صمود وانتصار

ذكرُ الشهادة في يوم الشهيد عِـــزٌّ وتجديد

ق. حسين محمد المهدي

مما لا ريبَ فيه أن أفضلَ ما نطق به اللسان، وأفصح عنه البيان ما زاد في قوة البصيرة، وعاد بصحة السريرة، فانتفع به الأخيار، واندحر به الأشرار؛ فصار تذكرة للمؤمنين، وقوة لأولي الألباب المتقين، فمن آمن بالله التجأ إليه، ومن وثق به توكل عليه، فرضي بقضائه، وسَعُدَ بلقائه، (وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَو قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّـهِ تُحْشَرُونَ).

فالجهاد خير زاد، فرضه الله لعزة وشرف العباد، وجعل فيه الرحمة، وبه المغفرة، وحسن المعاد (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَو مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّـهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

فخير الدنيا والآخرة والظفر بالسعادة تحصُلُ بالشهادة؛ فقد سُمِّيَ الشهيد شهيداً؛ لأن الله شهد له بالجنة وحسن المثوبة وعظيم الأجر؛ ولأن الملائكة تشهد نقل روحه إلى الجنة، من لحظة شهادته فإنه يكون حاضراً فيها، يستبشر بشهادة من بعده من المؤمنين، (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

فالشهيد من شهد قتال الكفار والمنافقين، وقُتِلَ مِن أجلِ إعلاء كلمة رب العالمين، ورفع الظلم في فلسطين عن المؤمنين، بائعاً نفسه من ربه، واثقاً بوعده (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالقرآن وَمَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

فالشهادةُ حياةٌ وعزة وفوز عظيم، وطاعة لرب العالمين، ونصرٌ وتمكين، ومثوبة ورزق كريم، ولهذا يقول العزيز الحكيم: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ).

والشهداء هم الأسوة والقُدوة.

فأفضلُ الناس من كانت فضيلته

حب الكمال وحسن القول والعمل

وخير ما اختار ذو عقل ومعرفة

شهادة في سبيل الله فهو ولي

فالشهادة طريق الفلاح والنجاح يفوز بها من أحب الله وجاهد في سبيله، وسعى إلى تطبيق شريعته، وإقامة حجته، ونصرة المظلومين في فلسطين، ولقد كان لسادة شهداء هذا الزمان السيد حسين بدر الدين الحوثي والسيد صالح الصماد وسماحة السيد حسن نصر الله والسيد إسماعيل هنية والسيد يحيى السنوار والسيد قاسم سليماني وجميع الشهداء؛ مِن أجلِ تحرير فلسطين والأقصى الشريف المكان الرفيع الأعلى والقدح المعلى في تجديد حركة الجهاد في عصرنا هذا فنالوا بذلك شرف الدنيا والآخرة.

ويكفي الأُمَّــةَ فخراً ارتقاؤُهم شهداءَ وهم يجاهدون؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله، وتحرير الأقصى الشريف فقد ساروا على طريق العزة، واستجابوا لنداء ربهم، وجاهدوا في سبيله؛ مِن أجلِ إخراج هذه الأُمَّــة من الظلمات إلى النور، إلى صراط الله العزيز الحميد.

وبدمائهم الطاهرة يعلو بنيان الحق ويظهر سبيله، وعلى دربهم يستيقظ أحرار هذه الأُمَّــة، من أنصار الله وحزبه ليحرّروا المقدسات وينشروا الإسلام في الأرض كلها من كابوس الصهيونية وظلمها.

وفي القريب العاجل بإذن الله يعم الإسلام ويحل السلام في أصقاع الأرض كلها، وإن كانت طبول الحرب لا تزال قائمة، فإن الله قد وعد بالنصر، وبتضحية الشهداء ودمائهم الزكية يتحقّق ما وعد به الرحمن (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.