صمود وانتصار

القصف والجوع والطقس .. ثلاثي حصد الأرواح في غزة!

الصمود||تقرير||

في أوساط ركام إحدى الأحياء المدمرة في شرق رفح بقطاع غزة، يعيش رجل عجوز في منزل متواضع. هذا المنزل الصغير هو ملاذه الوحيد، يحمل بين جدرانه ذكريات حياة لأفراد أسرة تحتضنها آمال بسيطة تتناثر في سماوات قاتمة. ورغم الأزمة الخانقة التي تجتاح القطاع، اضطر العجوز للقيام بمغامرة خطيرة لتوفير الضروريات الأساسية لعائلته.

رغم علمه أن المدينة تحت وطأة قصف العدو الصهيوني المستمر، قرر العجوز الخروج لجلب كيس طحين. بخطوات ثقيلة وبطيئة، مشى بين الأنقاض وتحت السماء الملبدة بتهديدات القصف المستمر على مدار الساعة. كان يعلم أن كل خطوة قد تكون هي الأخيرة، لكن الحاجة كانت أكبر من الخوف. فكر في أطفاله وأحفاده الذين ينتظرون عودته بأمل وقلق.

بينما كان العجوز يحمل كيس الطحين ويقترب من منزله، أطلق طيران العدو الصهيوني قذائفه، مخترقاً حذر خطواته البطيئة.. وبقسوة لا متناهية، ارتقت روحه إلى عالم الشهادة عند مليك مقتدر، وظل جسده يروي تراب أرضه بدمه الطاهر.. ارتقى العجوز شهيداً، وبقيت حكايته رمزاً للصمود والتحدي، تعبر عن معاناة يومية تسكن حياة سكان غزة. وبقوة بأس الإنسان الفلسطيني في مواجهة إرادة المحتل الغاصب، رسمت كل خطوة خطاها إرادة لا تنكسر وأملاً لا ينطفئ رغم الإجرام والصمت الدولي.

أجواء البرد والمطر.. ظروف كارثية

وعلى جانب آخر من المأساة، يعاني الفلسطينيون النازحون من شمال قطاع غزة أوضاعًا مأساوية مع دخول فصل الشتاء، حيث زادت الأمطار الغزيرة من معاناتهم بعدما اضطرهم العدو الصهيوني للعيش في خيام بدائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأساسية، ما يزيد من التحديات الناتجة عن العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل للعام الثاني على التوالي.

رامز عواد، 48 عامًا، واحد من آلاف الفلسطينيين الذين اضطروا للنزوح من مخيم جباليا إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف شمال القطاع في بداية شهر أكتوبر 2024.

يروي عواد معاناته مع أسرته المكونة من سبعة أفراد، الذين وجدوا أنفسهم في “ملعب اليرموك” بمدينة غزة، حيث أقاموا في خيمة ضيقة على الرغم من المحاولات العديدة لتوفير مكان آمن لهم، قائلًا: “هناك مئات الخيام التي تؤوي آلاف النازحين من مخيم جباليا ومحيطه، والجميع يعيش ظروفًا كارثية، خاصة مع أجواء البرد والمطر”.

وأوضح عواد في حديثه لوسائل الإعلام ، أن محاولاته وأسرته لحماية خيمتهم من الأمطار كانت دون جدوى بسبب غزارة الأمطار، التي أغرقت خيمتهم وتحولت الأرضية إلى وحل، مما جعل من المستحيل التحرك داخل المخيم.

وأضاف: “عندما سمعنا بتوقعات الأمطار، حاولنا حماية خيامنا وتجنب الخطر، لكن كل محاولاتنا فشلت بسبب غزارة المطر. الأرضية الطينية تحولت إلى وحل، وجعلت من المستحيل التحرك فيها”.

وأكد أن الحياة داخل الخيمة كانت قاسية، لا سيما أن أطفاله الصغار يعانون من البرد في ظل غياب الأغطية الكافية بسبب نزوحهم القسري.

وأشار عواد إلى أن نزوحه كان بسبب العدوان الصهيوني  الذي بدأ في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث اجتاح “جيش” العدو الإسرائيلي شمال قطاع غزة تحت مزاعم “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”.

وأضاف : “في السابق، كانت مواسم الأمطار تذكرنا باللحظات الجميلة، حيث كنا نجتمع مع عائلتي في المنزل الذي دمره العدو  الإسرائيلي، نتناول الطعام حول موقد النار ونقضي أوقاتًا دافئة. أما اليوم، فقد أصبح الوضع مختلفًا تمامًا، وأصبحت مواسم الأمطار ثقيلة علينا، خاصة ونحن نعيش في خيام قماشية”.

وفي ذات السياق، لم يكن حال صابرين المدهون (26 عامًا)، النازحة من مشروع بيت لاهيا، أفضل حالًا. تقول المدهون: “لأول مرة نجرب حياة الخيمة بعد نزوحنا القسري من بيت لاهيا، وكانت التجربة أقسى مما نتخيل”.

وأوضحت أن عائلتها، التي تضم والدها ووالدتها وثلاثة من إخوتها، كانت قد لجأت إلى “ملعب اليرموك” حيث وجدوا مأوى في خيمة صغيرة وسط الآلاف من النازحين.

وأضافت: “كل شيء غرق فجأة ولم نعد نحتمل. سلمنا أنفسنا للأمطار، والكل كان يدعو الله أن يوقف المطر وينقذ أرواحنا”.

وقالت المدهون: إن الأوضاع الصعبة في الخيمة جعلتها تبكي طوال الوقت بسبب حالة عجزها وعجز أسرتها عن مواجهة الظروف القاسية، خصوصًا مع وجود والديها المسنين في هذه الظروف الصعبة.

وتابعت: “أنا أنظر إلى أبي وأمي المسنين، يعيشان هذه المأساة، بينما العالم يواصل دعمه للاحتلال”. كما ناشدت المدهون “كل إنسان حر في العالم للتحرك من أجل النازحين الفلسطينيين والضغط على الاحتلال لوقف هذه الحرب المجنونة”.

وعانت معظم الأسر النازحة في قطاع غزة من نقص حاد في مقومات الحياة الأساسية، حيث تفتقر الخيام إلى الخدمات الضرورية مثل المياه والغذاء، وتنتشر الأمراض نتيجة تدهور الوضع الصحي.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل نحو مليوني شخص من أصل 2.3 مليون فلسطيني في القطاع.

وتحدث المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، عن خطورة الأوضاع التي يعيشها النازحون في الخيام، قائلا: “أصدرنا تعليمات للنازحين قبل بدء موسم الأمطار، خاصة لأولئك الذين يعيشون في الخيام، لأن المأساة المتوقعة في ظل اهتراء الخيام ستكون كبيرة”.

وأشار بصل إلى أن “المناطق التي نزح إليها الفلسطينيون أصبحت بؤرًا للأمراض والأوبئة، ولا توفر أي مقومات للحياة، مما يعرِّض الناس لمخاطر شديدة جراء البرد والمطر”.

وأضاف, إن الأوضاع زادت سوءًا نتيجة تدمير الاحتلال للبنية التحتية في غزة، خاصة قنوات تصريف المياه التي كانت تتعامل مع الأمطار.

وقال: “ما يزيد من خطورة الأوضاع هو تدمير الاحتلال للبنية التحتية وقنوات تصريف المياه التي كانت تستوعب الأمطار”، داعيًا “الأمم المتحدة ومؤسساتها لحقوق الإنسان إلى التدخل العاجل لتوفير أماكن إيواء تحمي النازحين من مخاطر مياه الأمطار”.

المجازر الدموية.. حرب إبادة مستمرة

وفي سياق متصل، ولليوم الـ411 على التوالي، يواصل العدو الصهيوني ، بدعم أمريكي وعدد من الدول الغربية، ارتكاب المجازر الدموية وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها على أهالي قطاع غزة، مستهدفًا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية ما أدى إلى استشهاد وإصابة نحو أكثر من 148 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على الـ10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة، لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم”.

في غضون ذلك، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، عن حصيلة جديدة للشهداء والجرحى، جراء العدوان الإسرائيلي المستمر، حيث ذكرت الوزارة في بيان لها، أن العدو الإسرائيلي ارتكب مجزرتين ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها إلى المستشفيات 13 شهيدًا و84 إصابة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.

وقال جهاز الدفاع المدني في بيان: “استشهد ثلاثة فلسطينيين بقصف إسرائيلي استهدفهم قرب مدرسة العقاد بمنطقة خربة العدس شمال محافظة رفح (جنوبًا)”. وأصيب ثلاثة فلسطينيين بقصف مدفعي إسرائيلي استهدف محيط “مستشفى العودة” بمخيم جباليا (شمالًا)، بحسب بيان صادر عن المستشفى دون مزيد من التفاصيل.

على صعيد آخر، شهدت الأراضي الفلسطينية، أمس الأربعاء، مقتل 16 فلسطينياً جراء غارات إسرائيلية على عدة مناطق، بما في ذلك منزليْن في غزة وبيت لاهيا، بالإضافة إلى تجمع للمواطنين في رفح. في اليوم الـ47 من العملية العسكرية في شمال قطاع غزة، استهدف الجيش الإسرائيلي منزل عائلة “جودة” في جباليا، مما أدى إلى مقتل 12 فلسطينياً وفقدان 10 آخرين تحت الأنقاض.

كما شهدت مدينة غزة قصفاً استهدف شقة سكنية في حي الصبرة، مما أسفر عن وصول جثامين 3 فلسطينيين، بينهم رجل دفاع مدني، وإصابة آخرين. وقد استُهدِف طاقم الدفاع المدني أثناء محاولتهم إنقاذ المصابين، وذلك للمرة الـ18 منذ بداية العمليات العسكرية.

في رفح، قُتل فلسطيني آخر وأُصيب عدد من الأشخاص. منذ  7 أكتوبر، تزايدت أعداد الضحايا لتصل إلى حوالي 148 ألف بين قتيل وجريح، مع انقطاع المساعدات الإنسانية وتدهور الوضع الصحي. يواصل العدو الصهيوني عملياته الإجرامية.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن العدو الإسرائيلي ارتكب، اليوم الخميس، 4 مجازر وحشية بقصفه حيًا سكنيًا في محيط مستشفى كمال عدوان ومناطق أخرى، أسفر عن 112 شهيدًا بينهم 64 طفلًا وامرأة و22 مفقودًا وأكثر من 120 جريحًا ضحية مجازر العدو الأربع  في القطاع. وبذلك ترتفع حصيلة العدوان، حسب بيان الوزارة، إلى 44 ألفًا و56 شهيدًا، و104 آلاف و268 إصابة منذ السابع من أكتوبر 2023.

ربوتات متفجرة تنسف المربعات

وتواصل قوات العدو  استخدام الربوتات المتفجرة لتدمير ونسف المربعات السكنية، خصوصًا في مناطق جباليا، ومخيمها، ضمن حملة التهجير -الإبادة الجماعية- التي تتواصل منذ ما يزيد عن 50 على التوالي.

وتؤدي هذه الروبوتات المحملة بكميات هائلة من المتفجرات؛ إلى تدمير المنازل على رؤوس ساكنيها، دون أن تتمكن طواقم الدفاع المدني او الجهات الطبية من إخلاء الجرحى والشهداء من تحت أنقاض المنازل المدمرة.

يبدو أن العدو الصهيوني ليس في وارد إيقاف مجازره بحق الشعب الفلسطيني مستغلاً التخاذل العربي الإسلامي والصمت الدولي، منطلقاً من الدعم الأمريكي الغير مسبوق عسكريا وسياسياً وفي مختلف المجالات. الأمر الذي يستدعي تصعيد العمليات العسكرية واستهداف الكيان الصهيوني والسعي لما من شأنه توحيد الجهود فالعدو الصهيوني لا يعرف سوى لغة القوة.