الشركات في توفير آلاف الوظائف وتطوير صناعات فرعية في الاقتصاد، مما يضفي على وجودها طابعًا حيويًا.
على صعيد الأرقام، فإن قطاع الدفاع الأميركي يسهم بما يقارب 1 تريليون دولار سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي، ويرتبط نشاطه بأكثر من 4 ملايين وظيفة. لكن هذا الاعتماد الاقتصادي على الأسلحة يجعل النمو الاقتصادي رهينًا بالحاجة المستمرة إلى الإنفاق العسكري، مما يخلق “اقتصادًا قائمًا على الحروب.”
إن تكاليف الحروب التي تساهم فيها شركات الأسلحة الأمريكية ضخمة، إذ تُقدر تكلفة الحرب في أفغانستان وحدها بحوالي 2.3 تريليون دولار، بينما وصلت تكلفة الحرب في العراق إلى 1.9 تريليون دولار. ولا تشمل هذه الأرقام تكاليف الرعاية الطبية لآلاف الجنود الأميركيين الذين شاركوا في تلك الحروب، والسياسة الاقتصادية الأمريكية قائمة على قاعدة “كلما اندلعت الحروب تضخمت المكاسب”.
صفقات الأسلحة
وبلغة الأرقام فقد زادت مبيعات شركات الأسلحة الأميركية المباشرة إلى 157.5 مليار دولار بنهاية عام 2023 مقارنة بنحو 153.6 مليار دولار في السنة السابقة 2022، وارتفعت المبيعات التي تديرها الحكومة الأميركية إلى 80.9 مليار دولار في عام 2023 مقارنة بنحو 51.9 مليار دولار في عام 2022. وقد ارتفع هذا الرقم على الأرجح بفضل المساعدات الهائلة التي تمنحها الولايات المتحدة للعدو الإسرائيلي منذ بداية عدوانه على قطاع غزة، وكان آخرها حزمة مساعدات وصلت إلى 14.3 مليار دولار طلبتها إدارة بايدن لدعم كيان العدو عسكريا.
ولا يتوقف الأمر على الشركات الأمريكية في هذا الصدد بل يمتد إلى أوروبا، فقد أعلنت شركة “بي إيه إي سيستمز ” (BAE Systems) البريطانية، وهي أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في بريطانيا، وتأتي في المركز السابع عالميا، عن تسجيل أرباح مالية ضخمة نتيجة ارتفاع الإنفاق العسكري الناجم عن الحرب الروسية على أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. إذ حققت الشركة أرباحا قياسية بلغت 2.7 مليار جنيه إسترليني، وبلغ حجم مبيعاتها الإجمالي رقما قياسيا وصل إلى 25.3 مليار جنيه إسترليني خلال العام الماضي.
أبرز شركات الأسلحة
في الولايات المتحدة، تضم صناعة الأسلحة مجموعة كبيرة من الشركات تبلغ قرابة ٢٠٠٠ شركة، لكن أبرزها حوالي 10 شركات كبرى تمثل العمود الفقري لهذا القطاع. من هذه الشركات:
لوكهيد مارتن (Lockheed Martin): أكبر شركة في العالم لتصنيع الأسلحة، تشتهر بصناعة الطائرات الحربية والصواريخ.
بوينغ (Boeing): شركة معروفة بالطائرات المدنية والعسكرية والصواريخ والمركبات الفضائية.
نورثروب غرومان (Northrop Grumman): متخصصة في أنظمة الدفاع والصواريخ وتقنيات الفضاء.
رايثيون (Raytheon): تركز على أنظمة الصواريخ والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي.
جنرال دايناميكس (General Dynamics): تنتج دبابات ومدرعات وغواصات.
لويدز أوف لندن (L3Harris Technologies): معروفة بأنظمة الاتصالات والأمن.
هانيويل إنترناشونال (Honeywell International): تقدم أنظمة إلكترونية عسكرية ومعدات طيران.
تكسترون (Textron): معروفة بالمروحيات والمركبات القتالية.
بالانسير تكنولوجيز (Palantir Technologies): تهتم بتحليل البيانات الاستخباراتية في المجال العسكري.
كراتوس ديفينس (Kratos Defense): تنتج طائرات بدون طيار وأنظمة طاقة عالية.
هذه الشركات تلعب دورًا أساسيًا في توجيه السياسة العسكرية والدفاعية الأمريكية، وغالباً ما تتعاون مع الحكومة في مشاريع بمليارات الدولارات.
شركات أوروبية تدعم العدو الإسرائيلي
أما عن أبرز شركات الأسلحة الأوروبية التي تزوّد الكيان الإسرائيلي بالدعم العسكري تشمل شركات في ألمانيا، إيطاليا، والمملكة المتحدة، وهي تلعب دورًا مهمًا في تصدير المعدات العسكرية إلى الكيان رغم الجدل الكبير حول هذا الموضوع.
ألمانيا: تُعَدّ من أكبر المصدّرين للكيان الإسرائيلي، حيث صدّرت حوالي 30% من احتياجات العدو من السلاح بين عامي 2019 و2023. شهدت صادرات الأسلحة الألمانية إلى الكيان ارتفاعًا ملحوظًا، حيث وافقت الحكومة الألمانية على صادرات بلغت قيمتها حوالي 275 مليون دولار منذ بداية الأحداث الأخيرة. تشتمل هذه الصادرات على معدات عسكرية متنوعة.
وكان المستشار الألماني أولاف شولتس أعلن أمام البرلمان في أكتوبر الماضي ٢٠٢٤ تقديم مزيد من شحنات الأسلحة إلى “إسرائيل”، وكانت الحكومة الألمانية أكدت مع ذلك أنه لا يوجد مقاطعة لتصدير الأسلحة إلى “إسرائيل”.
إيطاليا: جاءت في المرتبة الثالثة بعد ألمانيا من حيث حجم صادرات الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي خلال الفترة نفسها. رغم أن إيطاليا أعلنت عن إيقاف صادرات الأسلحة الجديدة لإسرائيل مؤخرًا، إلا أنها لا تزال تفي ببعض الطلبات التي سبق وأن تمت الموافقة عليها.
المملكة المتحدة: أسهمت بريطانيا بنسبة كبيرة من صادرات السلاح إلى الكيان الإسرائيلي ، وبلغت قيمة صادراتها حوالي 53 مليون دولار في عام 2022. ورغم دعوات حقوقية للحد من هذه الصادرات، لم تتخذ الحكومة البريطانية خطوات حاسمة لوقفها. بل أن الحكومة البريطانية اصدرت 30 ترخيصًا تسمح للشركات البريطانية بتوريد قطع عسكريّة إلى الكيان الإسرائيلي. وتشمل هذه القطع مكوّنات الطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى معدات تساعد في توجيه الضربات على الأرض.
كما تشمل هذه الشركات أيضاً شركات أوروبية أخرى مثل شركات في هولندا وإسبانيا، على الرغم أن تلك الدول تواجه ضغوطات متزايدة من الجهات الحقوقية للحد من تصدير الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي تترافق مع استخدامها.
قوة التأثير السياسي لشركات السلاح
تتمتع شركات السلاح الأمريكية، مثل “لوكهيد مارتن ورايثيون ونورثروب غرومان”، بنفوذ واسع على المستوى السياسي. تمتلك هذه الشركات جيوشاً من اللوبيات والمستشارين السياسيين الذين يمارسون ضغوطاً على أعضاء الكونغرس والإدارات الأمريكية المتعاقبة لدعم ميزانيات الدفاع وإشعال الصراعات الخارجية، بما يضمن استمرار الطلب على الأسلحة.
تسهم تبرعات شركات السلاح في حملات السياسيين الأمريكيين، ما يجعلهم في حالة تبعية لهذه الشركات، ويدفعهم للتصويت لصالح مشاريع تدعم الاستثمارات العسكرية الخارجية. وقد أظهرت العديد من التقارير أن لوبيات السلاح تشارك بقوة في صناعة القرار السياسي، خاصةً عند التصويت على ميزانيات وزارة الدفاع أو الموافقة على بيع الأسلحة لحلفاء الولايات المتحدة.
شركات الأسلحة الأمريكية تدفع مبالغ ضخمة للسياسيين لضمان استمرار مصالحها وتأثيرها على السياسات. منذ عام 2019، أنفقت شركات الدفاع مثل لوكهيد مارتن وبوينغ ونورثروب غرومان أكثر من 216 مليون دولار على أنشطة الضغط السياسي. على سبيل المثال، في عام 2019 وحده، أنفقت هذه الشركات ملايين الدولارات: أنفقت لوكهيد مارتن حوالي 13 مليون دولار، وبوينغ 13.8 مليون دولار، ونورثروب غرومان 13.4 مليون دولار، لدعم التواصل مع أعضاء الكونغرس وإدارة الحكومة بهدف تعزيز صفقات السلاح.
تعمل هذه الشركات من خلال شبكة قوية من اللوبيات في واشنطن؛ أكثر من 70% من موظفي الضغط لصالح شركات الدفاع كانوا موظفين حكوميين سابقين. هذه العلاقات المتبادلة تسمح بتسهيل الضغط من خلال من يمتلكون علاقات قريبة مع صناع القرار، وتتيح للموظفين الحكوميين السابقين فرصة العودة للعمل لدى هذه الشركات برواتب ضخمة، مما يعمق تأثير الشركات على القرارات المتعلقة بالسياسة العسكرية والدفاعية.
بالإضافة إلى الضغط السياسي، تقدم شركات الأسلحة الأمريكية تبرعات كبيرة لحملات الانتخابات السياسية. في انتخابات عام 2020، دعمت هذه الشركات حملات سياسية بملايين الدولارات، خاصة لأعضاء الكونغرس الذين يتولون مسؤوليات تتعلق بتخصيص الميزانية الدفاعية والموافقة على صفقات السلاح الأجنبية.
هذا التأثير الكبير يعكس دور “الباب الدوار” بين الحكومة وشركات الدفاع، حيث ينتقل الموظفون بين العمل في الحكومة ومن ثم في الشركات الخاصة، ما يخلق صلات وثيقة بين صناع القرار والمصالح التجارية.
تعتبر هذه الأنشطة الاستثمارية في الضغط السياسي إحدى الطرق الرئيسية التي تعتمد عليها شركات الأسلحة لضمان استمرار تمويل الحروب وتعزيز مصالحها الربحية، حيث تعمل هذه الشركات على تعزيز الصراعات لضمان الطلب المستمر على منتجاتها، مما ينعكس سلباً على السلام العالمي ويزيد من تكاليف الحروب التي تدفع ثمنها الشعوب البريئة.
ما يسمى “الرابطة الوطنية للبنادق” (NRA) الأمريكية تلعب دوراً رئيسياً في عرقلة جهود السيطرة على الأسلحة في الولايات المتحدة من خلال ممارسة ضغوط شديدة على الكونغرس والسياسيين. تاريخياً، وسّعت NRA من قوتها السياسية منذ السبعينيات بعد تحولها من منظمة رياضية إلى منظمة دفاع عن حقوق الأسلحة عبر إنشاء لجنة العمل السياسي NRA-PVF وجناحها للدفاع القانوني، زادت الرابطة من قوتها الانتخابية وتوجيهاتها نحو حماية حق حمل الأسلحة وتجنب قيود صارمة على امتلاكها.
تركز NRA جهودها بشكل أساسي على التأثير في صانعي القرار عبر الحملات الدعائية، ودعمها للحملات الانتخابية للمرشحين الذين يعارضون القوانين التي تحد من انتشار الأسلحة. وقد ضغطت NRA لتمرير قوانين تخفف من ضوابط شراء ونقل الأسلحة عبر الولايات، مثل قانون “حماية مالكي الأسلحة النارية” لعام 1986، رغم اعتراضات قوية من بعض أعضاء الكونغرس الذين رأوا في هذه التعديلات تهديداً للأمن.
كذلك، توجهت NRA نحو توجيه الرأي العام من خلال نشر دعايات مؤثرة في الصحف ووسائل الإعلام، مؤكدة أن الأسلحة ضرورة للحماية الشخصية، وأن القيود تضر بالحقوق الدستورية. هذا التوجه جعلها واحدة من أقوى المجموعات التي تعارض تشريعات الحد من التسلح، حيث نجحت في إحباط محاولات تمرير قوانين تحد من اقتناء الأسلحة، وتحظى بتأييد كبير من السياسيين المؤيدين للحق في حمل
الدعاية والإعلام ودورهما في دعم الحروب
تلعب شركات السلاح دورًا في توجيه الإعلام عبر تمويل المؤسسات البحثية والدراسات التي تعمل على إقناع الجمهور والسياسيين بضرورة التدخلات العسكرية. وسائل الإعلام، بدورها، تقوم بتضخيم التهديدات الخارجية مثل “محاربة الإرهاب” و”الخطر النووي”، لتبرير صفقات الأسلحة الضخمة.
من الأمثلة البارزة على هذا التأثير، تغطية الإعلام لحرب العراق وأفغانستان، حيث جرى التركيز على الخطر الأمني المزعوم لدفع الرأي العام إلى دعم التدخل العسكري. وبمجرد اندلاع النزاعات، تزدهر عقود التسليح وإعادة الإعمار، ما يحقق أرباحاً هائلة للشركات الأمريكية ويُبقي على نشاطها.
أمثلة على الأرباح من الحروب والصراعات
تتزايد أرباح شركات السلاح مع كل تصاعد في النزاعات الدولية. خلال حرب العراق، حققت شركات السلاح الأمريكية مئات المليارات من عقود التسلح والبناء العسكري. على سبيل المثال، حصدت لوكهيد مارتن أكثر من 30 مليار دولار من عقود الدفاع في العراق وحده.
أما فيما يتعلق بالعدوان الصهيوني على غزة ولبنان فقد ظلت الشركة تسلم طائرات F-16 وF-35 وصواريخ هيلفاير ومعدات أخرى إلى الكيان الإسرائيلي وقد ارتفعت أسهمها بنسبة 10.65% بين بداية الحرب وحتى نهاية أكتوبر الماضي، وحصل رئيسها التنفيذي جيم تايكليت على ما لا يقل عن 66 مليون دولار على مدى العامين الماضيين؛ لأنه عضو مجلس إدارة مجلس العلاقات الخارجية، وهو أحد مراكز الأبحاث التي كان لها التأثير الأكبر في القرارات السياسية والعسكرية للبيت الأبيض منذ بداية القرن العشرين.
وفي السنوات الأخيرة، استغلت هذه الشركات الأزمة الأوكرانية لتزويد الدول الأوروبية بالأسلحة والمعدات، مستفيدة من تصاعد التوتر بين الغرب وروسيا. كذلك، تلقت السعودية وحلفاؤها في العدوان على اليمن دعماً عسكرياً أمريكياً هائلاً، يتمثل في الأسلحة والمعدات المتقدمة، رغم آثار الحرب المدمرة على المدنيين في اليمن.
هذه الأمثلة توضح أن الحروب تمثل فرصاً بالنسبة لأمريكا لزيادة الأرباح، فيما تغيب الاعتبارات الإنسانية.
الأبرياء أكثر ضحايا الحروب الأمريكية
يتضرر المدنيون بشكل أكبر من جراء الحروب التي تذكيها شركات السلاح، فهم يدفعون ثمناً باهظاً نتيجة عمليات القصف والغارات. تشير الإحصاءات إلى مقتل وتشريد الملايين من المدنيين بسبب الحروب التي تُشعلها الشركات الأمريكية بشكل غير مباشر من أجل تحقيق الأرباح. وتعتبر منطقتنا العربية أكثر تضررا من الحروب الأمريكية فخلال عشر سنوات فقط سقط الملايين من الأبرياء ففي اليمن، على سبيل المثال، خلّفت الحرب مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء إضافة إلى ما تسببت الحرب من مجاعة وكارثة إنسانية كبرى، في ظل استخدام الأسلحة الأمريكية في العدوان الأمريكي السعودي طوال ٨ سنوات من الحرب و قلبها راح أكثر من مليون عراقي ضحايا الحرب وفي سوريا وليبيا و السودان وما يحدث في غزة ولبنان منذ عام أكبر الشواهد على أن أمريكا تحقق الثراء من دماء الأبرياء.
تأثير شركات الأسلحة على دور المنظمات الحقوقية
شركات الأسلحة، وخاصة الأمريكية منها، تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على المنظمات الحقوقية من خلال شبكة معقدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر في قرارات هذه المنظمات وتوجهاتها، بل احيانا تستخدم هذه المنظمات كورقة ضغط كما حدث في اليمن من خلال وقف برنامج الغذاء العالمي نشاطه في اليمن وهذا التأثير يمكن أن يظهر بطرق مختلفة:
التمويل والسيطرة على النقاشات: العديد من المنظمات الحقوقية تعتمد على التمويل من الحكومات أو الشركات الكبرى. بما أن بعض الحكومات الغربية الكبرى (مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) هي من أبرز داعمي شركات الأسلحة، فإن هذا قد يؤدي إلى تعارض مصالح إذا قررت المنظمات اتخاذ مواقف قوية ضد انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن تستخدم فيها هذه الأسلحة مثل فلسطين أو اليمن.
التأثير السياسي والاقتصادي: شركات الأسلحة تُستخدم في كثير من الأحيان كأداة ضمن السياسة الخارجية للدول الكبرى. على سبيل المثال، إذا كانت المنظمات الحقوقية تتبنى مواقف قوية ضد ممارسات قمعية لجهات مثل الكيان الإسرائيلي، يمكن أن يتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان لضغوط من حكوماتهم التي تحافظ على مصالح اقتصادية مع هذه الدول أو الشركات.
الضغط الإعلامي: تعمل شركات الأسلحة من خلال حملات إعلامية وضغوط على المنظمات الحقوقية لتخفيف من حدة مواقفها بشأن قضايا معينة. حيث أن الشركات الكبرى قد تجد طرقًا للتأثير على وسائل الإعلام العالمية أو غيرها من منصات الضغط السياسي التي تشارك فيها المنظمات الحقوقية.
التحديات القانونية والتشريعية: عندما تدافع المنظمات الحقوقية عن قضايا مثل حقوق الفلسطينيين أو حقوق المدنيين في مناطق النزاع، فإنها تواجه تحديات قانونية قد تُستخدم فيها الضغوط من شركات الأسلحة أو الدول الحليفة لها لمنع تقديم الدعم للمنظمات أو فرض قيود على نشاطاتها، بل وجدنا كيف أن أمريكا و الكيان الصهيوني اتجهوا لتصنيف الأورنو كمنظمة “إرهابية” وهي التي خدمتهم سنوات طويلة في بناء مخيمات للفلسطينيين مقابل ترك منازلهم واراضيهم للمغتصبين الصهاينة..
وحينما نتساءل عن غياب تام للمنظمات الحقوقية عن الدفاع عن انتهاكات وجرائم الصهاينة ضد الأطفال و النساء و المدنيين والبنية التحتية فيما تصيح في حال سجن ناشط صحفي في أي بلد وأن كان بقضايا جنائية سنجد الجواب في خفايا غياب منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة و التي تعني بحماية الأطفال أثناء النزاعات إذ غابت تماما عن ما يحدث للأطفال الفلسطينيين في غزة و لمعرفة السبب تبين أن رئيسة المنظمة كاثرين راسل هي زوجة مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق توم دونيلون و الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة معهد بلاك روك للاستثمار (BlackRock Investment Institute)، وبلاك روك واحدة من أكبر شركات إدارة الأصول في العالم ولها استثمارات واسعة تشمل قطاع الدفاع والصناعات العسكرية. واستثمارات متعلقة بصناعة الأسلحة.
دور بلاك روك وتأثيرها في الاستثمار الدفاعي يُعتبر جزءاً من المعادلة المالية التي تُمكن شركات الأسلحة الأمريكية من التمويل والدعم المستمر فقد استثمرت الشركة أكثر من 13 مليار دولار في شركات الأسلحة الأمريكية كشركة لوكهيد مارتن وجنرال ديناميكس ومليارات أخرى في شركات أخرى تصنع أسلحة محظورة دوليا، مثل الفسفور الأبيض الذي يستخدم في الحرب الحالية بغزة والقنابل العنقودية، ولذلك نجد بصمات هذا الرجل واضحة في غياب منظمة اليونيسف عن الساحة الفلسطينية.
وأمام هذه الحقائق ندرك الأسباب وراء الإصرار الأمريكي ” الشيطان الأكبر ” على تغذية الحروب ونشر الفتن ولماذا لا تتورع عن تزويد الكيان الصهيوني بالأسلحة المحرمة والذكية والمدمرة و الخارقة للتحصينات واستخدام الفيتو والضغط السياسي ضد أي قرار دولي يستهدف وقف الحرب وحماية المدنيين ألم يقل الرئيس الحالي جو بايدن ذات مرة ” لولم تكن “إسرائيل” موجودة لعملنا على إيجادها” ولو قمنا بعملية إحصاء للحصاد الدموي الأمريكي و للحروب التي افتعلتها سوى المباشرة أو بالوكالة لاحتجنا مجلدات و التي حصدت ملايين البشر وأعادت مدن بأكملها لقرون إلى الوراء ونهبت ثروات الشعوب المستهدفة ومنطقتنا العربية خير شاهد للسياسات العدوانية الأمريكية و يكفي العالم أنه يعرف أن أمريكا أول من استخدمت السلاح النووي وسحقت ملايين البشر في فيتنام و العراق وأفغانستان واليمن و قبل ذلك إبادة سكان أمريكا الأصليين..
إنَّها “دولة” صنعت من الحرب مبررًا لوجودها ومن الخراب طريقًا لتحقيق أهدافها، هذه الدولة، القائمة على مصالح الشركات الضخمة وتكديس الثروات، لا تزدهر إلا وسط الدمار والأزمات، تستغل التوترات وتزرع الفتن، فتدعم الحروب تارةً، وتتدخل تارةً أخرى تحت ذرائع شتى، بينما تكون الدوافع الحقيقية محصورة في السيطرة الاقتصادية والسياسية.
وتعد شركات الأسلحة، من أبرز المحركين لأمريكا ، إذ تجني مليارات الدولارات من تسليح الدول والجماعات، وتزيد من نفوذها بفضل شبكات الضغط السياسي التي تفرضها على صناع القرار. تستغل هذه الشركات النزاعات حول العالم لدفع الحكومات نحو زيادة الإنفاق العسكري، متجاهلةً النتائج الإنسانية الكارثية لهذه الحروب، وبذلك، تنجح في تعزيز اقتصاد قائم على الفوضى ومشاريع إعادة الإعمار التي تعقب كل حرب، مما يضمن استمرار حلقة الاستغلال وتحقيق الأرباح الطائلة.
في النهاية، تصبح الولايات المتحدة الأمريكية رمزًا لثقافة لا تحيا إلا على حساب معاناة الآخرين، في ظل منظمات وكيانات تروج لأجنداتها وتبرر أفعالها مهما كانت فادحة.
موقع الحقيقة