صمود وانتصار

طاب المقام

زينب عبدالوهَّـاب الشهاري

أخبرني كيف لم تكن كغيرك؟!، كيف أصبحت متفردًا؟! ما الذي جعلك ترى كُـلّ شيء بعين مختلفة؟! كيف لم تتأثر حين مال الكثير؟! كيف لم تتعثر حين سقطت الكثرة؟! أيها القادم من ملكوت آخر، أيها الزائر المغادر، أنت الحقيقة والجمال، أنت القدسية والنور، أنت إيمان متحَرّك وصدق ناطق، حين كانت المعارك وخطوط النار واشتباكات الطلقات والقذائف، وهدير الطائرات وزخات الصواريخ، الجوع والبرد، الجهد والمشقة، ضرب من مستحيل للسواد الأعظم، كنت أنت من القلة التي عشقها وخاض غمارها، وكان من أبطالها وصناديدها، حين كان الأغلبية، يتهربون، يبرّرون، يتكاسلون، ينفرون، يثبطون، كنت هناك في مقدمة الصفوف تخطط بإحكام، وتصنع الكمائن، وتجهز الذخائر، تهندس المعارك، تقنص النواصي والنحور، تسدد الضربات، تحرق الآليات، تفجر المدرعات، تقتحم الثكنات، تطهر المواقع، وتخوض الغمرات، وترفع الرايات، وتهلل بالتكبيرات، وحين كانوا على شاشات الأجهزة الذكية يتابعون الترندات ويتنقلون بين مواقع التواصل الاجتماعي بين دفء عائلاتهم، كنت مع ثلة من المؤمنين الصادقين تتدارسون القرآن الكريم وقليلًا من الليل ما تهجعون وبالأسحار تستغفرون، وتسبحون الله بكرة وأصيلاً، حينها تذوقون دفئاً من لدن رحمَن رحيم لا يشوبه جفاءٌ ولا خواء، وراحة وسكينة من لدن رؤوف ودود لا يخالطها هم أَو غم، وحين يزداد حبلُ الوصال أكثر بينك وبين ربك، وتصعد في معراج الصادقين الربيين، يتزين مقعد الشهادة للحظة وصولك وتتحضر الجنان للقائك لتضمك في نعيمها، ربحت وهم لم يدركوا خسارتهم بعد، فزت وهم لم يدركوا ضياعَهم بعد، حفظتهم؛ لأَنَّهم جزء منك وصُنْتَ عِرضَهم؛ لأَنَّه عرضك وحميت أرضَهم؛ لأَنَّها أرضك أَيْـضًا، قدمت لأجل كُـلّ واحد فيهم فهل سيدركون ذلك؟!

أيها الشهيد الحبيب، لن يدرك كُـلّ شخص فيهم هذا العطاء إلا عندما يحل مكانك في الميدان بعد غيابك ويصطف مجدّدًا مع رفاقك، لن يدرك إلا حين لا ينسى أطفالك فلا يشعرون ببعدك وهو موجود، لن يدرك إلا عندما يجاهد كما فعلت ويقتفي أثرك في ساح الوغى، لن يدرك إلا حين يكون أميناً على الوطن، خادماً له من موقع مسؤوليته، صائناً للحرمات، مدافعاً عن الشرف، مقاتلاً في سبيل الله، حينها وحينها فقط سيكون وفيًّا لك، معترفاً بعظيم تضحيتك، سائراً على نهجك، وحينها -وحينها فقط- سيكون في مرتبة مجاهد شهيد حي فائز مثلك، حينئذ ستنتظره ليرتقي، حيثُ إنت ويكون بصحبتك في العليين وطاب المقام وحسن أُولئك رفيقاً.